الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإقتصاد التعاوني رديف التنمية العنقودية

نشر بتاريخ: 22/08/2019 ( آخر تحديث: 22/08/2019 الساعة: 10:48 )

الكاتب: سامر سلامه

يبدو أن التحديات الإقتصادية آخذة بالتصاعد مع إستمرار أزمة أموال المقاصة من جهة والتعنت الإسرائيلي بعدم تطبيق بروتوكول باريس الإقتصادي من جهة أخرى، الأمر الذي يضع الحكومة الفلسطينية أمام خيارات صعبة. وفي محاولة منه لإحداث إختراق حقيقي في الوضع القائم فقد أطلق دولة رئيس الوزراء مبادرة التنمية العنقودية (قد تحدثنا عنها في مقالنا السابق) التي من شأنها تعزيز أداء الإقتصاد المحلي الفلسطيني وتعزيز صمود المواطنين على أرضهم وفي كافة المناطق. فالتنمية العنقودية ما هي إلا إستراتيجية تساهم في تعزيز الإستثمار الأمثل في الموارد المحلية المتاحة. وفي الحالة الفلسطينية وفي ظل ظروف إستمرار الإحتلال فإنه لا بد من إستخدام أدوات مختلفة لتطبيق هذه الإستراتيجية لنتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة بحسب ما وضعتها الحكومة. ومن أحد أهم الأدوات التي يمكن إستخدامها لدعم تنفيذ إسترتيجية التنمية العنقودية، تطبيق مباديء الإقتصاد التعاوني التعاضدي. فالإقتصاد التعاوني ولد أصلا من رحم الظروف المشابهة للظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي نعيشها الآن وتعمل على أساس تجميع الموارد الصغيرة والضعيفة والمبعثرة وتعزيز الإستفادة الجماعية من تلك الموارد وإستثمارها بشكل فعال.
لا يمكن أن يختلف إثنان بأن تحقيق تنمية إقتصادية متكاملة في ظل الإحتلال غير ممكن، وأنه لا يمكن أن يكون لدينا إستقلال إقتصادي دون أن يكون لدينا إستقلال سياسي وسيادة كاملة على الأرض الفلسطينية حتى نتمكن من السيطرة الكاملة على الأرض والموارد والمعابر الدولية التي تعتبر أساس التنمية الإقتصادية الحقيقية. وما نطرحه الآن من أفكار ما هو إلا محاولة للخروج من قمقم الأزمة الإقتصادية الحالية وتعزيز صمود المواطنين على أرضهم وتحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية لتمكينها من مواجهة التحديات السياسية وربما الأمنية في المرحلة المقبلة. فالهدف كما أعلنه رئيس الوزراء هو الإنفكاك التدريجي عن إقتصاد الإحتلال وتقليل الإعتماد عليه وتعزيز صمود المواطنين على أرضهم.
إن الإقتصاد التعاوني يقوم على مباديء خاصة تتمثل في العضوية الإختيارية الطوعية المفتوحة، وديمقراطية الأعضاء الإدارية والرقابية، والمشاركة الإقتصادية للأعضاء، والشخصية الذاتية المستقلة، والتعليم والتدريب وتعميم المعلومات للأعضاء، والتعاون بين التعاونيات، وأخيرا المسؤولية الإجتماعية. فإن تطبيق هذه المباديء عند تنفيذ إستراتيجية التنمية العنقودية سيساهم بشكل كبير في إنخراط كافة شرائح المجتمع في عملية التنفيذ وبالتالي جعل التنمية العنقودية مسؤولية مجتمعية ستعزز من فرص نجاحها وإنتشارها وتعميم تجاربها وخبراتها على الجميع.
هناك نماذج محلية وإقليمية وعالمية ناجحة جدا في مجال تطبيق مباديء الإقتصاد التعاوني. ونحن في فلسطين لدينا الخبرات الكافية للسير قدما في تعزيز دور هذا الإقتصاد إذ تعتبر فلسطين من أول الدول العربية التي طبقت مباديء الإقتصاد التعاوني وأقامت جمعيات تعاونية فعالة منذ عشرينات القرن الماضي. كما أن التعاونيات قد لعبت دورا بارزا في تعزيز صمود المواطنين خلال الفترة ما قبل أوسلو. فالتجربة والخبرة موجودة وما ينقصنا سوى تعزيز العمل التعاوني ونشر مبادئه ودعم إنتاجيته وتطوير حوكمته وتطبيق مباديء النزاهة والشفافية عليه.
ومن أهم الأدوات التعاونية التي يمكن العمل عليها هو إنشاء بنك أو بنوك تعاون تبني رأس مالها من إدخارات المواطنين الصغيرة جدا وإستثمارها مع المواطنين أنفسهم وذلك ليشكل بنك التعاون الرديف الحقيق لبنك التنمية الحكومي المقترح من قبل الحكومة الفلسطينية وبذلك نحدث تكامل حقيقي في عمل البنوك التجارية والحكومية والتعاونية لإعطاء الفرصة المتكاملة لجميع فئات الشعب للإستفادة من الخدمات المالية والفرص الإئتمانية المتنوعة التي تقدمها تلك البنوك وعدم حصرها في خدمات محددة لا يستفيد منها سوى شريحة محددة التي تكون قادرة على إستيفاء شروط البنوك التجارية. ويمكن أن نبني بنوك التعاون بدمج أو تطوير جمعيات التوفير والتسليف التعاونية العاملة في فلسطين بشكل قانوني ورسمي لتصبح بنك تعاوني يعمل وفق مبادي التعاون السبعة.
وإذا كنا نتحدث في التنمية العنقودية عن إقامة مشاريع إنتاجية تتلائم ووضع وظروف كل منطقة فإن هذه المشاريع يمكن إقامتها على أساس تعاوني تعاضدي لتشجيع أكبر شريحة ممكنة في كل منطقة للإنخراط في عملية الإنتاج العنقودية. وأقله يمكن تأسيس شركات تسويق تعاونية متخصصة بكل عنقود لتسويق منتجات كل منطقة وخاصة المنتجين الصغار. فعلى سبيل المثال يمكن تأسيس جمعية تعاونية سياحية للترويج للسياحة في منطقة بيت لحم (العنقود السياحي) وذلك لمساعدة أصحاب الفنادق والمطاعم والأماكن السياحية المختلفة في المنطقة من ترويج نفسها وإستقطاب أكبر عدد من السائحين لتلك المنشآت السياحية التي لن تتمكن من الوصول إلى الأعداد المرجوة من السائحين إذا عملت على ترويج نفسها بنفسها. وهكذا لجميع القطاعات والمناطق العنقودية المقترحة.
إنني أعتقد أن تطبيق مباديء الإقتصاد التعاوني يمكن أن يشكل رديفا قويا لإنجاح فكرة التنمية العنقودية إذ ستساهم التعاونيات في جلب مزيداً من الإستثمارات الصغيرة والمشتتة في كل منطقة بالإضافة إلى زيادة إنخراط كافة الشرائج المجتمعية في عملية التنمية العنقودية التي ستنطلق في جميع المناطق الفلسطينية الأمر الذي يعزز الملكية الجماعية (على أساس تعاوني) لجميع أو معظم المشاريع التي ستقام في كافة المناطق الفلسطينية. فمشاركة المواطنين على صغر مساهماتهم في عملية التنمية المحلية وإحساسهم بملكية المشاريع التي يتم تنفيذها في مناطقهم سيعزز من حرص الجميع على دعم تلك المشاريع وإنجاحها. فأي عمل جماعي إذا لم يتم تعزيز إنتماء المجتمع لذلك العمل فإن فرص نجاحه ستكون ضعيفة أو محدودة.