الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مفاعيل التغيير في الحالة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 03/09/2019 ( آخر تحديث: 03/09/2019 الساعة: 11:45 )

الكاتب: عوني المشني

الثابت هو المتغير في علم البنى الاجتماعية السياسية ، هذه البديهية وان بدت من المسلمات الا ان سيرورتها محكومة بمجموعة من العوامل التي لا تؤثر فيها فحسب بل تترك اثرا عليها بما يعطيها سمات جديدة ، وقبل الولوج في هذه العوامل فان استعراض التغيير في سياقه التاريخي يقدم لنا صورة نستطيع الانطلاق منها لاستشراف المستقبل
في السياق التاريخي الفلسطيني ارتبط التغيير بالتطورات الموضوعية المرتبطة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى الحد الذي حاول بعض المؤرخين الصهيونيين ان يعتبر نشوء وتكون الحركة الوطنية الفلسطينية قد جاء كردة فعل على الحركة الصهيونية ، لكن وللموضوعية فقد جاء تشكل الحركة الوطنية الفلسطينية في سياق تشكل الحركات الوطنية العربية القطرية بعد الحرب العالمية الاولى مرتبطا هذا التشكل بتقسيمات سايكس بيكو التي جعلت من القطرية بديلا او موازيا للمفهوم القومي والتشكيلات المرتبطة فيه ، وتزامن ذلك الى حد كبير بتشكل الحركة الصهيونية وتصاعد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وبذلك يمكن لسوء الفهم الاسرائيلي ان يجد ما يبرره .
قاد الإقطاع الفلسطيني الحركة الوطنية الفلسطينية حتى نكبة ١٩٤٨ ، العائلات العريقة أمثال الحسيني والنشاشيبي تزعمت الكثير من التشكيلات السياسية الفلسطينية ، أحزابا وفصائل وطنية مناضلة ، ورغم الخلاف الحاد بينها فقد استحوذت على القيادة ردحا من الزمن ، ولم يكن يبدو ان علامات انهيار لهذه القيادات بل كانت في أوج قوتها ، وبهزيمة المشروع الوطني عام ١٩٤٨ انهارت تلك القيادة بل وتشكيلاتها السياسية دفعة واحدة ودون اي مقدمات ، انهيار كامل وفجائي ، وفِي الحال تشكلت قوى سياسية جديدة ، المثير في الامر ان شعبنا بعد الهزيمة لم يشكل قوى مستقلة وانما استخدم التشكيلات القائمة على الصعد العربية والإسلامية والعالمية ، تشكل حزب البعث الفرع الاردني ، وكذلك الاخوان المسلمون وكذا حزب التحرير والحزب الشيوعي الاردني ، والقوميين العرب ، جميع كل تلك القوى هي امتداد لحركات قومية او اسلامية او ماركسية ، والمثير في الامر انها لم تكن فروعا باسم فلسطيني ، بل جميعها اخذت الاسم الاردني او فرع الاردن وهذا مثل بشكل او باخر تراجع للشخصية الوطنية الفلسطينية ، ربما ان القانون الاردني كان سببا ولكن هناك قوى كانت ممنوعة في الاردن وبالتالي لم يكن لأخذها الطابع الفلسطيني اي تاثير يذكر على الملاحقات التي كانت آنذاك ، استمر هذا الوضع حتى هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ ، الهزيم أطاحت بالقوى السياسية السائدة وأنتجت قوى سياسية بديلة ، أطاحت بالأحزاب لتتشكل بعدها فصائل المقاومة الفلسطينية ، صحيح ان ارهاصات هذه الفصائل كانت قبل الهزيمة ، لكن الانطلاقة الحقيقية ذات التأثير جاءت بعد الهزيمة بل ردا على الهزيمة ، وحتى القوى الكلاسيكية التي ارادت الحفاظ على نفسها وتجنب الاندثار تحولت الى فصائل مقاومة ، هذا ما حصل مع البعث بجناحيه السوري والعراقي ، اصبح الصاعقة وجبهة التحرير العربية ، والقوميين العرب تحولو الى الجبهة الشعبية وفيما بعد الجبهة الديمقراطية ايضا .
هذا الرصد التاريخي يضعنا امام قواسم مشتركة ، التغيير في الحالة السياسية يأتي في ظل مفاصل تاريخية مهمة ، التغيير يتم سلميا بدون عنف او مقاومة ، التغيير يتم بالإحلال وليس بتطوير القوى القديمة ، وآخراً التغيير يتم جذريا وشاملا وليس جزئي .
السؤال : هل ينسحب هذا السياق التاريخي على المرحلة الحالية ؟؟!!!
لا يوجد اجابة قطعية والتاريخ لا يكرر نفسه بصورة ميكانيكية ، لكن هناك شواهد يمكن النظر اليها ، عندما حاولت حماس التغيير في البنية السياسية الفلسطينية فقد فشلت فشلا مدويا ، اولا استخدمت العنف كاداة تغيير وهذا وان نجح في الاستيلاء على السلطة فقد فشل في اخذ شرعية جماهيرية ، وثانيا بطريقة او باخرى استعانت حماس او وظفت عوامل او قوى خارجية وهذا ما جعل التغيير مرتبط بمعادلات اخرى مختلف عليها وساهم بشكل ملموس في أضعاف او فشل التغيير ، وثالثا لم تمثل حماس نهجا وبنية ومضمون مختلف عما هو سائد فلذلك وقعت في ذات المشكلات وشكلت امتدادا للقوى السابقة وان اختلفت الأدوات ، وبالتالي لا يمكن النظر للتغيير الذي احدثته حماس على انه تغيير جوهري منسجم مع السياق التاريخي للتغيير على الساحة الفلسطينية .فشل حماس هنا مرده انها خرجت شكلا ومضمونًا عن السياق التاريخي الذي اخذه التغيير الفلسطيني . هذا اولا وثانيا ان التغيير الذي سعت حماس اليه لم يشكل تغييرا في المنهج والجوهر بل كان تغييرا في ذات المنهج الذي استنفذ دوره التاريخي دون ان يحقق أهدافه .
هناك ما يمكن الإشارة اليه في هذا المجال وهو كوابح التغيير في ظل الواقع الموضوعي . الحالة الفلسطينية وان بدت سهلة الاختراق بعوامل التأثير الخارجية الا انها لا تتجاوب مع تلك العوامل ، وعند لحظات الحسم فان الحالة الفلسطينية تلفظ المتغيرات للتي تفرض عليها بإملاءات الخارج وتنتصر لذاتها ، لهذا فان كل من استعان بعوامل خارجية لاحداث التغيير قد فشل عندما وصلت الامور لمرحلة الحسم ، ورغم قوة وفعالية العنصر الخارجي الا انه كان يفشل دوما في النهاية ، لهذا فا ديناميكية التغيير الداخلية هي العنصر الحاسم والتي با يمكن تجاهلها .
وعودة للسؤال فيما اذا كان التغيير في الحالة الفلسطينية محكوم بالسياق التاريخي ، بشكل عام نعم ما زال السياق التاريخي يرسم معالم التغيير فلسطينيا لكن يجب الاعتراف ان تاثير العامل الخارجي قد اصبح اكثر تأثيرا من السابق بفعل مجموعة عوامل متداخلة ، ولكن دائما وابدا كان العامل الخارجي حاضرا وكان يمكن تجاوزه ، وهذه المرة ربما بصعوبة اكثر قليلا ولكن يمكن تجاوزه ، وربما ان هناك ثغرات في العامل الخارجي قد تساعد على تجاوزه بشكل اكثر سلاسة . وبالتفصيل هذا الامر يحتاج الى مبحث خاص اوسع تفصيلا من ان يحتمله مقال .
في نهاية الامر التغيير ثقافة تنتج عن تفاعل ديناميكي بين النخب المجتمعية ، وربما ان القفز عن تلك الثقافة هو ما ادى الى فشل محاولات التغيير مسبقا ، حتى توهمت النخب القيادية انها قدر هذا الشعب والذي لا مفر منه ، واكثر من هذا فانها صنعت هالة مقدسة حولها لتجعل من المساس بها وكأنه مساسا بثوابت الوطن والقضية ، لكن ما يلاحظ ان تلك الحالة المقدسة قد اضمحلت وارتفع النقد من الهمس الى الصراخ ولم تعد هناك هيبة حتى للأطر التي كانت مسيجة بالحب والاحترام والتضحية من اجلها . ثقافة جديدة تتشكل ، اهم ما فيها فقدان القديم مصداقيته والبحث عن خيارات اخرى ، هي ارهاصات معزولة هنا وهناك ولكنها بواكير تغيير جوهري قادم لا محالة .
هنا لا نقدم حلول ولا وصفات جاهزة ، نوضح سياقا تاريخيا يفترض ان يحضر عند تفكير النخب الفلسطينية بالتغيير للإجابة على سؤال : هل نحن امام مفصل تاريخي يستدعي التغيير ويفرضه ؟؟؟!!!! وما هي الأدوات المناسبة للتغيير في ظل تعقيدات المرحلة ؟؟؟!!!
ربما لا يجب ان مغفل عامل تطور وسائل الاتصال ووسائط التفاعل المجتمعي جعل من تعميم المفاهيم وفرص خلق راي عام غير موجه اكبر بكثير ، هذا يساهم بتجاوز نسبي للمعيقات الواقع الموضوعي ، وان كان هذا يساهم برصد ارهاصات التغيير ومحاولة قتلها في المهد ، لكن في النهاية فان الرأي العام سيكون له سلطانه وقوته وان بدا احيانا شكليا .
أنتا امام وضع لا يقبل الاستمرار ، موضوعيا وذاتيا ، مخاطر استمراره تعادل الى حد كبير مخاطرة تغيير خاضع للهيمنة ، لهذا فان السير على حبل مشدود هو حال المخلصين الذين ينشدون تغييرا يخدم قضايا شعبهم ، واستمرار إغلاق الابواب امام المستقبل سيقود الى مناهج تدميرية في تغيير مبرمج لصالح أعضاء شعبنا او خطوات رعناء لتغيير خارج عن قيمنا الوطنية وسيرورتنا التاريخية .