الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

" نعيم الطوباسي " نقيبُ الكلمةِ حينما كانت رصاصةً ..وداعًا

نشر بتاريخ: 30/09/2019 ( آخر تحديث: 30/09/2019 الساعة: 19:58 )

الكاتب: مازن حساسنة


تتوحّدُ النهايات كي نُدركَ حجم الفاجعة وهول الغياب ، تزامن توقّفُ قلبك عن الخفقانِ وجسدك النحيل عن الحراكِ مع آخر أيلول ، رحلت عن عوالمنا دون ضوضاء ، ترجّلت عن صهوةِ جوادك وأنت تخوضُ آخر معارك البقاء ،قاتلت بالرباطِ والصمودِ والايمان الفلسطينيّ الذي لا ينكسر ، ذهبت في رحلةِ اللاعودة ، تتزاحم داخل ذاكرة مُحبّيك عشرات المحطّات الوطنيّة التي أبدعت بها واتقنت السلوك الوطني ، رغم وعورة الدربِ وكثرة الصخور ، مشيت فوق الجمرِ في رحلةِ الدفاعِ عن الثوابتِ وصدحت ولم تتناكصْ أو تُذعن للقهقهرى ، بقيتَ صِنديدًا صلبًا كزيتونِ فلسطينَ المغروس في عُمقِ الأرضِ .

تلك السنوات وارهاصاتها صيّرتك رمزًا للصحافةِ الفلسطينيّةِ ، كما وصيّرتك نقيبًا للكلمةِ المحاربةِ اللاذعة والقاسية والحُرّة ، فأصبحت أحدَ رواةِ الروايّة الفلسطينيّة وأحد الذين يذرفون الحبر الوطنيّ بقلمٍ لم يتبدّد حبره .

كغزالٍ شاردٍ نحو أعلى الجبل ، وكمتمرِّدٍ قادرٍ على القفزِ فوق مؤشّرات الاخفاق ، لم يُحسنْ خصومك اصطيادك أو مطاردتك ، فلم يستطيعوا ايقاعك في شِباكٍ كنت الأقدر على المرورِ من خيوطها المتشابكة ، كنت تُحيك من خُرمِ الابرةِ مقالًا وتدمغه في زاويةٍ من جريدتك كي تعلنَ من خلالهِ أنّك لا زلت على قيدِ الكلمةِ ، وأنّك لا زلت حارسًا لحُريّةِ التعبيرِ وكي تحطِّمَ اغلال الاحتلال ، ومن أجلِ أَنْ تناوئ كلَّ أساليبِ الضغط الفكريّ وتضييق مساحة الصحافة ، وبابداعٍ استطعت تثبيت ثقافة الثورة التي لن تتداعى ، ولن ينكفأ كاتبي تعاليمها عن نشرها .


غادرت محمولًا على الأكتافِ في موكبٍ مهيبٍ يتشابه مع ملامحك الوطنيّة ، انتخبت السماء مدينةً ، وبرايةِ فتح الصفراءَ التي آمنت بها توارى جسدك المضيء ، فتح التي اعتنقت عقيدتها الوطنيّة اللامتناهية ، فلم تهنْ عليك يومًا ، وكيف تهن وأنت مِن بُناةِ حصنها الفولاذيّ الذي لا يأفل ولو ضاقت السبل .


أيُّها المفكر الهادئ ، والحاد كسيفٍ بتَّار ، والمتزن في المحنِ ، والماهر والمُخطِّط ، والإعلاميّ الصاروخيّ ، ها أنا أنعيك والكلمات تتمزّق في حلقي ، لا تكاد تنطلق كي تُفصحَ عن الحزنِ الفلسطينيّ ، ففلسطينُ تفقدُ وسيمها ، والخليلُ تبكي خليلها ، والصحافة في لوعةِ الخسارة .

رحمك الله أيُّها الوطنيّ الكبير ، ارقدْ في عليين بين الشهداء والأنبياء .