الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

في الانتخابات.. أوهام وحقائق ومبادئ

نشر بتاريخ: 11/10/2019 ( آخر تحديث: 11/10/2019 الساعة: 15:50 )

الكاتب: عوني المشني

الانتخابات الفلسطينية كل شيئ فيها مبهم ، وقابل للتأويل وبالشكل الذي يخدم من يقف خلف هذا التأويل .
إذا قلت انها انتخابات لمجلس اداري ذاتي تحت سقف الاحتلال فهذا صحيح
وإذا قلت انها انتخابات تعزز الكيانية الوطنية وترسي دعائم نظام ديمقراطي يتم تداول الحكم فيه سلميا فهذا صحيح أيضا
وإذا قلت انها انتخابات لا تمثل الكل الفلسطيني طالما الشتات وفلسطينيي الداخل لا يشاركون بها فهذا صحيح
وإذا قلت ان الانتخابات لا تحل المعضلات القائمة فلسطينيا فذلك فيه من الصحة ما يبرره
وإذا قلت انها انتخابات تعطي الجمهور الحق في اختيار من يتدبر شئون حياته وكذلك تعطيه الحق في محاسبة سياسية عبر الصندوق لمن اساء استخدام السلطة وفسد فيها وأفسدها فذلك أيضا صحيح .
والانتخابات هي فعل محايد ، تستطيع استثماره ليشكل خطوة اخرى باتجاه الأهداف الوطنية ، بالمقابل يمكن ان يشكل تكريسا لحالة الفشل والتردي . هكذا كان فلسطينيا ، وهكذا يمكن ان يصار . الانتخابات البلدية عام ١٩٧٦ أرادوها لتكون خطوة باتجاه ايجاد بديل لمنظمة التحرير فكانت ترسيخا لمنظمة التحرير مما حذى بالاحتلال للتخلص من اهم رؤساء البلديات الذين نجحوا فيها ، أما بالاغتيال او الأبعاد . بينما انتخابات ٢٠٠٦ والتي كان من المفترض ان تكرس نظام انتخابي ديمقراطي يتم تداول السلطة ديمقراطيا كان مدخلا لاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية وتدمير للنظام الديمقراطي .
وفي تبرير المواقف من الانتخابات سلبا وايجابا تجد هناك من يقدم الانتخابات كحل سحري لكل مشاكل الفلسطينيين وهناك من يسوق موقفه الرافض بإجراءها الان باعتبارها تكرس الاحتلال وتكرس اتفاقيات أوسلو . وفي كلا الاتجاهين موقف استخدامي يلوي عنق الحقيقة ويقدم وجها واحداً للانتخابات متجاهلا الوجه الثاني .
وبين من يبرر ومن يستنكر ، من يرفض ومن ينادي بالانتخابات هناك موقف اخر متوازن ، يرى الانتخابات بكل ما تحمل وبكل ما تعكس وبكل ما تفرز . موقف موضوعي يرى الإيجابيات ولا يغفل المحاذير ، موقف يستطيع ان يجد مكان له في غمرة التناقضات والمواقف المختلفة ليراكم ما هو إيجابي ويعالج ما هو سلبي ، يبحث عن قواسم مشتركة تساهم في تجاوز حالة التراجع الفلسطينية .
هذا الموقف ينطلق في تعاطيه من الانتخابات من مجموعة حقائق : الانتخابات من حيث المبدأ تأتي في سياق إعطاء شعبنا حقه في اختيار ادارة شئون حياته اليومية ، كون السلطة الفلسطينية بكامل بنيتها هي هذا البناء القائم على معالجة شئون شعبنا الحياتية في كل من الضفة والقطاع ، السلطة ليست كيان سيادي سياسي ، طالما هي تحت الاحتلال ، وهي ليست ممثلة للفلسطينيين طالما تقتصر الانتخابات على الفلسطينيين في الضفة والقطاع ، وكون الإدارة الحياتية للفلسطينيين في الضفة والقطاع بسلبياتها وإيجابياتها تعكس نفسها على صمود شعبنا فانها ادارة مهمة وتعكس معطى سياسي مهم في معركتنا السياسية ، لهذا فان بنية السلطة وان كانت ليست سياسية فهي تؤدي لنتائج سياسية ، ادارة قطاع غزة خلال الثلاث عشر عاما الماضية ساهمت في إفقار شعبنا وتهجيره بينما الإدارة في الضفة الغربية ساهمت في نزع الثقة بها نتاج الفساد والمحسوبية والاستزلام ، وبعد ثلاث عشر عاما من هاتين الإدارتين وكل منهما تمثل برنامج فصيل أساسي ، فتح وحماس ، بعد هذه التجربة ان الأوان لشعبنا ان يقول كلمته ويحدد خياراته في شكل الإدارة ونوعيتها . الحقيقة الثانية شعبنا يدرك انها انتخابات تحت سقف الاحتلال ، ولكن بإنتاج ادارة جيدة وملتزمة بثوابت شعبنا الوطنية يمكن بل بالضرورة ان تنعكس النتائج بما يفشل أهداف الاحتلال ، ويعزز الثوابت الوطنية . ان كثيرا من الأمور تتم تحت سقف الاحتلال ، مؤسساتنا المدنية تحت سقف الاحتلال ، البلديات ، الجامعات ، التعليم ، الصحة ، الاستيراد ، التصدير ..... إلى آخره ولكن دائما نستطيع ان نجد صياغة لتحويل ذلك بما يخدم قضيتنا وثوابتنا ، ان المنطق الانتقائي بالتعاطي مع ما هو سقف الاحتلال بما يخدم رؤى حزبية ضيقة ورفض ما هو تحت سقف الاحتلال ولنفس الغاية ليس هو الموقف الذي يجب الاستناد اليه في ممارستنا الوطنية .
الحقيقة الأخرى التي تحكم الموقف المتوازن والموضوعي من الانتخابات وهي ان الخلل ليس في إجراءها اليوم بل في تأجيل إجراءها حتى اليوم ، دورية الانتخابات هي الأصل وهي ما يجب النضال من اجله ، نحن نفهم ان ضغوط دولية قد ساهمت في اجراء الانتخابات اكثر من مرة ولكن حتى لو كانت بضغوط فالانتخابات معطى إيجابي ويفترض ان تشكل ضغوط شعبية لتجري في موعدها كل مرة .
حقيقة اخرى نحن ندرك ان قيادة حركات التحرر لا تأتي بانتخابات ، هكذا في كل العالم ، تأتي قيادات التحرر الوطني بمبادرة الطلائع من الشعوب وتأسيس بنية لحركة التحرر حول برنامج وطني جامع يلتف حولهم الجمهور ، لهذا لا نعول على الانتخابات ان تنتج قيادة تحرر ، ولهذا نفصل ما بين بنية السلطة وبنية منظمة التحرير الفلسطينية ونعتبر ان اعادة بناء المنظمة على أساس وطني ديمقراطي جامع هو أساس اعادة بناء حركة تحرر فلسطينية ، هذا موضوع غير مرتبط بانتخابات السلطة ، هذا موضوع كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وفلسطينيي الداخل ، هذا موضوع في جوهر عملية الكفاح من اجل التحرر والاستقلال ، هذا موضوع يجب ان يبقى حاضرا وبقوة سواء جرت انتخابات السلطة او لم تجري
لا يغيب عن البال ان الانتخابات والموقف منها قد يكون له ابعادا أيدلوجية ، وللجميع الحق في اتخاذ الموقف الذي يناسبه ولكن لا احد يمتلك الحق في ان يعكس موقفه على شعبنا ، بمعنى يحق لأي حزب او حركة سياسية ان يأخذ موقفا بالمشاركة او عدم المشاركة وفق قناعاته ولكن ان يمنع اجراء الانتخابات كونه غير مقتنع بها فذلك موقف قمعي بكل ما في الكلمة من معنى ، الانتخابات موضوع دستوري غير خاضه لقناعات الأحزاب وموعدها موضوع قانوني تجاوزه ليس خطأ فحسب بل استباحة لحق شعبي كفله النظام الأساسي ، وتعطيل الانتخابات لأي سبب هو انتهاك للنظام وتعدي على الحريات العامة .
حقيقة مهمة لا تغيب عن البال وهو الانقسام وعلاقته بالانتخابات ، هناك انقسامين في الحالة الفلسطينية وليس انقسام واحد ، انقسام في ادارة السلطة ادى إلى انقسام بين الضفة والقطاع وتعمق الانقسام الثاني ليطفوا على السطح ، انقسام فتح وحماس هذا موضوع سياسي يحل عبر التعاطي مع منظمة التحرير وهو انقسام يحتاج إلى برنامج سياسي وأدوات كلها تأتي في صلب العلاقة مع منظمة التحرير ، وعندما يفصل هذا المركب تصبح الانتخابات هي المدخل السليم والأفضل في اختيار ادارة موحدة وعبر الانتخابات للضفة والقطاع ، نعم الانتخابات تحل هذه المعضلة ، لتكن ادارة موحدة وبما تفرزه الانتخابات وبعدها لتذهب فتح وحماس في حوار قد يتفقوا او لا يتفقوا بشأن برنامج سياسي ، لا يقبل مطلقا ان يستخدم شعبنا كرهينة وإدارة شئون حياته كشرط وعامل ضغط للوصول إلى الوحدة او الإتفاق بين الفصائل . إذا كان لدى البعض وهم ان الوحدة الوطنية تعني الإتفاق على التقاسم او المشاركة في السلطة بدون انتخابات او بانتخابات على المقاس فذلك يعني انها اكبر مؤامرة على شعبنا ومصادرة لحقه في الاختيار
في نهاية الأمر الأمر الجيد ان تبذل جهودا لتكون انتخابات تنتج فريق وطني غير فاسد وجرئ على المسائلة والمحاسبة والتشريع بما يخدم صمود شعبنا ويسهل سبل الصمود ، هذا هو المطلوب لا اكثر - فالأكثر هو وهم - ولا اقل فالأقل هو تكريس لحالة الفشل والتردي.