الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
مصادر عبرية: اصابة مستوطن بعملية طعن واطلاق النار على المنفذ قرب الرملة

شرّ البلّية ما يُضحك ... الوجه الآخر للكورونا

نشر بتاريخ: 25/03/2020 ( آخر تحديث: 25/03/2020 الساعة: 12:47 )
شرّ البلّية ما يُضحك ... الوجه الآخر للكورونا
الكاتب: السفير منجد صالح
دون شك ودون مقدّمات ولا توالي أن فيروس كورونا وباء وإبتلاء، يتجوّل في أرجاء المعمورة، التي نرجو الله ان تبقى معمورة حقا، ويضرب بسيفة يمينا وشمالا، يُحارب على كافة جبهات الكرة الأرضية، لا تنقصه العدّة ولا العتاد ولا الجنود.

فيروس كورونا شرّ مُستطير، قلّ له نظير، يُجبر الناس أن تلازم البيوت والسرير، حتى الطيور في أعشاشها ساكنة لا تطير، فهل من لقاح أو دواء أو بشير؟ حتى لا نبقى في بند الترقّب والنذير، بإذنه تعالي العلي القدير.

لكن هذا الفيروس الذي عمّ العالم والدول والبشر والشجر والحجر، ربما يحمل في طيّاته دروسا وعبر. فقد أصاب كافة فئات البشر، الغني قبل الفقير، والمُترف قبل المُعدم، والأحياء الراقية قبل الأحياء الفقيرة وأحزمة الفقر حول المدن الكبيرة، وأصاب المجتمع المخملي قبل اللاجئين في المخيّمات وأؤلائك الذين تقطّعت بهم السبل الهائمين على وجوههم، يفترشون الأرض ويتلحّفون السماء، أمام الأسلاك الشائكة التي تفصل بين الدول.

الفيروس أحدث حالة من الوجوم والسكون. وفي مدة قصيرة غيّر من عادات الناس، عادات مُتأصّلة في نفوس وكيانات البشر، حتى الشخص ذاته لم يكن يعتقد بأنه قادر على التغيّر أو أنه سيغيير فعلا من سلوكه. ففيروس كورونا "إجتماعي حميم" ومكافحته بالدرجة الأولى تتطلّب التقليل من الإجتماعات أو إلغائها، والتقليل من الحميميّة أو إلغائها، فوداعا للسلام بالأيدي وللقبل والأحضان، ومرحبا بالسلام غمزا بالعيون وتحريك الحواجب والجفون والإبتسامة العريضة.

لم يعد، منذ أيام، بائع الكعك يوقظنا على صياحه بعد الفجر بقليل: "يلله يا كعك كعك كعك، سخنه وزاكيه يا كعك". لم يعد يُنافس المنبّه والديك في صياحة الصباحي الرتيب المُريب. منظر الشارع لا يتغيّر، فالاشجار في مواقعها، والمركبات مركونة في مواقفها لم تتحرّك منذ أيّام، ومصعد العمارة لا يُسمع صوته، والأبواب موصدة والسكان في سبات وهدوء.

اغلقت المحاكم أبوابها فلم يعد هناك من متخاصمين، وأغلقت الحوانيت ابوابها فلم يعد هناك من مشترين، واغلقت المقاهي أبوابها فلم يعد هناك من لدخّان الارجيلة نافثين، وأغلقت المسابح أبوابها فلم يعد هناك من سباحين، واغلقت المتنزّهات والحدائق أبوابها فلم يعد هنالك من متجوّلين.

سكتت المدافع وهدأت حركة الدبّابات على جبهات القتال، إلا ما ندر، في سوريا والعراق وليبيا واليمن. ويشذّ عن هذه القاعدة الإحتلال الإسرائيلي، الذي يُصرّ على الإستمرار في إعدام الشباب الفلسطيني ميدانيا وبدم بارد وتحت حجج سخيفة مقرفة، كمحاولة طعن ومحاولة دهس ولم يمتثل للأوامر ورمى حجرا على سيّارة مستوطن بغيض.

إلتزم المواطنون بيوتهم فأصبحوا يأكلون وجبات صحّية، كثير من الخضروات والسلطة والفواكه والعصائر الطبيعيّة وقليل من اللحم والثريد. ألغيت من لائحة الطعام وجبات "الفاست فود" وال "KFC" والبيتزا هوت وبيتزادومينو وبيتزا توماسوز والهوت دوغ والهمبرغروالتشيز بيرغر والهارديز والبابايز والفرايد تشيكين وحتى الشاورما.

لا نزاع على موقف سيّارة، ولا حوادث ولا قتلى ولا مصابين من حوادث الطرق إلا ما ندر. والشوارع نظيفة، لا علبة كولا تتدحرج في وسط الشارع بعد أن رماها صاحب حانوت أمام حانوته بعد أن قضى منها وتره وتمتّع بشرب ما فيها، ولا كرتونة ودبابيس وغلاف بلاستيكي شفّاف لقميص فتحه مالك نوفوتيه لزبون، ثمّ "عزق" المخلّفات في الشارع بعد بيعه القميص وقبض ثمنه بربح وفير. ولا مدخّن شره يصر على التدخين في البنك ومن ثمّ رمي عقب السيجارة وفركها بحذائه لتبقى مرسومة وشما على الارضية الملسة اللامعة.

رجال أمن بلباس مختلف ومتعدد، يجوبون الشوارع ويحرسون مداخل ومخارج المدن والبلدات، لطفاء، يطبّقون القانون على الجميع سواسية وعلى حدّ سواء، ويتفانون في أداء واجبهم تحت زخّات المطر وزمهرير الليالي الباردة. ورجل أمن يقرأ فاتحة خطبته على الحاجز بسبب إلتزامه بدوامه في مدينة بيت لحم لحماية المواطنين في ظل أزمة الكورونا.

المستشفيات مُتأهبة لكل طارئ كما هو مطلوب وواجب. والأطقم الطبية يقظة ومستعدّة لتقديم الواجب والإغاثة، والوصول الى الحواجز على جدار الضم والتوسّع الإسرائيلي لإنقاذ وتطبيب وحجر وأخذ عيّنات من العمال الفلسطينيين، الذين تحذفهم قوات الإحتلال من الداخل الفلسطيني بسبب الإشتباه بإصابتهم بالفيروس.

تضامن شعبي وتكافل حثيث وشباب التنظيم منظّم ومسؤول وجاهز للقيام بالمساعدة وإيصال الحاجة للمحتاجين، وتنسيق حثيث بين القطاع العام وبين القطاع الخاص على توفير متطلّبات المرحلة، والتخفيف عن الموظفين والعاملين تحت ظل خطة الطوارئ.

الشعب يعود الى جذوره الطيبة المنغرسة في عمق أرضنا السمراء، يسأل عن الجار قبل الدار ويسأل عن الرفيق قبل الطريق، وتُزهر في بلادنا أعمال الخير والتكامل، والجميع يمسك مقبض مجدافه، كلّ في موقعه وحسب إمكانيّاته، نُجدّف حتى نصل بقاربنا الى برّ الأمان وبالله المستعان، ودمتم ودامت فلسطين في حفظ الله ورعايته، والعالم أجمع، آمين.