الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

من موقع المعارضة يمكن لحزب الشعب النجاح في ترميم بيته وبناء التيار الديمقراطي.. بقلم: خالد منصور

نشر بتاريخ: 04/03/2006 ( آخر تحديث: 04/03/2006 الساعة: 13:19 )
معا- يجري حزب الشعب الفلسطيني هذه الأيام، تقييما شاملا لنتائج الانتخابات التشريعية للاستفادة من دروسها وعبرها، وللوقوف على مواطن الضعف ومكامن القوة في طرحه السياسي وعمله الجماهيري، وفي بنيته التنظيمية وأساليب عمله، وذلك حتى يتمكن من ترميم وتجديد بيته ولينهض قويا في مواجهة أعباء المرحلة المقبلة، فالتقييمات الأولية لتجربة الانتخابات تشير إلى أن هناك أسباب عدة ساهمت في تراجع شعبية الحزب وانحسار التأييد الجماهيري له، ويمكن تلخيص هذه الأسباب بما يلي:-

1. غياب الهوية الفكرية والطبقية الواضحة للحزب، الأمر الذي افقده تمايزه الذي ظل يحافظ عليه لعقود طويلة، وهو الذي كان يجعله قبلة للثوريين، ورمزا للكفاح الوطني والاجتماعي، دفاعا عن مصالح الفقراء والعمال والفلاحين، ويشكل المنارة ومركز الجذب للمثقفين الثوريين.. إن المخرج الوحيد الماثل أمام الحزب الآن هو تحديد هويته، ليكون حزبا يساريا ديمقراطيا بمحتوى ومضمون اجتماعي تقدمي.. يعلن بوضوح تمثيله للطبقات الشعبية، وانحيازه التام لمصالحها والدفاع عنها.. الأمر الذي يتطلب منه إعادة بناء تنظيمه بما يتناسب وهذه المهمة-- ( بناء التنظيم على أساس قطاعي ).

2. افتقاد الحزب لمداخل للعمل مع الجماهير... وهي المداخل التي يستطيع الحزب من خلالها ربط الجماهير به، عبر ارتباطها ( أي الجماهير ) بمصالحها.. إذ انه لم يعد للحزب اليوم إلا القليل من المداخل الجماهيرية، وذلك بعد أن فقد العلاقة العضوية مع العديد من المؤسسات التي أسهم بجهد كبير في تأسيسها، إما بسبب سوء إدارته للعلاقة معها، أو بسبب نزوع بعض قيادات هذه المؤسسات لامتطائها واستخدامها لأهداف أخرى-- معظمها ذاتي- بعيدا عن أعين وخط الحزب.

3. تذبذب الموقف السياسي للحزب، وعدم وضوح خطه، وتحالفه الطويل مع حركة فتح ( حزب السلطة ).. وهو الأمر الذي ترك انطباعا لدى الجماهير بان الحزب تابع صغير، يشارك في سلطة فاسدة الأمر، الذي اضر بمصداقيته كثيرا، وهو ما ظهر خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حين قامت الجماهير بمعاقبة الحزب بمثل ما عاقبت السلطة ( بعدم منحه الثقة )... لقد كان الأجدر بالحزب أن يكون في موقع المعارضة، وخصوصا عندما اتضح له أن مبررات مشاركته في السلطة لا يمكن تحقيقها.. فالمشاركة بالقرار السياسي حرصا على المصلحة الوطنية لم تتحقق، لان أبو عمار ومن بعده أبو مازن لم يفتحا المجال حتى أمام اللجنة المركزية لحركة فتح للمشاركة بالقرار.. كما وان القول بان الحزب سعى من اجل الإسهام في عملية الإصلاح هو أيضا قول خاطئ وغير واقعي، وقد ثبت أنه حلم لم يتحقق أبدا، فالفساد وسوء الأداء استمرا واستفحلا ولم يكن الحزب قادرا على التصدي لهما سواء من داخل الحكومة لأنه لم يكن شريكا فعليا بها.. أو من خارجها لأنه اتهم بالشراكة مع حزب فاسد والمشاركة بحكومة فاسدة... أما المبرر الثالث لمشاركة الحزب في الحكومة فقد كان العمل على تحقيق بعض المكاسب الذاتية للحزب ( توظيفات مدنية وعسكرية ومخصصات مالية ) وفي هذا المجال فشل الحزب فشلا ذريعا إذ لم يستطع الحصول إلا على القليل القليل من الوظائف المدنية، ولم يستطع تفريغ أي من الرفاق في الأجهزة الأمنية.. وبخصوص مخصصات الحزب المالية فقد تراكمت ديون الحزب على السلطة لتصل إلى أكثر من مليوني شيكل، بسبب امتناع السلطة عن دفع مخصصات الحزب لشهور طويلة، وما زال الحزب يعاني حتى الآن وفي بداية كل شهر من مشكلة تلكؤ السلطة بالإفراج عن تلك المخصصات، ومن أسلوبها الغير محترم بالتعامل مع هذه القضية..

4. ضعف الإمكانيات والموارد المادية التي جعلت الحزب غير قادر ( إلا بالحد الأدنى ) على تامين نفقات الكثير من المهمات واحتياجات العمل الحزبي والكفاحي, إن إخراج الحزب من وضعه الراهن، والسير به قدما وفق خطة تعزز من حضوره الوطني والجماهيري، وتوسع وتحسن من عضويته، وتزيد من تأثيره، وتحقق له نتائج أفضل في الانتخابات التشريعية القادمة بعد أربع سنوات.. يتطلب منه موقفان جوهريان، وهما:

. أن يتخذ قرارا بالبقاء خارج أي تشكيل حكومي.. وتسخير كل جهوده وطاقاته لإعادة بناء وتجديد ذاته مستفيدا من تجربته السابقة.. والتحول الفوري إلى حزب معارض يمارس المعارضة البناءة الواضحة الجريئة ( وهو الموقف الذي كان مطلوبا منه منذ سنوات )، دفاعا عن برنامجه السياسي الوطني، وعن مصالح الجماهير الشعبية، وعن رؤاه الفكرية والمجتمعية، وبذلك فقط يتمكن من توحيد صفوفه وجمع رفاقه، ويحقق بذلك أيضا وحدة الإرادة والعمل بين مجموع أعضائه... ويتمكن من التوجه بقوة ( وبدون أثقال ) للقوى وللعناصر الديمقراطية في المجتمع ( وحتى لعناصر داخل تنظيمات أخرى ) للتعاون معها من اجل بناء تيار ديمقراطي يساري.

. اتخاذ قرار واضح يحدد موعد مؤتمره الرابع ويحدد طبيعة هذا المؤتمر، فصعوبة أوضاع الحزب تتطلب عقد مؤتمر حقيقي، وهذا يعني تنفيذ عملية كاملة تبدأ ب---
أولا: بتحديد الأهداف والغايات التي يريد الحزب الوصول إليها، والإجابة على سؤال أي حزب نريد..؟؟ وبرأيي أن المطلوب هو حزب جماهيري.. يدافع عن مصالح الجماهير الشعبية ويخدم مصالحها.. وينظمها ( سياسيا وبتنظيمات جماهيرية ) ويقودها في معاركها من اجل مصالحها.

وثانيا بتحديد سبل الوصول إلى تلك الأهداف والغايات.
إن هذا المؤتمر لا بد أن يكون عملية نضالية متكاملة تشتمل على:-
1. عمل تنظيمي جدي وشاق لحصر العضوية، والتخلص من العضوية المتضخمة الوهمية.. وذلك من خلال قيام لجنة بهذه المهمة، تعتمد بالأساس على نشطاء الحزب الذين برزوا خلال الانتخابات في كل موقع، واعتبارهم نواة الحزب الصلبة، الذين هم قادرون ومن حقهم وحدهم غربلة التنظيم وتحديد حجمه الطبيعي.. كما ويجب تطبيق كامل شروط العضوية خلال الفترة حتى عقد المؤتمر، بما فيها الاشتراك المالي، وحضور الاجتماعات، وتنفيذ المهام.

2. عملية صياغة وثائق المؤتمر السياسية والتنظيمية، وذلك من خلال إشراك كل مفكري الحزب وأصدقائه، بنقاشات واجتماعات وورش عصف ذهني، وفتح المجال واسعا لإسهامات الجميع، وللحوار والجدال الفكري..

3. فتح الأبواب أمام الرفاق القدامى وخصوصا المثقفين الذين هجروا الحزب ( بما فيهم جماعات الحزب الشيوعي وجماعة عربي عواد ) والكثير من العناصر الديمقراطية اليسارية الموجودة في المجتمع، للمشاركة في النقاش الدائر في الحزب، وللدخول المباشر في الجسم الحزبي الحزب.. الأمر الذي يتطلب تسهيل الإجراءات أمامهم والتعامل معهم بمرونة بهدف جذبهم.

4. القيام بعملية نقد ذاتي-- جريئة وشجاعة-- والإقرار بان عدم توسع الحزب الجماهيري وتضاؤل تأثيره على المستوى الوطني، نابع عن خلل في الحزب وليس في الجماهير.. والإجابة على أسئلة كثيرة منها لماذا هجره المثقفون أو ما الذي دفعهم لهجره..؟؟ ولماذا ما زال وضع الحزب في المدن بائسا..؟؟ ولماذا لم يستطع بناء قواعد حزبية قوية في المخيمات..؟؟