غزة- معا- بعد أكثر من 18 شهراً من الحرب الضروس التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي أدّت إلى دمار شامل لقطاع غزة وآلاف الشهداء والجرحى وتهجير غالبية سكان القطاع، يبدو أن المتغيرات الإقليمية تفرض واقعاً جديداً قد يُجبر إسرائيل على إنهاء الحرب.
فمع انطلاق عملية عسكرية ضخمة ضد إيران في 13 يونيو 2025، بدأت إسرائيل تعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، ما يفتح الباب واسعاً أمام دعوات متزايدة لوقف إطلاق النار في غزة – أو على الأقل ضرورة سياسية وعسكرية للتهدئة.
فجر الجمعة الماضي، شنت إسرائيل أوسع هجوم جوي في تاريخها الحديث ضد أهداف إيرانية، شاركت فيه أكثر من 200 طائرة حربية، استهدفت منشآت نووية وعسكرية، وقتلت غالبية قيادات الحرس الثوري وعدداً من العلماء والخبراء.
وردّت إيران بسلسلة هجمات صاروخية أوقعت قتلى وجرحى في الداخل الإسرائيلي، وبدأت مشاهد الدمار تُرى بالعين المجردة في المدن الإسرائيلية، ما وضع إسرائيل في حالة استنفار شامل، وأدخلها في مواجهة مفتوحة قد تستمر لأسابيع أو أشهر، لتبدأ الأصوات تتعالى من الإسرائيليين وحلفائهم بضرورة إنهاء الحرب.
في ظل اتساع رقعة الصراع، تستعد الولايات المتحدة لتوسيع تدخلها دعماً لإسرائيل، رغم دعوات رئيسها لوقف الحرب.
الإدارة الأمريكية لم تُخف علمها المسبق بخطة إسرائيل، بل وأعلنت أنها تدعمها بالسلاح والدفاعات.
في المقابل، أطلقت باكستان تحذيرات شديدة اللهجة، معتبرة أن أي استخدام للقوة النووية أو توسّع للحرب قد يدفعها للتدخل، خاصة إذا شعرت بأن برنامجها النووي مهدد.
وتُتابع الصين وروسيا تطورات الميدان، فيما تثير احتمالات تدخل الهند- حليفة إسرائيل- مزيداً من القلق.
طوال الأشهر الماضية، رددت إسرائيل أن هدف الحرب على غزة هو "القضاء على حماس وتحرير الأسرى"، إلا أن الحرب على إيران ألغت عملياً هذا المبرر، إذ بات التهديد الإيراني النووي والأمني أولوية إسرائيلية مطلقة.
ومع فقدان إسرائيل لأي أهداف استراتيجية متبقية في القطاع، وتحقيق قدر كبير من الدمار، بدأ قادة الأمن يلوّحون بتخفيف القوات، والإشارة إلى أن استمرار الحرب لم يعد ضرورياً.
رغم ذلك، لم تُعلن هدنة رسمية حتى اللحظة، وتستمر المعارك في مناطق متفرقة من القطاع، وتُسجّل يومياً عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد بنفاد الغذاء والدواء، وانهيار شبه تام في البنية التحتية. ورغم تلميحات إسرائيلية بوقف طويل لإطلاق النار، إلا أن التنفيذ الفعلي ما يزال غائباً.
أعلنت الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، استعدادها لهدنة طويلة الأمد بشروط، تشمل ضمانات دولية بعدم تجدد الحرب، وفتح المعابر، وتفعيل دور المنظمات الدولية لإدخال المساعدات.
في المقابل، تزداد الضغوط الدولية على إسرائيل، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه فرنسا، ومن دول مثل كندا وبريطانيا، وحتى من داخل الإدارة الأمريكية، مطالبة بإنهاء الحرب فوراً.
يرى مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يسعى لتحقيق هدفين مركزيين:
• الأول: تقويض مشروع الدولة الفلسطينية، من خلال تدمير غزة وتعميق الاستيطان في الضفة.
• الثاني: توجيه ضربة حاسمة للبرنامج النووي الإيراني.
وبينما يبدو أنه حقق جزءاً كبيراً من الهدف الأول، فإن المعركة المفتوحة مع إيران فرضت نفسها كأولوية، وأظهرت أن استمرار الحرب في غزة لم يعد يخدم الأمن القومي الإسرائيلي، بل يستنزف الجيش ويكشف الجبهة الداخلية.
وسط هذا المشهد، تبدو الرسالة جلية: لقد آن أوان وقف الحرب على غزة. فاذا لم تُعلن هدنة شاملة بضمانات دولية، فإن إسرائيل تُخاطر بانهيار أخلاقي وإنساني في القطاع، حيث تُدفن عائلات بأكملها تحت الأنقاض، وتُولد أجيال جديدة في خيام بلا ماء أو دواء، وبخسائر استراتيجية في الداخل والخارج.