الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقرير لـ"معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي": مخاوف من تراجع عدد اليهود في العالم وتحذير من الحركات الإسلامية

نشر بتاريخ: 03/10/2006 ( آخر تحديث: 03/10/2006 الساعة: 11:29 )
بيت لحم- معا- صدر في الآونة الأخيرة التقرير السنوي الثالث، لـ "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، للعام 2006، ويرأس مجلس مدراء المعهد، كبير مساعدي وزير الخارجية الأمريكي السابق، دينيس روس، وكان التقرير الأول صدر في العام 2004، ويشمل الجوانب متعددة تتعلق بمصالح الحركة الصهيونية في العالم، وفي مركزها الهدف الأساسي: تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي، كالتجمع الأول لأبناء الديانة اليهودية في العالم.

ومن الجدير ذكره ان الحركة الصهيونية، كأيديولوجيا، تعتبر أبناء الديانة اليهودية في العالم، شعبا واحدا، وليس كأبناء ديانة متواجدة في قوميات مختلفة، وبناء عليه ترى الحركة الصهيونية ان لها "الحق" في التدخل في شؤون اليهود في العالم، وبالتالي التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول، وحتى في دول ليس فيها يهود، ولكن للدولة عالمية ومركز تأثير.

ولا يخرج التقرير في جوهره عن نهج الحركة الصهيونية، الذي يعتمد طوال الوقت إظهار اليهود "الضحية الأبدية لكل التهديدات في العالم"، فسياسية التخويف والترهيب، هي أحد الأعمدة الفقرية، التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية طوال عشرات السنوات، للسيطرة المطلقة على الرأي العام الإسرائيلي، لحجب الحقيقة عنه، ووضعه أمام وقائع تفرضها الحركة الصهيونية خدمة لمصالحها العليا.

وينشغل التقرير بالأساس في عدة محاور جوهرية، فحتى وإن تشعبت البنود، إلا أن كلها تصب في هذه المحاور التي يقف على رأسها، كما كان دائما، العامل الديمغرافي، من حيث عدد اليهود المتناقص في استمرار في العالم، ويعدون اليوم 13 مليون نسمة، ومن ضمن هذا جعل إسرائيل أكبر تجمع لليهود في العالم.

أما المحور الثاني فهو تعزيز مكانة الحركة الصهيونية، بصفتها "المسؤول الأول" عن اليهود في العالم، وربط اليهود في كل بقاع الأرض بالكيان الإسرائيلي، والمحور الثالث تعزيز علاقات اليهود بالدول القوية، أو مراكز القوى في العالم، والاهتمام بالتطورات الداخلية في هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، لنرى ان درجة الاهتمام تصل إلى حد تحليل التركيبة السكانية للولايات المتحدة، واحتمال انعكاس التغيرات السكانية على مصالح اليهود.

ويتحدث المحور الرابع عن "الأخطار" التي تواجه اليهود وإسرائيل في العالم، وبلغة أخرى، تنمية "سياسة التخويف والترهيب"، لجعل كل يهودي في العالم يشعر بخوف دائم، وأنه مهدد بحياته، وحبل الإنقاذ الوحيد الذي أمامه هو التبعية للحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل.

ومن جانب آخر سنرى خلال المعالجة الوزن الكبير الذي يعطيه المعهد في تقريره السنوي لشبكة الانترنت على وجه الخصوص، لنقرأ احصائيات وأرقام ملفتة للنظر، ولنعرف إلى أي درجة من التفاصيل الدقيقة يصل إليها هذا المعهد الصهيوني ليسخرها "المصالح العليا" للحركة.

ويقول رئيس مجلس مدراء المعهد، دينيس روس، في تقديمه للتقرير: "إن هذه التقديرات، هي المشروع الأساسي لمعهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي.. وفي هذا العام تبرز قضايا وتحديات قائمة أو قيد التبلور أمام جاليات معينة في المهجر، إلى جانب معالجة سؤال إمكانية ازدهار هذه الجاليات، أو أنه حكم عليهم بالغرق"، والمصطلحات التي يستعملها روس، مثل "الشعب" و"الجاليات" و"المهجر"، إنما تعكس النظرة الصهيونية، وكأن أبناء اليهود في شعوب العالم يعيشون بشكل مؤقت في أوطانهم إلى حين نقلهم إلى وطنهم "الأم" إسرائيل.

ومسألة اعتبار يهود العالم شعب واحد، هي مسألة جوهرية في النقاش مع الحركة الصهيونية، ولا شك أنها تحتاج إلى معالجة خاصة، وهي قضية مطروحة طوال الوقت، ولكن جدير أن نذكر ان الكثير من كتب التاريخ، خاصة الدينية منها، ومن بينها كتب الدين المسيحي، تؤكد ان الديانة اليهودية انتشرت ليس فقط في فلسطين، وإنما أيضا لدى شعوب أخرى مثل الرومان واليونانيين، والفينيقيين، وفي أنطاكية وغيرها.

ويقول روس في تقديمه للتقرير: "إن إسرائيل تشكل اليوم البيت الأكبر للجالية اليهودية في العالم، ومع الزمن فإن هذا الأمر سيتعزز أكثر، ومن أهمية الأمر، هو أن مستقبل الشعب اليهودي مرتبط بشكل واضح جدا بمصير إسرائيل، لهذا فإن طابع وقيم وأمن إسرائيل سيكون له أهمية قصوى بالنسبة لليهود في المهجر، وممنوع ان تنسى إسرائيل مسؤوليتها تجاه المهجر وتأثير نهجها على الجاليات اليهودية التي تتقلص مع الوقت في العالم، إلى جانب هذا فإن هوية إسرائيل وما تفعله سيكون له بالغ الأثر على الهوية اليهودية خارج إسرائيل".

ويركز روس في كلمته على "ضرورة" الحفاظ على الغالبية اليهودية في إسرائيل ويقول: "إن الحفاظ على الغالبية اليهودية في إسرائيل لها أهمية حاسمة، وبشكل خاص في المرحلة الحالية، منذ أن تحولت إسرائيل إلى بيت أكبر جالية يهودية في العالم، إن إسرائيل كالوطن القومي للشعب اليهودي ملزمة بأن تحافظ على طابعها اليهودي".

عدد اليهود والعامل الديمغرافي:

حسب معطيات الوكالة الصهيونية، فإن عدد اليهود في العالم ينمو بنسبة قليلة جدا، تقترب إلى الصفر سنويا، وهذا ناجم بالأساس عن تعريف من هو يهودي حسب الديانة اليهودية، التي تعتبر اليهود هو الذي ولد من أم يهودية، ولا تهم هوية والده، ولهذا فإن قسما كبيرا من أبناء الديانة اليهودية تحللوا واندمجوا في مجتمعات أوطانهم، وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية، فمثلا يظهر من التقرير ان عدد اليهود (المعترف بهم) في الولايات المتحدة 5,27 مليون نسمة، ولكن لو ان الاعتراف باليهود أيضا بأولئك الذين آباءهم يهود لكان عدد اليهود اليوم في الولايات المتحدة عشرة ملايين نسمة.

وهذه القضية ظهرت بقوة مع موجات الهجرة الضخمة إلى اسرائيل التي بدأت في العام 1990 واستمرت حتى العام 1999، حين هاجر إلى إسرائيل لا اقل من مليون مهاجر، بحجة يهوديتهم، إلا أن المؤسسة الدينية لم تعترف بحوالي ثلثهم، إلى أن اضطر قسما كبيرا منهم للشروع بعملية تهويد جديدة، وحتى الآن هناك 300 ألف شخص في إسرائيل يعتبرون أنفسهم يهودا وترفضهم المؤسسة الدينية، وهناك قرابة 29 ألف مهاجر ضمن عائلات يهودية، حافظوا أو انتقلوا للديانة المسيحية، ولكنهم "ينعمون" بقانون الهجرة القائم.

وحسب معطيات الوكالة الصهيونية فإنه في العام 1970 كان في العالم 12,633 مليون يهودي، ليصل هذا العدد في العام الجاري 2006، إلى 13,08 مليون نسمة، أي أن مجمل الزيادة خلال 36 عاما بزيادة 3,6% فقط، في حين أن عدد سكان العالم في هذه الفترة ازداد بنسبة تتراوح ما بين 60% الى 70% على الأرجح.

ولا تتوقع الوكالة ارتفاعا أكثر في السنوات القادمة، فحسب التقديرات فإن عدد اليهود المتوقع في العام 2020 سيكون في حدود 13,558 مليون نسمة، أي زيادة بنسبة مماثلة وهي 3,6% خلال 14 عاما، ويذكر هنا ان النسبة السنوية لتكاثر الشعب الفلسطيني تفوق 3% حسب التقديرات.

ويتبين من الإحصائيات، أن عدد اليهود في العام الجاري في إسرائيل بلغ أكثر بقليل من 5,3 مليون نسمة، وهذا يضاعف عدد اليهود الذين عاشوا في إسرائيل في العام 1970، حوالي 2,58 مليون نسمة، وهذا الارتفاع ناجم بقدر كبير عن الهجرة، ففي السنوات الخمسة عشرة الأخيرة لوحدها ازداد عدد اليهود في إسرائيل من الهجرة بحوالي 1,2 مليون نسمة، في حين ان عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل في نفس الفترة ووفق تقديرات حسابية يترواح ما بين 130 إلى 150 ألف نسمة.

علما انه حسب احصائيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تقول ان نسبة التكاثر الطبيعي لليهود في إسرائيل هي 1,5%، مقابل 2,6% لدى فلسطينيي 48.
أما عدد يهود الولايات المتحدة فقد تراجع من 5,44 مليون نسمة في العام 1970 إلى 5,275 مليون نسمة في العام الحالي 2006، وهذا التراجع ناجم بالأساس، وبنسبة كبيرة، عن انصهار اليهود في مجتمعهم الأمريكي، ونسبة ضئيلة منهم هاجرت إلى إسرائيل.

والأمر نفسه ينطبق على عدد اليهود في الكثير من دول العالم، مثل الأرجنتين من 282 ألف يهودي في العام 1970 إلى 184 ألفا في العام الجاري، وفي باقي دول أمريكا اللاتينية من 232 ألف نسمة في العام 70 إلى 210 ألف نسمة في العام الحالي، إلا أن هناك نسبة الهجرة إلى إسرائيل هي أعلى من الولايات المتحدة.

ويعيش ثالث اكبر تجمع لأبناء الديانة اليهودية اليوم في فرنسا، حيث يتواجد هناك 492 ألف نسمة، مسجلين تراجعا بحوالي 38 ألف نسمة عن العام 1970، ثم تأتي بريطانيا حيث يعيش اقل بقليل من 300 ألف يهودي، بعد ان كانوا 390 ألفا في العام 70.

إلا أن أكبر عملية نزوح لليهود من أوطانهم كانت في دول الاتحاد السوفييتي السابق، التي هاجر منها منذ العام 1990 وحتى اليوم قرابة مليون يهودي، ففي حين عاش في الاتحاد السوفييتي في العام 1970 حوالي 2,151 مليون نسمة، فإن عددهم في دول الاتحاد اليوم لا يتعدى 366 ألف يهودي، بمعنى انه إلى جانب الهجرة الضخمة، هناك عدد أكبر انصهر في مجتمعه، ومنهم أيضا من هاجر إلى دول أوروبية، وبشكل خاص ألمانيا.

وتشير كافة تقديرات الوكالة الصهيونية إلى ان عدد اليهود في كافة أنحاء العام باستثناء إسرائيل سيتراجع، في العام 2020 بنسب كبيرة، ولربما ان كندا لوحدها ستسجل ارتفاعا طفيفا لعدد اليهود فيها، إذ يعيش اليوم في كندا 373 ألف نسمة، بعد ان كانوا 286 ألفا في العام 1970، ومن المتوقع ان يزداد عددهم في العام 2020 إلى 381 ألف نسمة، أي بنسبة 2,1%، في السنوات الأربعة عشر مجتمعة.

أما عدد اليهود في إسرائيل في العام 2020 فتتوقع الوكالة الصهيونية ان يرتفع إلى 6,228 مليون نسمة، أي بزيادة 17,3%، وعلى ما يبدو فإن الوكالة لا تتوقع هجرات يهودية ضخمة أخرى إلى إسرائيل، وهذا لأن 90% من اليهود في العالم يعيشون في دول مستوى المعيشي فيها أعلى من المستوى في إسرائيل.

ولهذا فليس صدفة ان مصطلح ما يسمى بـ "اللا سامية" منتشر "بغزارة" في التقرير الكبير، ولدى الحديث عن كل بقعة أرض على الكرة الأرضية، وبشكل خاص في فرنسا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وبالذات روسيا، فالحركة الصهيونية تستخدم هذا المصطلح من أجل ترهيب اليهود وتحفيزهم على الهجرة، وتجعل من كل انتقاد للسياسة الإسرائيلية حصراً وكأنها "معادية لليهود"، و"لا سامية".

ويعبر المعهد عن "قلقه"، من غياب سياسة ديمغرافية تهدف إلى تحسين وتيرة تزايد عدد اليهود في العالم بشكل أكبر، ومن ما بين ما يوصيه المعهد، تشجيع العائلات اليهودية على إنجاب طفل ثالث أو رابع.

ومن استنتاجات التقرير في هذا المجال جاء: "أن التغير في النظرة الإسرائيلية (السياسية) اعتمد بالأساس على الاعتراف بحقيقة ان مجال الهجرة إلى إسرائيل استنفذ نفسه، وأن استمرار التواجد في كل أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية) لا يخدم بالضرورة المشروع الصهيوني العام... وهذه النظرة عززت مكانة الوسط السياسي في إسرائيل مقابل تهميش المجموعات اليمينية واليسارية المتزمتة".

ويتابع التقرير: "في نظر الغالبية في إسرائيل فإن خطتي فك الارتباط (في قطاع غزة) وخطة التجميع (في الضفة الغربية) نابعتان من التهديد الديمغرافي الذي يتحدى الطابع اليهودي للدولة (إسرائيل).

جدول اعمال سياسي استراتيجي واستثمار المحرقة:

تحت بند "جدول اعمال سياسي استراتيجي"، يركز المعهد السياسة التي يجب ان تتبعها إسرائيل بهدف توثيق علاقتها بما يسمى بـ "يهود المهجر"، وأيضا زيادة علاقة وارتباط هؤلاء اليهود بإسرائيل، وجاء في التقرير: "إن الأمر يتطلب وسائل وأساليب جديدة من أجل رفع مستوى الاندماج والعلاقة بين إسرائيل واليهود في المهجر، من أجل ضمان وحدة يهود العالم على المدى البعيد".

ويوصي المعهد بعدة إجراءات ومن بينها: 1- إقامة أكاديمية لقيادة "الشعب" اليهودي، تعالج الأسئلة المصيرية التي يواجهها اليهود في العالم وكيفية معالجتها على المدى البعيد، 2- أن تشدد إسرائيل على عدم زج "الجاليات اليهودية" وقادتها في العالم في أوضاع ينجم عنها "تضارب المصالح"، 3- استقدام شبان يهود إلى إسرائيل ليقيموا فيها سنة واحدة على الأقل، وفي المقابل إرسال شبان يهود من إسرائيل ليعيشوا بين الجاليات اليهودية، وعلى ما يبدو فإن القصد هو التغلغل لتحفيز اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، خاصة وان بندا آخر يدعو إلى إعداد برامج جديدة وسريعة تشجع على الهجرة إلى إسرائيل.

وهناك قضايا أخرى يتطرق إليها هذا البند سنعالجها في السياق، مثل الشكل الذي يجري فيه الحديث عن أهمية استغلال شبكة الانترنت وغيرها من القضايا، ولكن هذا البند يتوقف بشكل خاص عند مسألة "الذاكرة"، ويدعو إسرائيل واليهود في العالم إلى عدم إسقاط مسألة "المحرقة" عن جدول أعمال جميع الدول والمجتمعات التي يعيشون فيها.

ويقول التقرير: "إن الذاكرة التاريخية هي مركّب أساسي ومميز خاص للهوية اليهودية، على صعيد الفرد، والصعيد العام، "تذكّر" هي وصية أساسية في اليهودية، ولها أهمية مركزية من ناحية التواصل التاريخي والشعور بالمصير المشترك، فالكارثة (المحرقة) هي إضافة مأساوية هامة لمجمل الأحداث في تاريخ الشعب التي على الشعب ان يذكرها ويشير إليها دائما".

ويشير التقرير إلى ازدياد ظاهرة إقامة النصب التذكارية والتخليدية للمحرقة في العالم، و"لكن ممنوع ان يخفي هذا العدد الغزير من النصب التذكارية ذكر الكارثة بصفتها حدثا مركزيا في الذاكرة بعيدة للمدى لليهود ولغير اليهود معا، فمن أسباب تراجع ذكر الكارثة هو التعب من تذكر المآسي ومحفزات نفسية تميل إلى دفع الذاكرة الرهيبة جانبا".

ويحذر المعهد في تقريره من تراجع مستوى الذاكرة لدى الجيل الصاعد، وخاصة مع تلاشي الجيل الذي عايش المحرقة، ويقول: "من المفضل البحث عن أشكال جديدة للحفاظ على الذاكرة وعرضها بأشكال ملائمة للأجيال الصاعدة التي لم تعايش الكارثة، أشكال ملائمة للفرد وللمجموع"، ويدعو التقرير إلى أن تكون الأساليب الجديدة قادرة على أن تعوض الأجيال الجديدة عن عدم معايشتهم فترة المحرقة، أو معايشة أولئك الذين عايشوا المحرقة.

ويعدد التقرير ما يصفه إنجازات اليهود في أوروبا في كل ما يتعلق بالمحرقة، مثل تحديد يوم عالمي لإحياء ذكرى المحرقة، ويوم ذكرى أوروبي، وتحديد يوم أوروبي للثقافة اليهودية، يقع في يوم الأحد الأول من شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام، والاعتراف بالحقوق القضائية لمن وصفهم التقرير بـ "ضحايا الملاحقة والتمييز المعادي لليهود"، واستعادة ممتلكات يهودية في أوروبا صودرت في الماضي، وغيرها.

ومن أهم الاستراتيجيات التي يراها التقرير هو جعل اليهود "لاعبا مركزي" في الساحة الدولية، كما جاء في النص، فتحت بند "تطوير استراتيجيات العلاقات الخارجية" يقول التقرير: "إن الشعب اليهود يختلف عن دولة، وعلى الرغم من هذا فلديه بعض الملامح التي تجعله أشبه بكيان دولة، كحضارة وكشعب، وهو قطعا لاعب في الحلبة الدولية".

ويضيف التقرير: "إضافة إلى هذا فهناك فرصة ليتحول الشعب اليهودي إلى لاعب هام أكثر بالشكل الذي يلائم أجواء العولمة، هذا من جانب، ومن جانب آخر (استغلال) كِبَر حجم وظيفة الحضارات على الصعيدين العالمي، والدولة، ولهذا فهناك مبرر للتفكير في التخطيط والعمل ضمن "سياسة خارجية للشعب اليهودي"، بمعنى عدم الاكتفاء بسياسة إسرائيل الخارجية.

ويشير التقرير إلى ان عدة منظمات يهودية ناشطة منذ فترة على صعيد السياسة الخارجية، "مثل مواجهة اللا سامية، ودعم إسرائيل في الحلبة الدولية، والمطالبة بدفع تعويضات (لضحايا النازية)، ومعالجة قضية الهجرة وإرسال مساعدات معينة لمناطق تقع فيها كوارث".

ويقول التقرير إن مجالات العمل هذه وحدها لا تكفي، بل يدعو إلى بلورة استراتيجية عامة لرفع مستوى الاداء السياسي "للشعب اليهودي" في العالم، ومن مجالات العمل التي يريدها هذا المعهد الصهيوني، "تطوير استراتيجية بعيدة المدى تجاه جهات إسلامية على أربع مستويات، تجاه الإسلام كحضارة عالمية، وتجاه جاليات إسلامية كبيرة مثل فرنسا، وتجاه مجموعات إرهابية (حسب النص) وشبكات إسلامية متطرفة، وتجاه أحداث خاصة معينة، مثل إيران وبرنامجها النووي وحركة حماس"، وسيكون في هذه المعالجة بندا خاصا في ما يتعلق بالتوجه والتعامل مع الشعوب والتنظيمات الإسلامية.

كما من بين جوانب الاستراتيجية الجديد، إعطاء أهمية خاصة لقوى عظمى متنامية في العالم وبالأساس الصين، واستغلال الفرص لتحسين العلاقات مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وبناء جسور وعلاقات مع مجموعات إثنية تكبر باطراد في داخل الولايات المتحدة، مثل ذوي الأصول الإسبانية، ولهذا أيضا ستكون معالجة منفصلة، ورفع مستوى العمل أمام الأمم المتحدة وتنظيمات دولية "من أجل الحصول على إنجازات أفضل"، حسب ما جاء في التقرير.

الترهيب من المسلمين والحركات الإسلامية:

ويخصص التقرير فصلا للتطورات الحاصلة في الساحة الدولية بما له علاقة من بعيد أو قريب لليهود، أو تلك التطورات التي على اليهود استثمارها، ونقرأ، مثلا عن القلق من تورط الولايات المتحدة في العراق، "إن الوضع في العراق يثير انتقادات حادة متنامية في الولايات المتحدة، وعلى الأغلب سيكون لها انعكاسات على السياسة مستقبلية للولايات المتحدة، بما في ذلك سياستها في الشرق الأوسط، فعدم الاستقرار في العراق قد يحوله إلى أكبر بيت للمجموعات الإرهابية المتطرفة العالمية، وأن يتحول العراق أيضا إلى حالة اختبارية لقدرات الغرب، ولهذا الأمر انعكاسات كثيرة على المستقبل ومن ضمن ذلك إسرائيل".

وقبل الحديث عن النظرة للحركات الإسلامية، التي لها حصة الأسد في هذا البند، نرى ان التقرير يتطرق حتى إلى الكوارث الطبيعية في العالم، و"تأثيرها على اليهود"، ويقول التقرير: :حتى الآن لم يتم إحصاء يهود بين الضحايا الأساسيين للكوارث الطبيعية في العالم، سوى إخلاء 9 آلاف يهودي من نيو أورلينانس (خلال إعصار صيف العام 2005 الذي تسبب بإخلاء لا أقل من مليون شخص)، ولكن إذا تحققت التوقعات حول زيادة الكوارث الطبيعية فقد تتضرر الجاليات اليهودية بقدر يلزم بتقديم مساعدة للقدرات المحلية حيث تقع الكوارث".

ويتوقف التقرير عند المتغيرات الديمغرافية في دول الاتحاد الأوروبي وجاء فيه: "إن عدد المهاجرين المسلمين يزداد في الغرب، وصعوبات استيعابهم إلى جانب تطرفهم الديني، يشكل مشكلة ذات انعكاسات متوقعة على الجاليات اليهودية".

ويتابع التقرير: "إن التغير المركزي في العمليات التفجيرية الأخيرة التي وقعت في بريطانيا وإسبانيا وهولندا وأماكن أخرى في أوروبا يكمن في حقيقة ان هذه التفجيرات تم تنفيذها بمساعدة وتخطيط مسلمين أوروبيين، أبناء الجيل الثاني للمهاجرين الذين ولدوا ونشأوا في أوروبا".

ويزعم التقرير، "أن المساهمة الأساسية للإسلام المحافظ في تنمية اللا سامية تكمن في الدعاية المعادية لليهود من النوع القديم ضمن: سلسلة كتب ومواقع انترنت ومواعظ في المساجد، والقصة المحزنة حول علاقة النبي محمد بيهود المنطقة العربية، ومكانة اليهود كدين أقلية وضيع في الشريعة".

ويضيف التقرير زاعما: "إن المعركة المعادية لليهود تتسع، وتشمل في هذه الفترة "برتوكولات حكماء صهيون"، التي تظهر بحلل جديدة في الشاشات العربية تقريبا سنويا، وتنتشر الكتب في الأحياء الإسلامية في أوروبا".

ويستخلص التقرير بأن "على خلفية غزارة الدعاية المعادية لليهود، كجزء ثانوي، ولكن غير منفصل عن الحياة اليومية، بإمكاننا ان نتوقع استمرار الاحتكاك باليهود، وحتى أن يتصاعد، وهناك احتمال أكثر من ذي قبل، بأن تختار شبكات وتنظيمات مستقلة بإيعاز من تنظيم القاعدة، بمؤسسات يهودية كأهداف سهلة، في حين ان الأهداف الصعبة، مثل السفارات، محاطة بالحماية، وهذا ليس فقط في أوروبا بل أيضا في شمال أمريكا وفي جنوب شرق آسيا".

العلاقة بالمسيحية وطوائفها:

في العلاقة مع المسيحية، فإن التقرير يتحدث عنها في جانبين، حين يتطرق إلى التطورات في أوروبا، وفي فصل الولايات المتحدة حيث تنتشر حركات ما يسمى بـ "المسيحية الصهيونية"، وهي حركات متجددة تحريفية، تتغلغل فيها الحركة الصهيونية، وهي تيار مركزي في القوى التي تسيطر على البيت الأبيض حاليا.

يشار هنا إلى ان الديانة اليهودية والمتدينين اليهود بشكل عام، لا يعترفون عمليا بالديانتين السماويتين اللتين جاءتا بعد اليهودية، وإنما التعامل معهما هو من خلال ما يفرضه الواقع على اليهود، فمثلا يطلقون على السيد المسيح اسم "يشو"، وهو اختصارا مكون من الأحرف الأولى لمصطلح عبري من ثلاث كلمات يشكل لعنة، وهي: "ليمحى إسمه وذكره"، وهي لعنة يطلقها اليهود على السيد المسيح وهتلر، وهو اللقب الوحيد المستخدم في الخطاب اليهودي بالاجماع في جميع المستويات السياسية والاجتماعية، ومن شديد السخرية أنهم يستعملونه حتى عندما يتحدثون عن الحركات المسيحية المناصرة للصهيونية.

ورغم ذلك فإن التقرير يكشف مدى اهتمام الحركة الصهيونية بالتدخل، حتى في عمل الكنيسة الكاثوليكية الداخلي، مثل معارضة الحركة، بأن يقوم الكرسي البابوي برسم قداسة البابا بيوس الثاني عشر الذي كان خلال فترة الحرب العالمية الثانية، قديسا، والتقرير الذي نعالجه يذكر هذه القضية.

ويقول التقرير: "كما يظهر فإن الكنيسة الكاثوليكية تحافظ على مكانتها المركزية في العالم المسيحي، وهي تبدي اهتماما بالشؤون اليهودية، من الواضح أن الحوار مع اليهود لم يتطرق، ولا يمكنه ان يتطرق إلى قضايا تتعلق بالطبيعة الإلهية، ومبادئ دينية أساسية، وعلى الرغم من هذا فقد تبلورت ثلاثة اتجاهات في العلاقة: الاعتراف بأهمية الكارثة ودولة إسرائيل وتعرف الهوية اليهودية في عصرنا، والتعاون في الكفاح المشترك للحفاظ على إبقاء شرعية الديانة اليهودية، وطرح حلول لقضايا مختلفة ناجمة عن تطور الطب".

وفي ما يتعلق بالطوائف البروتستانتية المسيحية، فإن التقرير يعترف بأن العلاقة معها مرتبطة بتوجهاتها السياسية المختلفة.

ولدى عرض التقرير عن التطورات الجارية في روسيا من وجهة نظر صهيونية، نجد ان المعهد يتهم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية (برافسلافية) بأن أوساطا فيها تدعم حركات قومية متطرفة "ولا سامية"، وتضفي طابعا دينيا على أفكارها، في كل ما يتعلق باليهود وتعاملهم مع السيد المسيح.

الولايات المتحدة والأمريكيون الإسبان:

في الفصل الذي يتحدث عن الولايات المتحدة، فإن مسألة التغلغل في سدة الحكم الأمريكي لم تحظ بشرح وعرض حال، لكونها أصبحت تحصيل حاصل، ولهذا فإننا نرى أن التقرير يركز على جانبين في ما يتعلق باليهود، وهما جهاز القضاء الأمريكي، وتنامي مجموعة الأمريكان من أصول إسبانية ويضع هذه المجموعة تحت المجهر، ويعرض احتمالات توسعها لتصبح ذات وزن سياسي جدي في الولايات المتحدة، وهذا هو الجانب الأهم في التقرير.

ففي مسألة جهاز القضاء الأمريكي يشرح التقرير بإسهاب عن زيادة اهتمام جهاز القضاء الأمريكي، بما يسمى بـ "القضاء العبري"، وهو مصطلح قلّ ما نسمع عنه في إسرائيل نفسها، ويدعي التقرير ان مراكز قضائية جدّية أصبحت تبدي اهتماما أكثر بالتوراة والشرائع فيها.

ويصل التقرير إلى حد القول: "مع تدفق مجموعات مهاجرة جديدة (إلى الولايات المتحدة)، فإن الولايات المتحدة أصبحت تتحرك من بلاد أنجلو أمريكية مسيحية، إلى بلاد يهودية مسيحية، وبات حقوقيون أمريكان يطورون طابعا سلوكيا (لجهاز القضاء) على أسس يهودية مسيحية".

وكما يبدو فإن المعهد يتوصل إلى هذا الاستنتاج اعتمادا على مجموعات ما يسمى بـ "المسيحية الصهيونية" المتغلغلة في مراكز القوى الأمريكية، وهذه المجموعات نظرا لطابعها، تعتمد التوراة أكثر مما تعتمد الإنجيل نفسه في خطابها ونهجها الديني، وهذا ما يوضح هويتها الدينية الحقيقية.

وكما ذكر فإن التقرير يضع التركيبة السكانية للولايات المتحدة تحت المجهر، ويركز بشكل أساسي على الأمريكان من اصل إسباني، "كأقلية متنامية"، بوتيرة أعلى من باقي المجموعات السكانية الأمريكية، وأن من بينها "يتبعون للكنيسة الكاثوليكية ويتبنون أفكارا لا سامية"، إلا أن التقرير يدعو إلى توثيق العلاقة مع هذه المجموعة نظرا لوزنها الانتخابي المستقبلي.

ونقرأ في التقرير ان هذه المجموعة (الإسبانية) كان تعدادها في العام 2004 أكثر بقليل من 40 مليون نسمة، أي 14% من مجمل السكان في الولايات المتحدة، وأنهم أكثر من السود الذين تبلغ نسبتهم 12%، ويرى التقرير أن عدد الأمريكان من أصول إسبانية ازداد منذ العام 1990 وحتى العام 2004 بنسبة 61%، وأنهم في العام 2020 سيشكلون 25% من مجمل السكان، "وهو ارتفاع كبير نظرا لنسب تكاثرهم بالمقارنة مع إجمالي نسبة التكاثر السكاني في الولايات المتحدة".

وليس هذا فحسب بل إن التقرير يحلل طبيعة هذه المجموعة السكانية وأوضاعها الاقتصادية والثقافية، ويرى ان 52% من الأمريكان الإسبان حصلوا على شهادة الإنهاء المدرسية (التوجيهي في الدول العربية)، وأن 10% من السكان لديهم شهادة اللقب الجامعي الأول وما فوق، في حين ان نسبة الحاصلين على شهادة اللقب الجامعي الأول بين اليهود هي 55% وأن 25% لديهم شهادات جامعية أعلى، وان على مستوى الولايات المتحدة فإن 29% من السكان لديهم لقب جامعي أول، و6% لديهم شهادات جامعية أعلى.

ويقول التقرير: "إن الوزن السياسي للجالية الإسبانية خفيف جدا مقارنة مع حجمها، وهذا أيضا في أعقاب عدم إقبال الإسبان على تسجيل أنفسهم في سجل الناخبين، وهذا يعود لكون قسم منهم مهاجرين غير شرعيين أو أنهم دون السن القانوني، ونسبة التصويت لديهم منخفضة، وتنظيماتهم السياسية ليست ثابتة، ومشاركتهم في الحياة السياسية ضعيفة مقارنة بمشاركة اليهود.

ولكن التقرير يدعو إلى عدم التسليم بالوضع القائم، ويتوقع ازدياد الوزن السياسي للأمريكان الإسبان، ولهذا يرى انه على "الجالية" اليهودية، ان تبادر منذ الآن لتعزيز العلاقات والروابط مع الأمريكان الإسبان، على مستوى الأقاليم والولايات، وأيضا على المستوى العام، وينتقد التقرير بعض المنظمات اليهودية التي تهمل الأمريكان الإسبان، ويدعوهم للإسراع بإقامة روابط معهم.

الانترنت:
يخصص التقرير صفحات عديدة للشرح عن أهمية الإنترنت، وضرورة استغلال اليهود في العالم لهذه الشبكة العنكبوتية، وينتقد عدم تغلغل اليهود في هذه الشبكة بنفس مقدار الديانات الأخرى، ولنر إلى أي مدى يصل المجهر الصهيوني لكل كبيرة وصغيرة في العالم، فيقول التقرير: "في البحث من خلال موقع غوغل، حتى نهاية العام 2005، لمصطلح "يهودية" (باللغة الإنجليزية) تبين انه يرد 16,8 مليون مرة، وهذا عدد كبير، ولكنه صغير أمام مصطلحات مقابلة، مثل "المسيحية"، 38,6 مليون مرّة و "الإسلام" 56,6 مليون مرة.

بعض الاستنتاجات:

كثيرة هي المعاهد والمؤسسات الصهيونية المنتشرة في أنحاء عدة في العالم، وبشكل خاص في إسرائيل والولايات المتحدة، وبغالبيتها إن لم يكن كلها تظهر بطالع مراكز ابحاث، ولكن هذه الأبحاث في مركز عملها تطوير نهج وعمل الحركة الصهيونية لتحقيق هدفها الأعلى.

ويأتي هذا التقرير، ليؤكد على عدة أساليب وسياسات اتبعتها الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وفي صلبها، ترسيخ طابع "الشعب الضحية المهدد"، وترسيخ أجواء التخويف والترهيب لليهود في كل بقاع الأرض حتى في "بيتهم الأكبر"، ليبقى شعور "المطارد" على مستوى الفرد اليهودي الذي بحاجة إلى "بيت يحميه" إسرائيل والصهيونية، وترسيخ مزاعم العداء اليهود بمعزل عن تأثير السياسية الإسرائيلي من باب التخويف، بمعنى ان العداء هو لليهود كيهود وليس للسياسة الإسرائيلية.

ولهذا فإننا نرى ان مسألة اللا سامية هي مطية الحركة الصهيونية، عززتها الحركة الصهيونية مع قيامها قبل أكثر من مئة عام، ومن ثم لتأتي قضية "المحرقة"، التي لم تبقيها الحركة الإنسانية في إطارها الانساني العام، كجريمة بحق الإنسانية، وإنما عملت طوال الوقت على استغلالها واستثمارها، لننتبه إلى "الوصية" التي ترددت عدة مرات في هذا التقرير، بعدم إسقاط المحرقة عن جدول اعمال "الشعب اليهودي" في جميع أماكن تواجده.

كذلك فإن الحركة الصهيونية جعلت من المحرقة وسيلة لمطاردة دول أوروبا جميعها، حتى تلك التي وقعت ضحية للاحتلال النازي، وهي تسعى لجعل كل أوروبا "المتهم الأبدي الذي عليه ان يكفر عن ذنوبه للأبد من خلال دعمه لإسرائيل واليهود في العالم".

ولا تخفي الحركة الصهيونية سعيها الدائم ليس فقط للتغلغل في مراكز القوى العالمية، وإنما أيضا للسيطرة عليها في مختلف الأساليب، مستغلة بشكل أساسي القوة الاقتصادية التي لا يمكن الاستهانة بها، لأتباع الديانة اليهودية في شعوب العالم المختلفة.

إن التفاصيل الدقيقة التي يعرضها التقرير بشكل لافت، تعكس أسلوب ونهج هذه الحركة الذي لا يهمل أي صغيرة قبل الكبيرة في العالم لخدمة مصالحها العليا.

* برهوم جرايسة - عن "الغد الاردنية"