يتذكرون الجريمة بعد 36 عاما من وقوعها: فلسطينيون يروون التفاصيل المريرة لجريمة احراق المسجد الاقصى المبارك
نشر بتاريخ: 20/08/2005 ( آخر تحديث: 20/08/2005 الساعة: 18:37 )
القدس- معا- تقرير اخباري- بالرغم من مرور ستة وثلاثين عاماً على جريمة احراق المسجد الاقصى ، فإن ذاكرة المواطن المقدسي محمد ابودياب من سكان " وادي قدوم" جنوب البلدة القديمة من القدس لا تزال حية وتشتعل بصور الحريق الذي اتى في الحادي والعشرين من آب عام 1968 على الجزء الاكبر من المسجد الاقصى.
المواطن ابودياب - في الستينات من عمره - كان اعتاد فجر كل يوم الصلاة في المسجد الاقصى، والبقاء هناك متعبداً الى ان تصبح الناس الى اعمالها، فيعود الى المنزل ليأخذ قسطاً من الراحة، ثم يواصل باقي يومه ليتم اعماله الاخرى.
ما يذكره المواطن ابودياب انه عاد في ذلك اليوم مسرعاً الى المسجد الاقصى حين بدأت الانباء تتوالى عن الحريق ... وانضم الى حشد غاضب قرب "بوابة الغوانمة" وما لبث ان ولج الى ساحات الحرم يردد ويهتف "كلنا فداك يا اقصى".
يقول: كان جمع الناس كبيراً .... وكان الغضب اعظم من ان يوصف بالكلمات ... اندفعنا جميعاً صوب المسجد ، حيث كانت النيران تشتعل ... بحثنا عن الماء في حينه داخل الاقصى، فوجدنا انها قطعت عنه ... فإستعنا بمياه من البيوت المجاورة حيث فتح اصحابها صنابير المياه لتزود الجموع الغاضبة بما يلزم من مياه لاطفاء الحرائق ... لم نترك آنية الا وملأناها بالمياه ... وكنا نستخدم الاتربة والرمال ...الا ان الحريق ظل مشتعلاً ... واستمر من الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة وحتى الرابعة عصراً ... جُرحت خلال ذلك جراء وقوع لوح من الخشب من سطح المسجد على احدى قدمي ... بل ان ملابس كثيرين منا تمزقت بفعل التدافع نحو انقاذ الاقصى".
لا ينسى ابودياب بالمطلق تفاصيل تلك اللحظات ... فقد كان الصراخ يملآ سماء القدس: رجال ونساء، ومشاعر الغضب تملأ نفوس الجميع ... وكثير من هؤلاء بَكوا لرؤية النيران وهي تأتي على مسجدهم، وعلى محراب صلاح الدين فيه ... مشاعر لا يمكن وصفها بالكلمات".
يفخر " ابودياب " بصلته الدائمة بالاقصى ... فهو لا يترك مناسبة للدفاع عنه الا كان فيها حاضراً ... ويذكر انه خلال الزيارة المشؤومة لرئيس الوزراء الحالي شارون للحرم في ايلول من عام 2000 ، كان اول من جرح خلال محاولته الوصول الى شارون ومنعه من اكمال زيارته ، وحتى قبل اسبوع كان" ابودياب " حاضراً حين هدد المتطرفون اليهود بإقتحام المسجد الاقصى.
وتتذكر الحاجة رقية ابولبدة ، من سكان " عقبة السرايا " في القدس القديمة ، حادثة احراق الاقصى بكل تفاصيلها وتذكر كيف تدافع اهل الحارة بمن فيهم زوجها الراحل والذي خدم في الشرطة البريطانية ابان الانتداب - مسؤولاً في شرطة القشلة - ( داخل اسوار البلدة القديمة ) كانت صرخات الغضب تعلو كل زقاق وحارة في البلدة القديمة كما تقول الحاجة ابولبدة ، وكان الكل يريد ان يصل الى باحات الحرم للمشاركة في اخماد الحريق، تضيف "اندفعنا جميعاً نساء البلدة القديمة بأيدينا الاواني المملوءة بالماء لنساعد في اطفاء الحريق ... كانت صرخات التكبير تعلو على كل شيء ... لم يكن يهمنا ما يمكن ان يفعله الاسرائيليون في حينه .. المهم بالنسبة الينا انقاذ المسجد".
وتصف الحاجة رقية مشاعرها آنذاك بالقول: لا يمكن وصفها .. كنت واحدة ممن بكى بحرارة وهو يرى سقف المسجد يحترق، والدخان يتصاعد من نوافذه، كانت انفعالات الجميع اكبر من ان تصفها الكلمات ... من النساء من اكتفى بالبكاء ... ومنهن ممن لطم الخدود ومزق الشعر ... ومنهن من اكتفين بالهتاف والتكبير، ومشاركة الرجل مهمة اطفاء الحريق.
لكن الامر مختلف بالنسبة للعقيد محمد امين الجعبري الذي كان آنذاك مسؤول المناوبة في اطفائية بلدية الخليل، التي ما ان تناهت الانباء عن الحريق الى مسامع مسؤوليها حتى اندفعت طواقم الاطفاء فيها بسيارتي الاطفاء الى القدس للمشاركة في اخماد الحريق- ولم تستغرق المسافة من الخليل الى القدس سوى عشرين دقيقة - كما يؤكد الجعبري مشيراً الى ان سائقي السيارتين كانا يقودانها بسرعة جنونية، "وكان همنا جميعاً هو الوصول في اقصى سرعة ممكنة".
يقول الجعبري: " ابلغنا عن حريق الاقصى عبر الهاتف في ضحى يوم الحادي والعشرين من آب عام 1968، فتحركنا على الفور، وعندما وصلنا الى داخل باحات الاقصى قمنا بمعاينة موقع الحريق، حيث تبين لنا احتراق جزء من المسجد بالكامل .... وجزء آخر منه مهدداً بالاحتراق اذا لم يتم التعامل معه ... فطلبنا من المتواجدين بما في ذلك المسؤول الاسرائيلي عن اطفائية القدس ويدعى " مستر كوبي " بالتعامل مع المواد المحترقة الموجودة داخل المسجد، الا انه رفض السماح لنا بذلك فقررت عندها وعلى عاتقي الشخصي الدخول الى هناك .... لكنهم حاولوا منعنا - اقصد بذلك الشرطة وافراد الجيش الاسرائيليين - الذين تواجدوا هناك الا انني تمكنت من الدخول، وحين باشرنا عمليات الاخماد ... قطعوا المياه عنا، واوقفوا ضخّها في الآبار، فطلبت من الجماهير المحتشدة في الخارج مدّنا بالمياه، ففعلوا ... وواصلنا مهمتنا التي دخلنا من اجلها ... ولدى خروجي تعرضت لاعتداء وحشي من قبل افراد الجيش، نقلت على اثرها الى مستشفى "الهوسبيس" حيث مكثت هناك بضعة ايام.
يتذكر الجعبري اشخاصا آخرين رافقوه بمهمة الانقاذ والاطفاء لازال بعضهم يعمل في قسم الاطفائية ببلدية الخليل، "فقد كان سائق سيارة الاطفاء الذي رافقه الى القدس مصطفى القواسمي، اما السيارة الثانية فكان يقودها عبد الكريم زلوم، ومعه خلوي الجعبري .... في حين ان سيارات اطفاء من مدن اخرى كانت وصلت هي الاخرى الى باحات الحرم وانضمت الى جهود الحشود الكبيرة من المواطنين الذين اندفعوا الى الاقصى لحمايته.
ويجزم الجعبري بأن عملية الاطفاء الاسرائيلية للحريق لم تتم حسب الاصول المعتادة ... وكان يمكن التعامل معها بصورة مهنية اكثر، "عندها لكانت الاضرار اقل بكثير".
الشهود على جريمة احراق الاقصى التي يصادف الاحد ذكراها السادسة والثلاثين كثيرين منهم من قضى نحبه امثال: الشيخ سعد الدين العلمي رئيس الهيئة الاسلامية العليا آنذاك، والراحل حسن طهبوب الذي خلف العلمي في رئاسة الهيئة الاسلامية، ثم مدير المسجد الاقصى الشيخ محمد حسين، وكذلك مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ عكرمة صبري, وعبد العظيم سلهب، والثلاثة الآخرون احياء يرزقون كانوا شهوداً ايضاً الى جانب المواطنين.
وقد لا يبدو غريباً ان تتزامن هذه الذكرى مع التهديدات التي يطلقها متطرفون يهود ضد الاقصى في هذه الايام, كما يقول الشيخ محمد حسين - مدير الاقصى - الذي لا يخفي قلقه من اعتداء محتمل وشيك تتجاوز تداعياته، آثار الحريق قبل ستة وثلاثين عاماً - لكنه يؤمن ان للبيت رب يحميه - وان اهل بيت المقدس لن يبخلوا على الاقصى بحمايته.