الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بشار الحروب: حكايات القتل اليومي من وحي الدمى واللهو الطفولي

نشر بتاريخ: 27/03/2016 ( آخر تحديث: 27/03/2016 الساعة: 22:49 )
بشار الحروب: حكايات القتل اليومي من وحي الدمى واللهو الطفولي
رام الله - معا - ما بين الجندي الدمية، والجندي في ميادين المعارك حول العالم، يبدو أنها "لعبة كونية"، لكن للتعاطي مع الجندي في المناطق المشتعلة والمنشغلة بالحروب، وبينها فلسطين بطبيعة الحال، تأويلات أخرى، ومعان متشعبة أكثر .. لعل هذا شيء مما أراد أن يقوله الفنان الفلسطيني بشار الحروب في عمله الفني الجديد "الجندي الكوني"، وعرض قبل أيام في معرض "آرت دبي 2016" ضمن مشاركة "جاليري1" الفلسطيني.

وتتأرجح المخيلة مع أعمال "الجندي الكوني"، وبينها فيديو لجندي يذوب بالتدريج، وكأنه رجل من ثلج أو "آيس كريم"، ليتماهى مع الأرض المرابط فوقها، قبل أن يعود وينبت من جديد، وهكذا، وكأن الحروب، التي أوحى إليها الفنان بالجندي المثلج، لا تموت، حتى لو فني ملايين الجنود، فثمة وقود بشري مستمر للمعارك هنا وهناك.

ويتكئ الحروب على "الدائرة" كثيمة في جل تكوينات "الجندي الكوني" في إشارة إلى الكرة الأرضية، فجنود على طرفها الأعلى تارة، وآخرون على طرفها الأسفل تارة أخرى، بعضم جللهم البياض والسواد، وبعضهم تلون بما يشبه التراب، وغيرهم كان مذهباً.

وفي هذا التكوين الذهبي ما يوحي إلى دائرية العالم، وما يمكن أن يوحي إلى "شجرة الحياة" التي تبدلت أغصانها وثمارها بجنود متأهبين للقتل أو القتال، فـ"لا جندي يقوم بواجبه في هذا العالم لحماية الشعب من بطش الطغاة"، قال الحروب لـ"الحياة".

ومن بين تشكيلات "الجندي الكوني"، ذلك العمل الفني ثلاثي الأبعاد، والذي يبدو كشارة مرور بألوانها الثلاثة، في تعبير عن حالات "التوقف، والاستعداد، والانطلاق"، أي "الأحمر، والأصفر المائل للبرتقالي، والأخضر".

وانطلق الحروب في عمله الفني الجديد من "لعبة الجندي البلاستيكية"، التي هي من الألعاب الشائعة عالمياً، ولا يخلو بلد من هذه اللعبة التي تبدو شعبية في بعض المناطق، وعلى الأغلب يتناولها الأطفال من شعورهم بها كمصدر للقوة والأمان. في نفس الوقت تعزز الشعور في العقل الباطن بتفوق الجندي على غيره، لكن لهذه الألعاب خصوصية في البلاد التي تعاني من ويلات الحروب، ومع ابتداء وعي الطفل تأخذ منحى آخر.

ويقول الحروب: شكلت "لعبة الجندي" في طفولتي مساحة مهمة من التعامل مع هذه العناصر، عبر تشكيلها بنماذج مختلفة، وتنظيمها بشكل يتوافق مع حريتي، بعيداً عن تأثري المباشر بما يحدث في فلسطين والمنطقة كباقي الأطفال، سواء في صناعة الانتصار لفريق من الجنود على الآخر، وكذلك محاولاتي لتقليدهم، وممارسة هذا السلوك في بعض الأوقات في المدرسة أو الشارع.

ويقدم المشروع تساؤلات حول مفهوم الجندي كرمز تقليدي للحروب، ومن خلال هذه الأسئلة، هناك محاولات لتفكيك النمطية السائدة، ويتناولها المشروع من زاوية اللعب التي فيها موازاة لما يجري حقيقة في هذا العالم، حيث يحمل المشروع في طياته ترميزاً لمفهوم الديمومة، وانعكاسها على العمل عبر الدائرة التي تشكل مركزية العمل، كما أسلفنا، من حيث دور الجندي في لعبة الحرب كأداة، وكذلك عبر المواد المستخدمة في صناعة الجنود البلاستيكية كمادة نفطية كانت سبباً لكثير من الحروب.

وهذا ما أكده الحروب، بقوله: في العودة لمساحة جنودي، كنت أتعامل معها بنوع من المشهد السينمائي بصرياً، ومحاولة تجاوز الفكرة النظرية التي أحملها في رأسي من دروس التاريخ أو أحاديث العائلة حول الاحتلال، وما يقوم بفعله بالفلسطينيين، وانضم جيشي الخاص لينتصر على العدو.

ويضيف: كانت لعبة سهلة، يمكنني التلاعب بها كيفما شئت، إلى أن اصطدمت للمرة الأولى بالجندي الحقيقي، وجهاً لوجه، الجندي الإسرائيلي الذي كسر كثيراً من أفكاري الطفولية، وقدرتي على التعامل مع الجندي بشيء من الإيجابية، وهذه الصدمة كانت سبباً مهماً في تفكيري ومراقبتي ومقارتني للجندي الحقيقي، الجندي العدو، والجندي الصديق الذي أتعامل معه في ألعابي.. ومنذ تلك الفترة بدأ مفهوم الجندي يتحول لديّ شيئاً فشيئاً، من الجندي الصديق إلى الجندي العدو داخل اللعبة نفسها، إلى أن كانت الصدمة الأخرى بعد اتفاق أوسلو، بأن أشاهد الجندي الفلسطيني الحقيقي أيضاً لأول مرة في عام 1994، ويكسر الفكرة مرة أخرى .. إن هذا الجندي هو الصديق، وحامي الوطن والحدود، وهذا أيضاً من دروس التربية الوطنية، لكن في النتيجة كل ذلك لم يكن إلا نظرياً أقرب ما يكون للقصص، لم أشاهدهعلى أرض الواقع ما في الأفلام الأميركية، وما تعلمناه في دروس التاريخ... "هي حكاية الجندي ما بين اللعب والرعب".

ومن اللافت في مشروع "الجندي الكوني"، أنه يأتي في إطار ما اشتهر به الفنان الفلسطيني بشار الحروب بطرق مواضيع عالمية المعايشة، وإن من خلفيات فلسطينية، كاشفاً أن هناك ما قد يضاف لهذا المشروع من عناصر لا تخرج عن فكرةتناول القضية الفلسطينية في إطارها الكوني، كحال الكثير من مشاريعه السابقة بدءاً من عام 2009، حيث بات قادراً على الخروج من حيزه المكاني نحو قضايا إنسانية كونية، وإن كانت تنطلق من فلسطين على المستوى الذاتي أو العام، وهذا يساهم في وصول العمل إلى أكبر عدد من الناس في العالم.

"يأتي ذلك من إيماني بالحرية والهوية المفتوحة في اللغة البصرية"، ويؤكد على "أن الفلسطيني يعيش هموم العالم كما همومه"، قبل أن يختم الحروب بوجع باحت به كلماته: "بت على قناعة بأن لا جندي في العالم يقوم بمهمته الأساسية في حماية شعبه، بل يمارس كل أشكال القمع وصولاً إلى القتل لحماية أنظمة دكتاتورية تتقاطع فكرياً معه في رؤيتها القمعية".