الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الطباعة ثلاثية الأبعاد- بين الطب والصيدلة

نشر بتاريخ: 17/06/2016 ( آخر تحديث: 17/06/2016 الساعة: 14:27 )
الطباعة ثلاثية الأبعاد- بين الطب والصيدلة
بيت لحم - معا - نعيش اليوم في عصر الثورة الصناعية والتكنولوجية، بحيث بات يطلق عليه الثورة الصناعية الثالثة، فقد كانت الصناعة في الماضي تقوم على أساس انتاج كميات كبيرة “ Mass Production” من المنتجات المتماثلة تماما بالسوق، بعيدة عن انتاج كميات قليلة من منتجات مختلفة والتي قد تكون تكلفتها جدا باهظة. ولكن مع وصول الثورة الصناعية الثالثة إلى عالم اليوم، والتقدم العلمي والمعرفي، أصبحت العملية الانتاجية تتخذ منحنى اخر تتجه فيه لتصبح عملية رقمية. فقد أصبح مصطلح البعد الثالث والطباعة ثلاثية الأبعاد “ 3D Printing” على وجه الخصوص يرتداد على ذهن الكثيرين، كبارا كانوا أم صغارا.

فالطباعة ثلاثية الأبعاد، أو ما تعرف بالتصنيع بالإضافة نقلت البشرية من عصر هنري فورد (الثورة الصناعية الثانية) والانتاج بكميات متماثلة وكبيرة وتجارية الى عصر جديد أكثر تخصيصا ودقة وتنويعا في العملية الانتاجية يعرف بعصر الثورة الصناعية الثالثة والطباعة ثلاثية الابعاد.

بحث علمي أعده الدكتور الصيدلاني فؤاد مغربي لمشروع تخرجه من كلية الصيدلة في جامعة القدس وبإشراف الدكتور حسين الحلاق سيسرده لنا بجزء من التفصيل وأهم ما تطرق له خلال بحثه.

الطابعات ثلاثية الأبعاد تستخدم مجموعة واسعة من التكنلوجيا والتقنيات المختلفة الخاصة بعملية التصنيع بالاضافة، ولكن، وبالرغم من اختلاف أنواعها، إلا انها تتشارك جميعا بنفس بمبدأ العمل، ألا وهو بناء مجسم ثلاثي الأبعاد عن طريق إضافة طبقات من المادة بشكل تراكمي لغاية بناء المجسم بشكله النهائي. يمكن القول أن الأمر أشبه بالطباعة العادية من حبر على ورق في بعدين، ولكن مع وجود بعد إضافي (البعد الثالث)، بحيث يتم التحكم بهذه العملية بشكل كامل متكامل عن طريق برامج وتصاميم خاصة على أجهزة الحاسوب صممت خصيصا لهذا الغرض.

تبدأ عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد بتحرير المادة الخاصة بعملية الطباعة من رأس الطابعة (فتحة الطابعة)، على محور ثنائي الأبعاد (س،ص) من أجل تأسيس قاعدة المجسم المراد بنائه، بعد ذلك يتحرك رأس الطابعة بالبعد الثالث (ع) ويتم تحرير سائل رابط من فتحة الطابعة على قاعدة المجسم وبسمك معين، ويتم تكرار العملية بناء على توجيهات وتعليمات الحاسوب لغاية بناء المجسم كاملا طبقة تلو الأخرى. وبعد انتهاء عملية الطباعة، يتم ازالة الأجزاء الزائدة والحصول على المجسم بشكله النهائي.

في الجانب الطبي، قام العلماء بالاستفادة من هذه التقنية في مجال زراعة الأعضاء البيولوجية، كما في حالات زراعة الكلى، والقلب والبنكرياس وغيرها. فقد قام مجموعة من الباحثيين في جامعة كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع زملاء من جامعة تشجيانغ في الصين بدراسة كيفية تصرف " الحبر البيولوجي" المستخدم في عملية طباعة وتصنيع الاعضاء البيولوجية أثناء تحرريه من فتحة الطابعة، بحيث تقوم الطابعة بتحرير قطرات من الحبر البيولوجي المكون أساسا من خلايا حية، وترتيبه بشكل دقيق ومترابط من أجل بناء العضو البيولوجي المطلوب.

تستطيع هذه التكنلوجيا والتقنيات المختلفة انقاذ حياة الالاف، لا بل الملايين من المرضى حول العالم والذين ينتظرون الشخص المناسب ليقوم بعملية التبرع بالعضو البيولوجي المطلوب لاتمام عملية الزراعة، بحيث ينتظرون شهورا وأعواما في بعض الأحيان للحصول على العضو المناسب من المتبرع المناسب. كما ويبقى تقبل المريض للعضو المزروع من ناحية طبية، وعدم رفض العضو من قبل جهز المناعة تحد كبير بالنسبة للطاقم الطبي بشكل عام، وذلك نظرا لعدم استجابة المريض لمثبطات المناعة بالشكل اللازم في كثير من الحالات. أما عندما يتم انتاج العضو البيولوجي باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، يتم بالواقع انتاج، لا بل طباعة العضو البيولوجي باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد مختصة وبطريقة مثالية بناء على الكود الجيني الخاص بالمريض نفسه، مما يعني حل مشكلة رفض جهاز المناعة للعضو المزروع وبشكل جذري.

أما على الصعيد الصيدلاني والعلوم الصيدلانية، فقد أصبحت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد جزء لا يتجزأ من الصيدلة الصناعية، بحيث باتت هذه التقنية تستخدم لتصنيع وإنتاج الأدوية بأشكالها الصيدلانية المختلفة.

أحد هذه الأشكال الصيدلانية والذي تجدر الإشارة إليه والتنويه له هو الأقراص الدوائية ذات الذوبان السريع جدا بالفم أو ما تعرف بال oral fast dissolving tablets”"، بحيث يكتفي المريض برشفة صغيرة من الماء للحصول على ذوبان وتفتت كامل للقرص الدوائي، والتي أبدت طلب وإقبال متزايد خلال العقد الماضي نظرا لدقة جرعتها، واستقرارها صيدلانيا، وسهولة التعامل معها من قبل المرضى بشكل عام.

وبناء على هذه التقنية، وفي الثامن من كانون الأول من العام المنصرم 2015، قامت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية FDA))، بإعطاء الموافقة على أول دواء يصنع وينتج باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الابعاد، والمصنع من قبل شركة الأدوية الأمريكية “ Apprecia” والمعروف تجاريا باسم سبريتام“ Spritam ” وعلميا باسم “Levetiracetam”، دواء مخصص لعلاج أنواع معينة من أنواع الصرع، وهو أول شكل صيدلاني من ال “Levetiracetam”يتفتت ويذوب في غضون 5 ثواني عند ملامسته الماء، مقارنة مع الاشكال الصيدلانية الأخرى والتي قد تحتاج الى نصف ساعة للحصول على ذوبان كامل قبل امتصاص الجسم لها، ومن المتوقع أن يكون متوفرا بالأسواق الامريكية خلال الربع الأول من العام الحالي 2016.

ومن الأشكال الصيدلانية الأخرى التي يتم انتجاهها بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد والجديرة بالذكر، ما تعرف بال “Polypill” ، فهذا النوع يمتاز باحتواء القرص الدوائي على أكثر من مادة فعالة واحدة، بحيث يكون لكل مادة فعالة بالقرص حركية دوائية خاصة به، نظرا لوجود كل مادة فعالة بحيز منفصل بشكل فيزيائي عن المادة الاخرى بداخل القرص الدوائي، وبالتالي،عوضا عن تناول عدة أقراص عادية لنفس الغرض بحيث يحتوي كل قرص على مادة فعالة واحدة، يتيح هذا النوع من الأشكال الصيدلانية للمريض تناول قرص واحد فقط يحتوي على جميع المواد الفعالة العلاجية وبالحركية الدوائية المطلوبة، مما يزيد من تقبل المريض للعلاج والتزامه به، بالاضافة لتقليل نسبة الأخطاء الطبية التي قد تحدث عند صرف الأدوية.

بالمستقبل القريب، أصبح من الممكن أن نرى الطابعة ثلاثية الأبعاد بالحياة اليومية وفي كل مكان وزمان، وسيحدث وجودها في صيدليات المجتمع العامة قفزة ثورية ونقلة نوعية في عالم التصنيع الدوائي، بحيث بات من الممكن تصنيع الأشكال الصيدلانية المختلفة كالأقراص الدوائية مثلا بشكل محلي بالصيدلية، وذلك عن طريق الحصول على الوصفة الطبية من الشركة المنتجة بشكل فوري وخاصة بالمريض عينه، وذلك بواسطة رسالة الكترونية عبر الانترنت تحمل في طياتها كافة التفاصيل الصيدلانية والصناعية المطلوبة ليتم طباعة القرص الدوائي بشكل فعلي بالطابعة ثلاثية الأبعاد بداخل الصيدلية وصرفها للمريض من قبل الصيدلي المسؤول.

ختاما، وبعد اعطاء لمحة بسيطة جدا عن الطباعة ثلاثية الأبعاد، ستشكل هذه التقنية في المستقبل القريب – إن لم تكن قد بدأت الان فعليا - ثورة كبيرة على كافة المقاييس وفي مختلف مجالات الحياة والتي لا مجال لذكرها وحصرها، لما تحمله من معاني ايجابية وتأثيرات كبيرة على استخدامات الطاقة، والبناء، والوفرة الانتاجية، والصناعة، والاقتصاد، والتجارة، والفن، والهندسة، والطب، والصيدلة، وغيرها الكثير من علوم الحياة المختلفة.