الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في النفط وغضبة كارتينا وريتا - بقلم د. عادل سمارة

نشر بتاريخ: 02/10/2005 ( آخر تحديث: 02/10/2005 الساعة: 11:19 )
معا -وهكذا... فإن مليارات أطنان الماء التي قذفتها "كاترينا وريتا" على البيت الأبيض لم تزد اسعار النفط إلا اشتعالاً بدل ان تطفىء حرائق النفط؟ لا بل يكاد مزيج النفط والماء ودم الشعب العراقي ان تحرق سيد البيت الابيض.



توالي اسعار النفط ارتفاعها حتى قبل أن تخرج "كاترينا وريتا" عن طورهما وتنقضان باسم المرأة الاميركية على نظام الحكم الاميركي الذي يستغل النساء بالاعمق ويزعم تحرير المرأة. وإلا، فلماذا تسمية الاعصار باسماء النساء قبل إضافة بعض أسماء الرجال؟ أليس الرجال أحرى بذلك؟


لكي تضمن الطبقة الاميركية الحاكمة نفطا يسيل كالسلسبيل، كان لا بد لها من إهداء حنجرة كل طفل عراقي قنبلة، كان لا بد لصدام حسين أن يُقتل أو يُعتقل كما كان للصاحب بن عباد في الاندلس الذي رفض موالاة فرديناند وإيزابيللا وآل الى السجن وقد يؤول صدام حسين الى الاعدام او الغدر به.


فهل يعني تزايد ارتفاع أسعار النفط وجوب احتلال كافة مناطق الانتاج النفطي في العالم وأغلبها عربية؟ أم ان هذا السؤال ليس اقتصادياً؟ بمعنى ان نفط العرب باستثناء العراق هو تحت الاحتلال غير المكلف.



نعم، هو هكذا! فمنذ الطفرة النفطية الاولى عام 1973 ونظام العائلة المالكة في السعودية وورائها بقية بلدان النفط في الجزيرة العربية يلعبوا دور المنتج المرجح، اي الذي يزيد ضخ النفط كلما ارتفعت الاسعار كي لا يحدث إضطراب في النظام الاقتصادي العالمي. هذا وكأن هذه الانظمة العربية هي التي تقف او تجلس على قمة هذا النظام!


إذن ما العمل، وقد أغلقت ريتا "إعصار ريتا" 99 بالمئة من آبار النفط الاميركية في تكساس "التي هي ارض مكسيكسة محتلة". هل السعودية مجهزة لانتاج فائض بسرعة توازي قدرة ريتا على قطع الامدادات النفطية؟ بالطبع لا. لا شك ان امراء النفط سيشعرون بالحرج حيث لا يلبون رغبة سيدهم وقد احتاجهم فجأة، لعن الله "ريتا" كم أحرجت من العباءات والكوفيات!


منذ اشهر وبوادر او مقدمات ازمة اقتصادية تلوح في دول المركز شبيهة بالتي اجتاحتها في الثلاثين سنة الاخيرة. ولكي يقوم "أطباء" الاقتصاد بدورهم الكلاسيكي فقد نشروا اقوالا تطمينية مفادها ما يلي:"إن اقتصادات المركز قد ارتطمت مؤخرا في القاع وبالتالي، فإن هذا الارتطام لا بد ان يعقبه تعافٍ اقتصادي". لكن هذا ليس شرطا ولا مقياسا موثوقاً. بل ان المؤشرات المطروحة تشير الى العكس. وتأتي هذه التوقعات في الحقيقة من نفس الاقتصاديين الذين ثبت خطأهم في السنوات العشر المنصرمة فيما يخص صدمة سوق الاسهم التي امتدت منذ نهاية التسعينات وحتى أوائل العام 2000.


أما اليوم، فإن الطبيعة، باسم النساء (كاترينا وريتا) تضرب هذه التوقعات او التطمينات ضربة أُرغم الاقتصاديين هذه الايام على القول بأن ارتفاع اسعار النفط قد تؤدي الى ضرب النمو الاقتصادي العالمي.


وقد يكون من الإثارة بمكان، ان النمو الاقتصادي العالمي المقصود في هذه الفترة هو النمو في الصين والهند وجنوب شرق آسيا (التي تتعافى) من العلقة الاقتصادية التي اذاقتها إياها اميركا واوربا عام 1997.


فهل المسألة إذن قلق على النمو الاقتصادي العالمي، أم ان ضرب هذا النمو هو أحد أهداف المركز الرأسمالي العالمي، وليس شرطا ان يرتهن الأمر بغضبة "كاترينا وريتا" طبعاً ريتا هذه- والحديث موجه للفلسطينيين- ليست التي قال فيها محمود درويش: "ريتا احبيني وموتي في اثينا".


ربما لا. فالارتفاع الحاد في اسعار النفط حتى قبل هذه الضربات الطبيعية اثر ولا شك على الدول التي تمثل النمو الرئيسي في الاقتصاد الدولي، طالما دول المركز في تثاقل. وربما كان هذا الارتفاع مقصود به ضرب نمو هذه الدول التي تشكل الآن قطار دفع الاقتصاد العالمي الى الامام، وهو الأمر الذي يقلق المركز الراسمالي العالمي.


فطالما ان الولايات المتحدة تحديدا هي أكبر مالك ومقاول نفطي في العالم، أكبر مالك لأنها تملك نفط العراق ونفطها، وأكبر مقاول لأنها تتحكم بكل نفط العرب وكولمبيا وبحر قزوين وشفتاها الشرهتين تتلمظان على نفط فنزويللا، لماذا لا تكون اذن وراء هذا الارتفاع الحاد في اسعار النفط؟


ما يردده الاعلام هو ان المقاومة في العراق تؤثر الى درجة كبيرة على تدفق النفط العراقي. ولكن من يدري! هل بلغت المقاومة درجة قطع النفط حقا، أم ان 135 الف جندي احتلال أميركي هم هناك لتأمين ضخ النفط وليس لحراسة الطالباني والجعفري ؟ وقد يكون نهب النفط هو ما يبرر للطبقة الحاكمة الاميركية البقاء في العراق، وليس "الأمل" لاحقاً بنهب النفط. وعليه، لا تكون الولايات المتحدة متضررة حقاً من ارتفاع اسعار النفط، بل قد تكون المستفيد الأول من ذلك. وطالما ان الولايات المتحدة تنهب نفط العراق حتى تحت ضربات المقاومة، فلا يهمها قتل جنودها هناك، فما بالك بقتل جنود الجيش العراقي العميل؟ بعبارة أخرى، ربما ان مشروع احتلال العراق لم يصبح بعد خاسر اقتصادياً، وربما تكون كل مزاعم مساهمة احتلال العراق في العجز الاميركي عارية عن الصحة.


وبعد، فلكثرة ما تفتق ذهن الرأسمالية العالمية عن خطط إجرامية استغلالية ودموية، لا نستبعد تشكيل أمم متحدة للنفط. دائرة للتحكم بنفط العالم على طريقة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اي يرأسها أميركي ومساعده أوروبي، وبقية دول العالم حضور ديكوري وتكميلي.


ألم يحاجج ساسة واقتصاديو المركز منذ عشرات السنين بأن النفط ليس سلعة عربية، يل سلعة عالمية، ولذا، يجب ان لا تتحكم به الدول المنتجة. كان هذا لتطويق أوبك قبل تطويعها.



أم هل اللعبة النفطية ابعد من كل هذا؟ فحتى لو لم تكن الولايات المتحدة هي المتحكمة بنفط العرب وغيره، فإن عائدات هذا النفط المرتفعة سوف تتدفق ثانية على المركز الرأسمالي، وبالتالي سوف تقود إلى تأزيم الاقتصادات ذات النمو الموسع اليوم والى نمو في المركز يسحب معه بقية اقتصاد العالم. وكأن هذا تكرار لما حصل في طفرتي النفط 1973 و 1978، والتي حُسبت سلبياتها على العرب الذين أُتهموا بنهب فلوس الامم الفقيرة كثمن للنفط، بينما ذهبت ايجابياتها للطبقة الرأسمالية الحاكمة في الغرب؟