السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

شيطان اريحا- صائب عريقات مفاوض بارع في زمن الانحطاط العربي

نشر بتاريخ: 12/10/2005 ( آخر تحديث: 12/10/2005 الساعة: 15:19 )
معا - وفي حقيقة الأمر ان مصطلح "شيطان أريحا" هو العبارة التي كان يستخدمها الرئيس الراحل ياسر عرفات في ممازحة كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات, في اشارة الى قدراته العالية على المناورة واتقان أصول اللعبة السياسية "والشيطنة" هنا بمعنى القدرة على الخروج بحلول ومواقف يعجز عنها "الشياطين" من أجل قضية فلسطين.

ولكن وفي طباعه الشخصية يبدو صائب عريقلت "رحمن أريحا" فهو مثقف ومتواضع وصاحب فطنة ودماثة اخلاق وحسن فكاهة.

يقول عنه مؤيدوه أنه المفاوض الذي وثق به ياسر عرفات في أشد لحظات الحصار, وهو الذي أمسك بيده على فراش الموت وقال له: "أوصيك بالقدس أمانة في عنقك يا صائب" فبكى صائب من ثقل المهمة ومن ثقة الزعيم الراحل.
حصل على الدكتوراة الفخرية من مجلس التعليم الاعلى في الاكوادور وعلى جائزة جان والتش للسلام من نيويورك؟

وفي لقائنا معه يؤكد عريقات الحادثة ويقول " أمسك أبو عمار بطرف وجهي وهو لا يكاد يرفع يده وقال: لا تخاف يا صائب أنا حارجع" ولكن صائب لم يتحمل اللحظة فانهار يبكي أمامه مثل طفل أمام والده.

صائب عريقات "أبو علي" مواليد عام 1955 مدينة القدس ويعيش في منزل ورثه عن والده في مدينة أريحا, تخرج من جامعة سان فرانسيسكو عام 1979 وأنهى الدراسات العليا في جامعة برادفورد في انجلترا عام 1983 وعمل محاضراً للعلوم السياسية في جامعة النجاح بينما تولى كتابة الموقف السياسي لمنظمة التحرير في الصحف المحلية بشكل غير معلن.

ومن الكتابة في الصحف الى عضوية بيت الشرق مع الراحل فيصل الحسيني الى مؤتمر مدريد مع الدكتور حيدر عبد الشافي الى مفاوضات واشنطن مع د. حنان عشراوي وصل الى تونس ليصبح من القيادات المقربة والموثوقة عند الرئيس الراحل ياسر عرفات.

في مؤتمر مدريد بداية التسعينات ظهر عريقات على شاشات التلفزة امام العالم وهو يضع الكوفية الفلسطينية على كتفيه فثارت ثائرة رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق شامير حينها وكشف للأوساط السياسية مدى قدراته الفنية على الامساك بناحية الاعلام واستغلال كل لحظة بث لصالح القضية الفلسطينية فزاد هذا من خصومه وزاد من خبرته التي تعمقت يوماً بعد يوم, فقد تمكن عريقات من تشكيل منتج ثقافي جديد في المجتمع الفلسطيني - بل والعربي - يدعى منتج التفاوض مع اسرائيل.

ورغم أن المنطقة برمتها تعيش عصر الانحطاط لصالح الصهيونية الا أنه وعبر سنوات من الثقافة العالية والادراك المتميّز, خلق اعترافاً بضرورة مبدأ التفاوض أصلاً والذي لايزال ينكره العديدون, ويعتبرونه مثلبة في وجه السلطة وخطيئة ثقافية بحد ذاته.

ثم رويدا رويدا اخذ التفاوض شرعيته من الشارع, واصبح التفاوض العلني وامام الفضائيات هو الامين الشرعي البديل لحالة الزنا الثقافي المتمثلة في فتح القنوات السرية مع تل ابيب, وتجلى ذلك عند حصار الزعيم الفلسطيني الراحل عرفات وفي اكثر من حالة, حيث اصبح د. صائب عريقات هو القناة الوحيدة الشرعية للتفاوض مع حكومة شارون مما خلق اصطفافآ وراءه ضد الذين كانوا يفتحون القنوات السرية مع تل ابيب.

صائب عريقات وفي لقاء لوكالة معا يقول" كل انسان بطبيعته مفاوض واي رجل ينهض من النوم صباحآ يقول كلمة صباح الخير بطريقة مختلفة وكل طريقة تحمل في طياتها ايحاءات ورسائل ضمنية" ثم يقول " التفاوض هو علم العلوم لانه يستخدم علم النفس والرياضيات والبيولوجيا وكل علم لمصلحة التفاوض" ويضيف :" لقد اشرفت على تأسيس دائرة شؤون المفاوضات في السلطة الفلسطينية وهي مكونة من 42 فلسطينية وفلسطينيين من كل ارجاء العالم حتى ان يفهم ان لا يتحدث اللغة الحربية" وفي اطار لقاء متلفز استمر اكثر من ساعة بثته وكالة معا الاخبارية على الهواء , تحدث د.صائب لاول مرة عن اسرار المفاوضات مع اسرائيل فقال: اهم شئ ان لا يكون للمفاوض مصالح شخصية وان لا يستغل " فرصة الالتقاء " بالاسرائيليين ليطلب ادخال 200 كمبيوتر من دون جمرك او 20 سيارة فهذا يعطي المفاوض الاسرائيلي الفرصة ليتفوق عليه ويهزمه سياسيآ.

ومن القضايا التي يكشفها عريقات لاول مرة انه يلتقي الوزير الاسرائيلي وزعيم حزب العمل شمعون بيريس مرة كل شهر دون انقطاع.

ويقول : المفاوض يمكن ان لا يقول كل الحقيقة, لكنه ممنوع من الكذب, لا امام خصومه ولا شعبه ولا امام قيادته.

وعن كيفية الجلوس مع المفاوض الاسرائيلي قال ان المقاعد تكون بشكل متقابل كما ان تدخين السجائر ممكن - هو لا يدخن- واما الهواتف الخلوية فتبقى خارج غرفة المفاوضات مع امكانية ان يلقى احد المفاوضين عبارة ساخرة او نكتة بين الحين والآخر لكسر الروتين علما ان اللغة الانجليزية هي لغة التفاوض.

ثم شرح بأن المفاوض ليس صانع قرار ولا زعيم ولا قائد وانما يتلقى التعليمات وينقل الاجابات للقيادة السياسية, وهو يحذر من ما اطلق عليه( الشعوب السياسية) وردآ على اتهامات خصومه بأنه يفشل دائما في انجاح المفاوضات فيما ينجح مفاوضو القنوات السرية مثل خالد سلام واحمد قريع ومحمد دحلان رد بالقول" هؤلاء اخوتي وانا لا يزعجني ابدآ وجود قنوات سرية للتفاوض دون علمي بذلك, فالغاية هي الاهم, ويرفض فكرة ان إسرائيل تتعمد افشاله ويقول انا ساهمت في العديد من النجاحات مثل واي ريفر, بلانتيشن, وشرم الشيخ, وتفاهمات طابا وغيرها.

وينهي كلامه بالقول" ان كل مسؤول فلسطيني أمني او سياسي إستغل منصبه لنهب الشعب ومقدراته لن ينجو بفعلته ان آجلآ ام عاجلآ واذا لم يدفع هو ثمن فعلته فعليه ان يعلم ان أولاد أولاده سيدفعون الثمن".