السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا الهمس الخجول حول أهمية الرمز في العمل السياسي - بقلم الباحث - اكرم عطا الله العيسة

نشر بتاريخ: 19/10/2005 ( آخر تحديث: 19/10/2005 الساعة: 10:36 )
معا- يعتقد البعض أن الترميز في العمل السياسي هو من الخصائص التي تميز دول العالم الثالث, وانه من سمات الدكتاتورية السياسية, مما لاشك فيه انه ربما يكون أكثر تأثيرا وأيضا أكثر ضرورة في دول العالم الثالث مقارنة مع غيرها, علما انه ظاهرة واضحة العيان في العمل السياسي والانتخابي وخلق الائتلافات وتحشيد مراكز القوى في كل الديمقراطيات الغربية, رغم بعدها عن العشائرية بمعناها الشرق أوسطي, وجذورها الديمقراطية العميقة من حيث التجربة و الممارسة بغض النظر رضينا بذلك أم لم نرضى.

لكن الفرق الحقيقي بين ظاهرة قيادة الفرد ورمزيته في الدول الغربية إجمالا مقارنة بدول العالم الثالث هو تقديس الفرد, فبينما يتم تحويل الأفراد إلى رموز وقادة سياسيين في سبيل خدمة توجهات الحزب السياسي وبناء الرمزية على قاعدة المشاركة في الكثير من الديمقراطيات العريقة, يكون العكس تماما في الكثير من الدول النامية بحيث يتم تحويل كل الحزب السياسي في خدمة القائد الرمز, وبلا ادنى شك فان الفرق كبير وهائل لأن تبعاته كثيرة خاصة بما يخلقه من شيوع للمحاباة والتزلف, وتوريث للسلطة, وفساد وإفساد.

لكننا لا نستطيع إلغاء الرمزية وتأثيراتها السلبية بمجرد الحديث عنها أو مناقشتها كموضوع, فهي نتاج للعديد من المتغيرات البنيوية في داخل المجتمع وحجم تجربته الديمقراطية والحرية السياسية والاقتصادية والفكرية التي يتمتع بها. أما مثالنا الفلسطيني فلا شك انه غريب ومتميز إذا ما تم مقارنته ليس فقط بالمحيط العربي والشرق أوسطي بل مقارنة بالكثير من المناطق الأخرى في العالم, لسنا دولة بما تعنيه الكلمة من دلالات, ولم ننهي حالة الصراع, أصحاب تجربة مميزة في ديمقراطية العمل المؤسساتي, مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني صاحبة تجربة وتأثير أكثر مما هو الحال في الكثير من دول المحيط العربي, ان هذا المزيج الغريب وفر العديد من عوامل القوة, وأبرزنا كتجربة فريدة, ولكن مقابل ذلك فيه الكثير من عوامل الضعف الناتجة بالأساس عن الاحتلال وتأثيره اليومي على سياق حياتنا اليومي بكل ما يحتويه من تفصيلات.

في سياق الحديث عن أهمية الرموز السياسية القائدة بين العديد من المثقفين الفلسطينيين وعلى مختلف مشاربهم السياسية, فالعديد منهم يستذكر فقط, تلك الأمثلة الأكثر صلة بالديكتاتورية والإلوهية كأن يستذكروا بعض القادة السياسيين على مستوى الدول أو على مستوى التنظيمات السياسية والذين التصقوا بمقاعدهم لفترات زمنية طويلة لا تتناسب مع الأسس الديمقراطية البسيطة التي يجب أن تبنى على قاعدة الانتخاب والتطوير والشراكة في العمل السياسي, ولكن لماذا لا نأخذ بمثال الكثير من تلك الشخصيات المشعة على الصعيد العالمي وحتى العربي, فتمثال سعد زغلول مازال قائما ولم يتم تحطيمه, وشارل ديغول مازال مثالا يحتذي به, أما مانديلا فقد أصبح نموذجا امميا يكاد يكون الأبرز في القرن العشرين. ومهاتير محمد القائد الماليزي والذي على الرغم من حب جماهيره العظيم له لما حققه من انجازات اقتصادية عملاقة إلا انه استقال ليكون مثالا حقيقيا على أن بعض دول أسيا تستطيع أن تبرز أمثلة ديمقراطية ذات دلالات جديدة. إن هذه النماذج من القادة, قادت شعوبا وساهمت في تحررها السياسي و الاقتصادي, وهي تلك التي أحبتها جماهيرها ولم ترهبها, وهي أيضا التي نشرت التنوير والشفافية وليس الفساد والمحسوبية.

من هنا تأتي أهمية الرمز القائد في العمل السياسي والحزبي والانتخابي في مجتمعنا الفلسطيني, فتجربة الصراع والتناقض مع الاحتلال وضده ولدت لدينا تراثية التعددية السياسية والحزبية والاجتماعية, أما أن نستذكر فقط بعض الشطط الذي أصابنا ولفترة طويلة دون أن نكون قادرين على إحداث التغيير فهذا ما لن تسامحنا عليه الأجيال القادمة.

وبالتالي ما هي مبررات التخوف من ظهور رموز جديدة لتقود المجتمع الفلسطيني, وتحرك فعله وتأثيره طالما انها ناتجة ونابعة من رغبة الشعب الفلسطيني وليست وليدة مؤسسات صنع الأفراد (القادة), قبل اقل من أسبوع صدر عن برنامج سياسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت نتائج لأحد استطلاعات الرأي والتي يمكن ان نستنير بها, وقبلها أيضا بفترة وجيزة استطلاع أخر من جامعة النجاح, لست هنا بصدد نقاش كل ما ورد في تلك الاستطلاعات وأيضا لا أميل إلى الأخذ بمنطق المؤامرة في التعاطي مع نتائج مثل هذه الاستطلاعات, لكنني أقول وبكل شفافية ووضوح أننا نستطيع اخذ الكثير من العبر, وان لا نكتفي بالهمس الخجول, أو الخوف غير المبرر على المصالح والامتيازات, لان العمل السياسي بحاجة للقائد الرمز الذي يؤمن بان العمل الناجح لا بد أن يبنى على قاعدة الشراكة.

وان دور الفرد في التاريخ كان دوما أساسيا, وان الفرد القائد قد يكون نعمة وليس نقمة. ولماذا لا نسرع في ذلك بدلا من حالة التيه والانفلات التي نعيشها, فالولادة القيصرية تنتج الكثير من الأطفال المبدعين, وحمل السبعة شهور أيضا أنتج الكثير من العباقرة والمبدعين, وليس في العجلة الندامة لأننا بحاجة إلى سباق مع الزمن.