الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحكم المحلي واللامركزية في تقديم الخدمات

نشر بتاريخ: 14/12/2019 ( آخر تحديث: 14/12/2019 الساعة: 13:21 )

الكاتب: سامر سلامه

تلعب مؤسسات الحكم المحلي من بلديات ومجالس قروية دورا محوريا في حياة المجتمعات المتحضرة. إذ تعطى هذه المؤسسات في كثير من الدول على إختلاف أنظمتها السياسية والإدارية دورا كبيرا في تقديم الخدمات الرئيسية للسكان. ومن هذه الخدمات التعليم والأمن والخدمات الصحية والأنشطة الثقافية وغيرها بالإضافة إلى الأعمال التقليدية المتعلقة بالتخطيط الحضري وتزويد السكان بالكهرباء والماء والنظافة وغيرها من الأعمال التي تمس الحياة اليومية للمواطنين. ومقابل تقديم تلك الخدمات فإن مؤسسات الحكم المحلي تمتلك الحق في جباية عدة أنواع من الضرائب مثل ضريبة البلدية والتعليم والصحة وغيرها من الضرائب التي تفرضها البلدية على السكان القاطنين ضمن حدود صلاحيات عملها. هذه الضرائب بالإضافة إلى الرسوم التي تفرض على تقديم بعض الخدمات من شأنها أن تشكل المصدر المالي الرئيسي والأساسي للبلدية حتى تتمكن من تقديم خدماتها للسكان القاطنين ضمن حدودها. وإننا نلاحظ دائما أن البلديات التي يلتزم مواطنوها بدفع ما عليهم من ضرائب ورسوم، فإن ذلك يساعد البلدية على تقديم أفضل الخدمات التي من شأنها أن تنعكس على رفاهية السكان ونوعية الخدمات التي يحصلون عليها من البلدية. هذا الشكل من الحكم المحلي يعزز اللامركزية في تقديم الخدمات ويعزز من دور البلديات والمجالس القروية وتمكينها من تقديم خدماتها لمواطنيها بشكل كبير وفعال. وفي المقابل فإن الحكومة المركزية تتفرغ للعمل على القضايا السياسية والسياساتية الكبيرة التي من شأنها أيضا أن تنعكس بشكل إيجابي على المواطنين. فهل يمكن تطبيق هذا النموذج في فلسطين؟
إنني أعتقد أن الإنتقال التدريجي من مركزية تقديم الخدمات إلى اللامركزية في تقديمها سيعزز من دور كلا الحكومتين المحلية والمركزية على حد سواء. فإن تطبيق اللامركزية في تقديم الخدمات سيرتقي ببلدياتنا ومجالسنا القروية من مؤسسات تقدم خدمات بسيطة إلى مؤسسات شريكة في عملية التنمية. فإن إعطاء الفرصة أو الصلاحية لمؤسسات الحكم المحلي على تقديم خدمات إضافية على مستوى البلدية مثل التعليم والصحة والثقافة بالإضافة إلى التخطيط الحضري وتوزيع الماء والكهرباء وضبط الأمن والبيئة وغيرها من الخدمات فإن ذلك سيزيد من فرص العمل على المستوى المحلي وسيعزز الإنتاج والنمو الإقتصادي. هذا الإنعكاس الإيجابي مربوط بشكل وثيق بتمكين مؤسسات الحكم المحلي على جباية بعض أنواع الضرائب مثل ضريبة الأملاك وفرض رسوم وإن كانت بسيطة على بعض الخدمات التي تقدمها مثل رسوم تراخيص البناء والعلاج والتعليم وغيرها لضمان إستمرار التدفقات النقدية لصناديق تلك المؤسسات التي من شأنها ستساعد بشكل كبير على نوعية تقديم الخدمات. ومن جانب آخر فإن إلتزام السكان بدفع مستحقاتهم على الخدمات التي يحصلون عليها تعتبر حجز الزاوية لنجاح هذا النموذج اللامركزي في تقديم الخدمات المختلفة.
إن الموضوع لا يقتصر على إعطاء الفرصة لمؤسسات الحكم المحلي على تقديم الخدمات الإضافية من ناحية وجباية الضرائب من الناحية الأخرى بل يتطلب هذا النظام تعزيز وتطبيق مفاهيم الحكم الرشيد وفرض مباديء النزاهة والشفافية وتمكين السكان من مسائلة رئيس وأعضاء المجلس البلدي أو القروي على جميع ما يقدموه أو يفعلوه تحت طائل المسائلة القانونية لضمان إلتزام كافة الهيئات بتلك المباديء. أضف إلى ذلك تعزيز وتطبيق مباديء الديمقراطية في الحكم المحلي من خلال ضمان دورية وشفافية ونزاهة وحرية الإنتخابات على المستوى المحلي وإعطاء الفرص المتكافئة لكافة أطياف المجتمع للمشاركة في العملية الديمقراطية لإختيار من يمثلهم في المجالس البلدية والقروية وتعزيز دور الشباب والنساء في الحكم المحلي من خلال القانون.
والسؤال المطروح هنا هل فعلا تستطيع تجمعاتنا السكانية الحالية من الإضطلاع بهذا الدور الكبير وخاصة التجمعات الصغيرة منها؟ إنني أعتقد أن أي من قرانا وتجمعاتنا السكانية الصغيرة والمتوسطة ستكون قادرة على الإضطلاع بهذا الدور وتقديم خدمات فعالة للسكان وخاصة في ظل ضعف وصغر حجم الموارد المالية التي يمكن لتلك التجمعات الحصول عليها. لذلك فإن المطلوب أولا دمج القرى والتجمعات السكانية الصغيرة في إطار منطقة جغرافية متقاربة وتشكيل بلدية موحدة لتلك التجمعات. ومن ثم يتم العمل مع تلك البلديات الناشئة على تطوير أنظمتها الإدارية والمالية ومساعدتها على تعزيز بنيتها المؤسسية الإدارية والمالية وبناء قدراتها لتمكينها من إدارة مواردها المالية بفعالية أولا ومن ثم تمكينها من تقديم الخدمات المطلوبة للسكان. فإن بقاء تجمعاتنا السكنية وخاصة الريفية منها على حالها فإنها لن تتمكن أبدا من النهوض والتطور وتقديم الخدمات النوعية للسكان وسيبقى العبيء دائما على الحكومة المركزية أو البلديات الكبيرة.
وفي المقابل ماذا تستفيد الحكومة المركزية من لامركزة الخدمات وإعطائها لمؤسسات الحكم المحلي؟ إن تقديم الخدمات على المستوى المحلي سيعزز من دور مؤسسات الحكم المحلي وسيزيد من تفاعل المجتمع معها بإعتبارهم جزء أصيل من تلك المؤسسات الأمر الذي سيعزز التنافسية في تقديم الخدمات وبالتالي حصول السكان على خدمات متميزية الأمر الذي سيخفف الأعباء المالية والتنفيذية على الحكومة المركزية وتركيز نشاطها في القضايا الوطنية الكبيرة مثل تطوير الأنظمة الصحية وأنظمة التعليم وضمان الأمن القومي وتعزيز الإقتصاد وغيرها من القضايا الوطنية الكبيرة وإعطاء فرصة تقديم الخدمات اليومية لمؤسسات الحكم المحلي.
إن هذا النموذج من تقديم الخدمات على المستوى المحلي سيكون له إنعكاساته الإيجابية على تعزيز مباديء النزاهة والشفافية والرقابة المجتمعية على تقديم الخدمات أضف إلى ذلك تعزيز التنمية المحلية وخلق فرص عمل على المستوى المحلي وتخفيف الأعباء المالية عن الحكومة المركزية.