الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عن المقاومة الشعبية

نشر بتاريخ: 22/01/2020 ( آخر تحديث: 23/01/2020 الساعة: 00:18 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية


يواجه الشعب الفلسطيني تحديات غير مسبوقة تستهدف تصفية وجوده، و مستقبله، وحقه في تقرير المصير،
ولا يحتاج المرء أن يكون خبيرا سياسيا، أو قياديا، لكي يدرك أن ما يقوم به حكام إسرائيل هو عملية خطيرة مكونة من مرحلتين.
الأولى :ضم وتهويد الضفة الغربية بالمصادرة، والاستيطان، والجدار، وتقطيع الأوصال، وأخيرا بمحميات نفتالي بنيت غير الطبيعية، وما يجري هو تكرار حرفي لما فعلته إسرائيل بأراضي 1948.
أما المرحلة الثانية فهي محاولة ترحيل الشعب الفلسطيني من خلال القمع، والتضييق عليه اقتصاديا، واجتماعيا، وإنسانيا، وسياسيا.
لا يوجد ما هو أفضل من ثلاث وسائل لإفشال هذا المخطط.
تعزيز الصمود و البقاء على الأرض ، وقد تناولنا ذلك في مقال سابق.
و المقاومة الشعبية الواسعة والفعالة .
واستنهاض أوسع حملة للمقاطعة وفرض العقوبات على منظومة الأبرتهايد التي أنشأها حكام إسرائيل.

و يهدف هذا المقال إلى توضيح بعض الأساسيات وتبديد بعض سوء الفهم الذي نصادفه أحيانا حول المقاومة الشعبية، التي كان من أفضل نماذجها الإنتفاضة الأولى، وسفن كسر الحصارعلى غزة، وقرى المقاومة الشعبية، وهبة الأقصى، ومسيرات العودة و كسر الحصار.

أولا - المقاومة الشعبية لا تنفي ولا تتعارض مع اشكال المقاومة المشروعة الاخرى التي إستخدمت سابقا، والتي يقرها القانون الدولي والانساني، بما فيها المقاومة المسلحة، ما دامت تحترم وتلتزم بالقانون الإنساني الدولي.

ثانيا - إن تجربة الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي أثبتت أن أكثر اشكال المقاومة تأثيراً هي المقاومة الشعبية، وأبرز نموذج لذلك كانت الانتفاضة الأولى التي ضاع القسم الأكبر من نتائجها بعد اتفاق أوسلو.

ثالثا - المقاومة الشعبية لا تصل الى مرحلة النضوج إلا بإشراك فئات شعبية واسعة فيها، ولذلك تسمى شعبية. واذا كان من الممكن القبول في بعض المراحل الأولية بنشاطات تشارك فيها أعداد محدودة، فلا يمكن ان توصف المقاومة بصفة الشعبية ان اقتصرت على عدد قليل من النشطاء، الذين يتنقلون من موقع الى اخر، مصطحبين بعض المتضامنين معهم أحيانا، و بدون ان ينجحوا في إشراك فئات أوسع بما في ذلك أهل قريتهم نفسها للمشاركة في النشاط.

رابعا - المقاومة الشعبية ليست ولا يجب أن تكون مؤسسة رسمية تعتمد على التوظيف للنشطاء، ولا يمكن ان تكون منظمة غير حكومية تعتمد على التمويل الخارجي – بل جوهرها هو المشاركة التطوعية والمساهمة الطوعية. وهي ليست احتكاراً او حكراً على مجموعة او مجموعات، بل حركة مفتوحة للمساهمات الشعبية المتنوعة على اشكالها.

خامسا- ان جوهر المقاومة الشعبية يتمثل في مبادئ تجسدت في الانتفاضة الأولى، وهي تنظيم النفس، والاعتماد على النفس، وتحدي إجراءات الخصم والتمرد عليها، أي تحدي الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري وقوانينه. وأسلوبها الرئيسي خلق حالة "الحيرة" لدى الخصم، اي جعله يخسر ان تصدى لفعل او نشاط المقاومة الشعبية، ويخسر ان سمح له بالنجاح. أي وضع الخصم في وضع مشابه للخاسر عند حلول لحظة (كش ملك) في لعبة الشطرنج، فهو خاسر ان لم يتحرك وخاسر ان تحرك في أي اتجاه.

وليس ذلك سهلاً دائماً، كما أنه ليس ناجحا بالكامل دوما، ولذلك فإن نجاح فعل المقاومة الشعبية مثل كثير من الافعال يعتمد:

1) على حسن التخطيط للحدث.
2) على الإمساك بزمام المبادرة والانضباط في التنفيذ.
3) على القدرة على التحكم بكافة مراحل النشاط. التحكم في لحظة البدء والتحكم خلال النشاط واهم شيء التحكم بلحظة انتهائه.
إن أهم هدف للخصم سيكون دفع المشاركين للخروج عن خطتهم وانتزاع زمام المبادرة منهم، وإن نجح في ذلك سيلغي مفعول النشاط لأن حالة " الحيرة " لن تتحقق.
ولا بد هنا من ترسخ القناعة بان معيار القوة هو تحقيق الهدف من النشاط، وليس الاستعراض الكلامي او الجسدي.
كما ان الوجود الإعلامي مهم لحماية النشاط ولردع الخصم من استخدام العنف المفرط، ولإحداث التأثير الشعبي المحلي والعالمي.

4) ان قوة المقاومة الشعبية تعتمد على قدرتها على التنظيم والابتكار والتجديد والابداع، وكذلك في قدرتها على المرونة في التعامل مع الظروف المتغيرة.

وللحديث بقية.