الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تصعيد اسرائيلي ضد طهران ومحورها

نشر بتاريخ: 12/11/2019 ( آخر تحديث: 12/11/2019 الساعة: 13:44 )

الكاتب: راسم عبيدات

ما حدث من تصعيد اسرائيلي ضد قطاع غزة ودمشق وإستهداف قيادات حركة الجهاد الإسلامي بالإغتيال،يجعلنا متيقنين على ضوء تصريحات نتنياهو المتكررة ضد طهران ومحورها في المنطقة بان هذا التصعيد قادم لا محالة،وان نتنياهو بحاجة له داخلياً وخارجياً،وهذا ليس بمعزل عن التصعيد الخارجي الذي تشارك به امريكا والعديد من الدول الأوروبية الإستعمارية والعديد من المشيحات الخليجية العربية أيضاً،فعمليات إستغلال الحراكات الشعبية في كل من العراق ولبنان،التي تحركت فيها الجماهير الشعبية ضد طغم وطبقات الفساد وناهبي المال العام وهدره،بحيث يجري تعميق ازمتي البلدين الإقتصادية،لدفع الأمور نحو فتن وحروب مذهبية وطائفية،تقود الى تأليب الشارعين في هذين البلدين ضد حلفاء طهران " الحشد الشعبي" العراقي و"حزب الله اللبناني"،ناهيك عن الإستهداف المستمر لسوريا من اجل إطالة امد الأزمة السورية،ومنع استقرار سوريا وإستعادتها لدورها ومكانتها العربية،يضاف لذلك التصعيد السعودي ضد جماعة " انصار الله " الحوثيين" في اليمن.

إذاً هي حرب شاملة تشن على محور المقاومة،ونتنياهو يحتاج لهذه الحرب،حيث يعيش مأزقاً داخلياً يتمثل في عدم قدرته على تشكيل الحكومة برئاسته،وعدم القدرة للوصول مع حزب "أزرق أبيض" لتشكيل حكومة وحدة وطنية صهيوني مقلصة او موسعة برئاسته او بالتناوب مع غانيتس،وإطالة مدة عدم تشكيل الحكومة،يعني بأن موعد تقديم لائحة اتهام ضده يقترب،وبالتالي تصبح فرص تشكيله للحكومة ضئيلة،وهذا يعبد الطريق نحو محاكمته ويقرب من دخوله للسجن بتهم الفساد والرشوة وسوء الإئتمان،وبما يقضي على مستقبله السياسي.

نتنياهو اكثر من مرة كان يتحين الفرصة لشن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة،ولكن الأجهزة الأمنية والقيادة العسكرية وقوى المعارضة،كانت تحد من إندفاعات نتنياهو معللة ذلك،بأن نتنياهو يريد هذه الحرب لأهداف شخصية،وبعد تعذر فرص تشكيل الحكومة،وربما شعور نتنياهو بأن غانيتس قد ينجح بالتوافق مع ليبرمان في تشكيل حكومة جديدة،كان خياره التصعيد ضد طهران ومحورها وقلب الطاولة،فالتصعيد على قطاع غزة،قد يقود الى عملية عسكرية واسعة،وهنا يستطيع ان يبعد إلتفاف الحبل حول عنقه،وإخراجه من دائرة المنافسة على رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة،حيث في زمن الحرب سيلجا الى تشكيل حكومة طوارىء قد تمتد لمدة شهرين او ثلاثة،بالإعتماد على ما ستؤول إليه الأمور في التصعيد على قطاع غزة وفي المنطقة،وهذا رهن أيضاً بمدى وحجم وطبيعة ونوعية رد قوى المقاومة،والتصعيد الذي يقوم به نتنياهو،يستهدف بالأساس ايران التي بات واضحاً بانها بتخفيض التزامها بالإتفاق النووي ذاهبة نحو الترسخ كقوة إقليمية في المنطقة،ومتقدمة خطوات كبيرة على صعيد إمتلاك السلاح النووي، وهي لم تردعها العقوبات الأمريكية المتواصلة والمستمرة،بل هي تزداد قوة في المنطقة،وأصبحت تشكل تهديد وجودي على اسرائيل،فطائراتها المسيرة وشبكة منظومة صواريخها الدقيقة،يمكن ان تطلقها نحو اسرائيل من لبنان وغربي العراق ومن سوريا ومن اليمن.

نتنياهو يريد ان يخلط الأوراق،ويريد ان يخلق رأي عام معادٍ لطهران،وبما يشكل عامل ضغط قوي على الرئيس الأمريكي ترامب لشن حرب عدوانية على ايران،فنتنياهو غير مرتاح لسياسات الرئيس ترامب،الذي ضحى بالأكراد وجعلهم لقمة صائغة لأردوغان في سبيل مصالحه،وكذلك سحبه للقوات الأمريكية من شرق الفرات،يزيد من المخاطر التي تتعرض لها دولة الإحتلال.

حتى اللحظة ردود حركة الجهاد الإسلامي على عملية اغتيال قائدها الميداني بهاء ابو العطا،في الإطار الذي يمكن إستيعابه،ولكن كما يبدو،فإن الرد على جريمة اغتيال ابو العطا ومحاولة اغتيال القائد اكرم العجوري في دمشق،لم تأت بعد ،ويمكن ان يجري دراستها والتقرير بشأنها من خلال محور كامل،يخرج عن إطار حركة الجهاد اسلامي،" النشامى" المصريين هبوا سريعاً وأرسلوا وفداً أمنياً الى تل أبيب من أجل إحتواء الموقف،والذي عادة يأتي بعد تنفيذ اسرائيل لإعتداءاتها،فالنظام المصري كما قال نتنياهو بإنه معني بإستمرار اتفاقية السلام معه الى جانب الأردن،لأن هذا مهم وضروري لأمن اسرائيل ومصالحها.

النظام الرسمي العربي وصل الى درجة عالية من الإنهيار والتعفن،وهو ناظم ينخره الفساد،وه يعتقد بان حماية عروشه واستمرار نهبه لخيرات وثروات شعوبه،يتاتي من خلال " الإندلاق" التطبيعي العلني والرسمي على دولة الإحتلال،ولم تعد القضية الفلسطينية،تشكل جوهر اهتماماته واولوياته،بل يعتبر اسرائيل دولة "صديقة" لها الحق في الوجود والدفاع عن امنها،وهذا النظام ذهب الى ما هو أبعد من ذلك عبر تغيره لقواعد وأسس الصراع من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي- إسلامي مذهب ( سني- شيعي)،والتنسيق والتعاون والتحالف مع اسرائيل ضد ايران على اعتبار أنها العدو الذي يهدد امن وإستقرار دول النظام الرسمي العربي،كما تغرس واشنطن في أذهانهم.

الصراع الدائر الآن في المنطقة يتعدى الحروب العسكرية،فالمشروع الأمريكي وتوابعه في المنطقة يسير نحو التراجع والإنكفاء،ولكن واشنطن ومحورها لن يسلموا بإنتصار محور المقاومة،ولذلك نشهد تصعيد غير مسبوق في الحروب الإقتصادية والمالية ضد دول وحركات محور المقاومة لتحقيق ما عجزوا عن تحقيه في الحروب العسكرية.

رغم ان الحروب على طهران كما قال سماحة السيد على طهران قد تراجعت بنسبة كبيرة،ولكن هذا لا يعني بان التناقضات في المنطقة،قد لا تدفع نحو إنفجار الأوضاع عسكرياً لرسم سقوف التسويات السياسية،حيث نجد بأن امريكا ومحورها غير قادرين على دفع كلفة الحرب ولا كلفة التسويات السياسية،ولذلك الأوضاع قد تتجه نحو جولة تصعيد،تحسم وجهة المنطقة وخط سيرها وأشكال تحالفاتها الجديدة،فالعهد الأمريكي في المنطقة لم يعد المقرر واللاعب الرئيسي فيها،فالصين قادمة كقوة اقتصادية كبيرة،وكذلك روسيا كقوة عسكرية إستعادت دورها،وأصبحت اللاعب الرئيسي في المنطقة بدل واشنطن.

التصعيد الحاصل الآن في قطاع غزة،وإنتهاج الإحتلال لسياسة جديدة،بالعودة الى سياسة الإغتيالات ،يدفع بالأمور الى مرحلة جديدة في الصراع والمواجهة،فلا اعتقد بان قوى المقاومة ستستجيب الى نظام كامب ديفيد الذي يهرع بعد كل عملية اسرائيلية الى الضغط على قوى المقاومة بعدم الرد،فما حدث تطور نوعي،ومحاولة اسرائيلية لفرض معادلات جديدة في الصراع والمواجهة لا يمكن لقوى المقاومة القبول بها..ومن هنا فإنني أتوقع ان تتجه الأمور نحو تصعيد يطول ولا يتوقف عند يوم أو يومين أو أسبوع.