الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قانون الأحزاب السياسية ضرورة قانونية ووطنية لنظام التمثيل النسبي

نشر بتاريخ: 19/11/2019 ( آخر تحديث: 19/11/2019 الساعة: 18:57 )

الكاتب: د. أسامة دراج


لا خلاف أنَّ أي تجربة ديمقراطية لا تعيش من دون قانون للأحزاب، كما هو معمول به في عديدٍ من الدول المتقدمة، هذا القانون يعرّف بالأحزاب، وينّظم عملها، ويضمن بناءها على أسس ديمقراطية بعيداً عن سيطرة قادتها والمتنفذين داخلها، بما يضمن إعداد قوائمها الإنتخابية وَفقاً لإرادة أعضائها، عبر إنتخابات داخلية حرة نزيهة، كما يضبط مصادر تمويلها، ويراقب عملها، لإبقائها تحت المظلة الوطنية والقانونية، ويفرض الجزاءات على مخالفاتها، ويتابع مشروعيتها ضمن التشريعات الدستورية، تباعاً لذلك فإنّه يحّرم عليها أية علاقات بدول أخرى تمس المبادئ الوطنية، فضلاً عن وجوبية الإلتزام الحزبي بتلك المبادئ من خلال إقرارها ذلك في أنظمتها الداخلية، بعيداً عن أي مرجعيات أو أجندات أخرى.
في الحالة الفلسطينية كان الصراع قائماً دوماً بين سؤال الثورة أو الدولة، أما وأننا نقدم أنفسنا للعالم كدولة بشرعية دستورية، أصبح وجود قانون للأحزاب السياسية في هذه المرحلة ضرورة وطنية وقانونية فلسطينية لتأسيس الحياة السياسية، ضمن المبادئ التي رسمها القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات الدستورية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولمّا لم يتطرق القانون الأساسي الفلسطيني الذي يحكم السلطة الوطنية لموضوع الأحزاب السياسية سوى ما ورد في المادة (26) فقرة (1) التي نصت على (تشكيل الأحزاب السياسية والإنضمام إليها وفقا للقانون)، وكان ذلك في سياق حديثه عن الحقوق والحريات، فلعل الحل الأكثر سلاسة ومعقولية يكون عبر إصدار قانون مؤقت للأحزاب السياسية، ضمن الآليات الدستورية وفقاً لأحكام المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني يلبي هذا الغرض، ويمكن العمل به لحين صدور الدستور الفلسطيني، خصوصاً وأنّ شعبنا على أبواب إنتخابات تشريعة ينتوي من خلالها إعادة الحياة الدستورية الفلسطينية إلى طبيعتها، وعليه يصبح تنظيم الأحزاب السياسية، وضبط مصادر تمويلها بحاجة لقانون حديث ناظم متلائم مع طبيعة النظام الإنتخابي الساري، وهو ما سيحقق في الوقت عينه عدالة أكبر في المنافسة الإنتخابية بين الأحزاب نفسها، وبين الأحزاب والمستقلين في الوقت عينه، ويشكل متطلباً من متطلبات الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وبالرجوع إلى القرار رقم (1) لسنة (1994م) الذي يقضي بسريان التشريعات التي كانت سارية في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل (5) حزيران عام (1967م) فإنّ قانون الأحزاب الأردني رقم (15) لسنة (1955م) الساري في الضفة الغربية وغير الساري في قطاع غزة، أقل ما يقال عنه أنه قانون قديم لا يتناسب مع طبيعة المرحلة أو النظام الإنتخابي الفلسطيني، فنظام الإنتخاب بالتمثيل النسبي يعكس قوة التمثيل الحقيقي للأحزاب السياسية في المعركة الإنتخابية، ويعمل على ردم الهوة بين نسبة الأصوات التي تفوز بها الأحزاب السياسية على الصعيد الوطني وعدد المقاعد التي تحصل عليها في المجلس التشريعي، بعيداً عن نظام الإنتخاب السابق، المتمثل في نظام الأغلبية والذي يتسم بالأصوات المهدورة، ولا يعكس التمثيل الحقيقي لهيئة الناخبين والوزن الإنتخابي للأحزاب السياسية، إضافة إلى أن خطورة المرحلة التي يمر بها شعبنا تستلزم تنظيماً تشريعياً دقيقاً لموضوع الأحزاب السياسية، فالعلاقة وثيقة بينهما، ولعل "التمويل" أخطر الأمور حساسية في فلسطين، نظراً للتدخلات الإقليمية والدولية، سواء مالية الحزب، أو تمويل الحملات الانتخابية. إن التمويل كما هو واضح في فلسطين لا قانون ينظمه بشكل دقيق أو يحيط بكافة جوانبه، ولا نص يحددّه سوى ما ورد في المادة (68) من القرار بقانون رقم (1) لسنة (2007م) بشأن الإنتخابات العامة، وتقابلها المادة (100) من قانون الإنتخابات رقم (9) لسنة (2005م)، التي تحدثت عن مصادر تمويل الحملات الإنتخابية للقوائم الإنتخابية دون ذكر الأحزاب السياسية، وانحصر أثرها وقت الدعاية الإنتخابية، فلا عقوبات رادعة ولا قضاء يُلزم، وكل من يملك المال، باستطاعته أن يقتحم المجال السياسي لتأسيس حزب، أو المشاركة في حملة إنتخابية لشراء الأصوات، أو شراء الذمم، وتوجيه الناخبين بعيداً عن الإرادة الوطنية، لتتشكل بذلك رؤية ضبابية، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى وضوح الرؤية والهدف، وهذا لن يتم إلا في ظل تنظيم تشريعي محكم للأحزاب السياسية، ومنسجم مع التشريعات الدستورية النافذة والمعايير الدولية.
وفي ذلك يقول الفقيه الفرنسي ديفرجيه -بإعتباره من أوائل من كتب في موضوع الأحزاب السياسية- "إنَّ النظام القانوني للأحزاب بدائي، قوانينه وطقوسه سرية، يحاول القائمون عليـه جاهـدين إبقائه بعيداً عن عامة الشعب، وليس من السهل الحصول على معلومـات مـن القائمين على الأحزاب؛ لأنهم يتعمدون الإحتفـاظ بأسـرارهم وعـدم البوح بها، وهو ما يعبر عن علاقات قوة وصراع بين القاعدة والهرم في الطبقة السياسية".
وفي الختام، فإنَّ الأحزاب السياسية عليها أن تدرك أنّ فلسطين هويتها وشعبها مادة لتقديم خدماتها، وأنّها الوسيلة، والغاية الوطن، كي نضمن بذلك تمثيلاً حقيقياً يكون على مستوى المرحلة، ويعكس الإرادة الوطنية الفلسطينية، لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها.