الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفساد في الأردن

نشر بتاريخ: 15/12/2019 ( آخر تحديث: 15/12/2019 الساعة: 08:47 )

الكاتب: نضال منصور

كل عام بعد ان يصدر ديوان المحاسبة تقريره السنوي تتذكر الحكومة، ويتذكر مجلس النواب ان لدينا مشكلات في التعامل مع المال العام، وان هناك مخالفات وتجاوزات استوطنت في المؤسسات العامة منذ عقود ولم يتم التعامل معها، او حلها، بل ما يحدث كل عام هو ترحيل للمشكلات وغض للنظر عنها.
يتلقف الإعلام ايضا تقرير ديوان المحاسبة ويسرد قصصا مضحكة مبكية عن استسهال الاعتداء على المال العام، وكيف لا يقلق، ولا يخشى العديد من المسؤولين من ارتكاب مخالفات للقانون، ويثقون انهم لن يتعرضوا للمساءلة؟
كل عام بعد تقرير ديوان المحاسبة ندين ونشجب هذه التجاوزات، ثم ينتهي ” المولد ” ويعود كل شيء على حاله، “وكأنك يا بو زيد ما غزيت “.
حكومة الدكتور عمر الرزاز أبدت جدية في التعامل مع تقارير ديوان المحاسبة، ونوهت الى انها ستغير في نهج وآليات التعامل مع التقارير بحيث تنظر وتدقق بشكل “ربعي”، وشكلت لجنة في رئاسة الوزراء بقيادة امين عام الرئاسة للنظر أولا بأول في الملاحظات التي ترد من ديوان المحاسبة لتصويبها والتعامل معها.
الرزاز وعد مجلس النواب ان تقارير ديوان المحاسبة لن تهمل، او ترحل، او توضع على الرف، وان الحكومة بصدد وضع معايير عالمية جديدة للتعامل مع المخالفات استنادا الى تكرارها وخطورتها.
توجيه اصابع الاتهام للحكومات فقط بالتورط بالفساد فيه ظلم كبير، فالفساد، او التواطؤ معه، او السكوت عليه حالة مجتمعية، والحقيقة ان حالة الفساد في الأردن لن تغيرها تقارير ديوان المحاسبة، او هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وحدها، بل يحتاج الامر لمنظومة اخلاقية وتربوية وقانونية وسياسية تجرم كل الممارسات التي تؤدي الى الفساد وتصنعه مثل الواسطة، وكثير من الممارسات التي لا ينظر لها باعتبارها فسادا.
لا يثق الناس في بلادنا في حكوماتهم وبرلماناتهم، ويتجاوز الامر ذلك لقناعة البعض ان سرقة الحكومة او المال العام حلال حتى لا تستغله الحكومة وموظفوها، وهؤلاء يرون انهم الأحق بالتمتع بثروات بلادهم دون مقابل، ولهذا فإن سرقة المياه او الكهرباء لا ينظر لها بأنها جريمة او فساد.
في مقياس الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية والصادر قبل ايام قناعات راسخة لدى الجمهور ان الفساد متفش في كافة مستويات الحياة اليومية، والأهم القناعة ان الحكومات لا تقوم بما يكفي للحد من مشكلة الفساد.
استطلاع الرأي الذي تجريه منظمة الشفافية الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اظهر ان 4 % دفعوا رشوة في الأردن للحصول على الخدمات الحكومية، و25 % استخدموا الواسطة للحصول على الخدمات العامة.
منظمة رشيد للنزاهة الفرع الأردني للشفافية الدولية في الأردن قالت 55 % يرون ان الفساد تفاقم في آخر 12 شهرا في البلاد، و86 % يعتقدون ان الفساد مشكلة كبيرة في الأردن.
الاستطلاع اظهر ان انتشار الفساد بين النواب والاعيان هو الاعلى، فلقد وجد 45 % من المستطلعة آراؤهم ان النواب والاعيان متورطون بقضايا فساد، بينما 36 % من المسؤولين الحكوميين متورطون، وتتصاعد لتصل الى 38 % بين رجال الاعمال، وتنخفض لتبلغ 22 % في المنظمات غير الحكومية، و7 % بين رجال الدين.
إذا ارادت الدولة الأردنية مكافحة الفساد، والحد منه بشكل جدي فإن المطلوب منها ان تراجع الكثير من المسلمات والتابوهات التي لا يقترب منها، وربما اهمها وجود مؤسسات رقابية لا يمكن العبث بها، او الاقتراب منها، وأول المؤسسات الدستورية الرقابية التي تحتاج الى اعادة بناء مؤسسة البرلمان لتكون معبرة عن الناس، وليس في ” جيب ” الحكومة.
الحديث عن مكافحة الفساد ليس تنظيرا في الهواء، واول الخطوات المجتمعية لمحاربته ان يرفض الناس استخدام الواسطة للحصول على خدمة عامة.
ما لم يتحرك الناس بشكل اخلاقي وقانوني لمحاربة الفساد فإنه سيبقى متجذرا في بنيتنا المجتمعية ومحاربته تصبح مستحيلة.