الجمعة: 17/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مجالس "المحافظات" للتشغيل والتدريب المهني

نشر بتاريخ: 22/12/2019 ( آخر تحديث: 22/12/2019 الساعة: 12:58 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

يعتبر قطاع المهن التطبيقية عزيزي القارئ ذو أهمية كبيرة منذ الأزل، فالسباكة، والحدادة، والنجارة، والبناء ... وغيرها من الحرف المختلفة، أعمال ليست وليدةُ اليومِ فحسب، وليست مقتصرة أيضاً على سوق عملٍ دون الآخر، فهي الأساس المتين لأيّ اقتصادٍ سواءً كان ناشئاً أم نامياً أم متقدماً، من هنا برزت أهمية التعليم والتدريب المهني والتقني كمسار تعليمي موازٍ للتعليم الأكاديمي (الجامعي) في سائر مجالات التنمية: الاجتماعية، والبشرية، والاقتصادية، والمجتمعية في مجموعها.
وتؤكد العديد من تجارب التنمية العالمية بأن مسار التعليم المهني والتقني هو "الطريق الأقرب للحصول على عمل"، وللتنمية المجتمعية المستدامة بشقيها (الاقتصادي والاجتماعي)؛ من حيث مدته الزمنية القصيرة نسبياً، وكلفته التعليمية المناسبة للأفراد ذوي الدخل المحدود، كذلك من حيث تنوع البرامج المطروحة، والمحفزات التشجيعية للالتحاق بها، إضافةً لكونه التعليم الذي يطلق العنان للهوايات، والاهتمامات، والإبداع الشخصي، والاستقلالية والريادية في العمل، نتيجةً لاعتماده على اختيار الفئة المستفيدة، بناءً على قدراتِ الأفرادِ ومهاراتهم المختلفة والمتباينة.
ولكن !! ماذا ينقصنا نحن فيه ؟؟ وأين نحن منه ؟؟ .....
ولأجل بناء منظومة تعليم مهني وتقني خلاقة للتنمية المستدامة، وفعالة مجتمعياً، يجب علينا البناء على مجموعة من الأركان والأُسس للنهوض بتلك المنظومة، وفق ما هو معمول به عالمياً، بحيث يتم أولاً: مراعاة خصوصية الحالة الفلسطينية، عبر نمذجة قالب خاص بنا كفلسطينيين، يراعي خطط التنمية لدينا، ويتكيف مع واقع المجتمع الفلسطيني وخصائصه، ويلبي الحاجات الفعلية لسوق العمل الفلسطيني وخصوصية حالته، ثانياً: تعزيز ثقافة الهواية والاهتمام لدى شاغلي تلك المهن حين الإقدام للعمل بها، ثالثاً: تطوير فلسفة خاصة "للتكوين المهني والتقني" لدينا؛ عبر مناهج وأساليب تدريسية معاصرة تحاكي الواقع، وتنظر إلى المستقبل، وتحقق في ثناياها الهدف المجتمعي المنشود، رابعاً: تشكيل قانون حافظ للمهن ولحقوق المهنيين، تحدد فيه الواجبات وتوصف وتصنف فيه المهام المطلوبة، إضافة لما يلي ذلك من علاقة حلقية متصلة غير منفصلة، تكتمل فيها الأدوار ويستوجب فيها الشراكة والتعاون بحيث تبدأ بالأسرة ثم المدرسة فالكلية ومن ثم دور القطاعات التنموية الثلاث (الحكومي والخاص والأهلي).
إن ما شجعني على كتابة هذه المقالة على وجه الخصوص، وذلك بعد سلسلة طويلة من المقالات السابقة، والتي تناولت موضوع التعليم المهني والتقني، كمسار تعليمي خلاق للتنمية المستدامة، هو بروز حلقة جديدة كانت تفتقدها منظومة التعليم المهني والتقني الفلسطينية وتعزيز دورها التنموي، وهي كانت بمثابة (حلقة الوصل) بين الدور الحكومي والدور المجتمعي لكلا القطاعين (الخاص والأهلي)، للمضي قدماً في تطوير هذه المسار التعليمي، الحيوي والجوهري في صناعة التنمية بأشكالها، لأن مشكلة المشكلات والسبب الرئيس لغياب منظومة تعليم مهني وتقني فعالة فلسطينياً، هو عدم المبادرة والفهم الواضح لأهمية الدور الثلاثي (ثالوث التكوين المهني) إن صح التعبير عنه، والذي يتمثل في القطاعات سابقة الذكر.
هذه الحلقة المؤسساتية الهامة، والتي طال انتظارها، وسبقنا إليها الكثير من البلدان الغربية والعربية ومنها الأخوة في الأردن الشقيق، تجسدت في تشكيل "مجالس التشغيل المهني والتقني"، التابعة مباشرة لمباني ودوائر المحافظات، والتي تمتد في ربوع وطننا الحبيب من جنوبه حتى شماله ومن شرقه حتى غربه، وقد لمست في تلك المجالس كمختص ومتابع لنشاطاتها وطنياً ومحلياً وكمؤمن بفلسفة التعليم والتكوين المهني والتقني الجدية العالية، والتخطيط الواقعي، والذي يلبي حاجات ومتطلبات التنمية الحقيقية والفعلية، إضافة إلى منجزات ملموسة ودور فعال يخدم قطاعات التنمية المجتمعية سابقة الذكر، وفي أكثر من لقاء متكرر جمعني بأحد أعمدة هذه الدور وهو نائب ومساعد محافظ محافظة الخليل صديقي وأخي د. رفيق الجعبري، وكذلك أخي د. مروان سلطان وكان سابقاً مسؤولاً عن هذا الملف قبيل تقاعده، .. وغيرهم، هو كما أسلفت سابقاً الوعي والفهم المدرك والعميق للحاجات، والمتمثل في شخوص المسؤولين عن تلك المجالس والمنوط بهم تلك المهمة، وعلاقتهم القريبة من أرباب سوق العمل وحاجاتهم، بحكم مسؤوليتهم المباشرة في تلك المحافظات ودورهم المجتمعي.
وفي الختام أرى أن المحرك الرئيس، والذي يُحرك بقية منظومة التعليم المهني والتقني، يتمثل في الوعي والثقافة المجتمعية في هذا الجانب، إضافة دور القطاع الحكومي ودعمه، وما يلي ذلك من محفزات ومعززات استثمارية يبذلها القطاع الخاص من طرفه هو الآخر، إضافة إلى الوعي المنوط بدور كل من يرعى هذه المنظومة التعليمية، ويسعدني جداً كمختص وكاتب في مجال "التنمية المستدامة وريادة الأعمال"، وصاحب اهتمام في هذا المسار التعليمي والحيوي فيها، ما برز في السنين القليلة الماضية، من اهتمام رسمي وحكومي ومؤسساتي منقطع النظير، في إبراز أهمية ودور التعليم المهني والتقني في المجتمع الفلسطيني، كركيزة اساسية للتنمية والدولة المنشودة، ومواجهة مشاكلنا الاقتصادية المستمرة في ظل وجود الاحتلال البغيض، عبر سلسلة من ورشات العمل، والمؤتمرات الرسمية وغير الرسمية، أذكر منها حدث هذا العام، وهو "المؤتمر الوطني الخامس في التعليم المهني والتقني"، والذي عقد في رحاب جامعة بوليتكنك فلسطين في نسخته لعام –2019، وقد كنت عضواً فاعلاً في أكثر من لجنة واجتماع تحضيري عقد بين أقطاب الوطن ومحافظاته، وكان من أهمها العضوية في اللجنتين الإعلامية والعلاقات العامة للمؤتمر، والذي لحظت فيه اهتماماً حكومياً ومؤسساتياً منقطع النظير في هذا المجال، فمثلاً كان هنالك ممثلين عن العديد من الوزارات كشواهد وداعمين لهذا المؤتمر الوطني على الصعيد الرسمي، والكثير من ممثلين مؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات التعليم والتعليم العالي، بحيث لاقى المؤتمر دعم كبير على سبيل المثال لا الحصر، من وزارة "الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات"، ممثلة بمتابعة وحضور شخصي من وزيرها معالي الأخ د. إسحق سدر، وهو صديق مقرب، وأكن له كل التقدير والاحترام، لاهتمامه الكبير والمنصب على رعاية منظومة التعليم المهني والتقني، والنهوض بها كونه صاحب رسالة ورؤية وطنية وأكاديمية سابقة في هذا المجال، بحيث شكل شخصياً لجنة متابعة عليا تتبع لمجلس الوزراء، احتوت على مزيج فسيفسائي من الخبراء والمختصين الوطنيين، من أصحاب الباع والذراع في هذه المجال، والتي ننتظر منها الكثير وننظر إليها كمختصين وباحثين ومهتمين أيضاً ببالغ الاهتمام والأثر المتوقع متمنين لهذه الجهود السداد والتوفيق، في دعم ومساندة هذه المنظومة، وهذا المسار التعليمي الداعم والمحفز لمستقبل الأجيال القادمة.