الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كوفيد 19.. نظرة تحليلية

نشر بتاريخ: 28/03/2020 ( آخر تحديث: 28/03/2020 الساعة: 18:08 )

الكاتب: عبد الكريم المجدلاوي

يتم تحديد خطورة أي وباء من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها نسبة انتشار المرض و معدل الوفيات من هذاالمرض , و إذا ما طبقنا هذه المعايير على وباء كورونا (كوفيد 19) نجد أن نسبة الإنتشار كبيرة من حيث أعداد المصابين و رقعة انتشار الوباء إذا ما قورنت بأوبئة حدثت في العقود الأخيرة مثل سارس وزيكا و إيبولا و غيرها , ولكن اذا ما قُورنت بأوبئة حدثت في القرون الماضية مثل الطاعون و الإنفلونزا الإسبانية و الكوليرا نجد أن كوفيد 19 لا شيء, سواء من حيث معدلات الانتشار أو من حيث معدل الوفيات من المرض, و إذا ما علمنا أن كوفيد 19 وصل الى 197 دولة و منطقة في العالم من بينها الصين و الهند وعدد الاصابات أقل من نصف مليون شخص في ثلاثة شهور نجد أن النسبة ليست كبيرة, أما نسبة الوفيات الناتجة عن المرض على مستوى العالم فهي 4% , علما بانه يتم حساب معدل الوفيات بقسمة عدد الوفيات من المرض على عدد المصابين بالمرض, مع الأخذ بعين الاعتبار بان كلمة (مصاب بالمرض) أو (مريض) تُطلق فقط على من تم أخذ عينة منه للفحص المخبري و كانت النتيجة موجبة, و لكن مقابل كل حالة موجبة هناك حالات كثيرة مصابة و غير معلنة لأنه لم يتم عمل الفحص المخبري لها خصوصا بعدما ثبت علميا أن الشخص ممكن أن ينقل العدوى أثناء فترة حضانة الفيروس، و هي الفترة التي تسبق ظهور الأعراض, و بناء عليه نستنتج أن معدل الوفيات الحقيقي أقل بكثير مما هو مُعلن.

وهناك تفاوت واضح في معدلات الوفيات بين الدول وفقا لتركيبتها السكانية وقوة نظامها الصحي , ففي إيطاليا مثلا كانت الكارثة و الإنهيار السريع و المفاجىء لنظامها الصحي و قد وصلت نسبة الوفيات 9.5% و هي أعلى نسبة وفيات في العالم, و عند التمعن أكثر في الهرم السكاني لإيطاليا البالغ عدد سكانها 60 مليون نسمة تقريبا , نجد أن 14% من السكان تزيد أعمارهم عن 75 سنة, وكل المجتمعات الأوروبية قريبة من هذا الواقع السكاني, و منه نعلم أن قارة أوروبا يُطلق عليها القارة العجوز و كذلك يمكن وصف مجتمعها بالمجتمع الهرم, و هكذا يتضح لنا لماذا كان الوباء أكثر فتكا في أوروبا منه في مناطق اخرى من العالم.

في المقابل نجد أن نسبة الوفيات من المرض في الصين 4% , و عند النظر الى الهرم السكاني للصين نجد أن نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 75 سنة هي 6% من مجموع السكان. أما في الدول العربية مجتمعة, فنجد أن نسبة الوفيات فيها من المرض فقط 1.8 % و ذلك لأن التركيبة السكانية مختلفة تماما, ففي فلسطين كمثال نجد أن 70% من مجموع السكان أعمارهم أقل من 29 سنة , في حين أن نسبة من تجاوزت أعمارهم 75 سنة 0.5 % فقط , لذلك يُوصف المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فتي, و هذا الكلام ينسحب على كافة المجتمعات العربية مع فروقات بسيطة هنا و هناك.

و أعتقد أن سبب الاهتمام العالمي الكبير بهذا الوباء هو, أولا" , سرعة الإنتشار غير المعهودة في العقود الأخيرة , وثانيا وهي الأهم برأيي, أن الدول الغنية هي الأكثر تضررا منه خصوصا و أن دول أمريكا و أوروبا أصبحت بؤرا للوباء، و أن الدول الخمس الأكثر تضررا من المرض بعد الصين هي إيطاليا , أمريكا , أسبانيا , ألمانيا و فرنسا بالترتيب بحسب منظمة الصحة العالمية, و إلا لماذا لم تلق أفريقيا هذا الاهتمام العالمي و الفقر و سوء التغذية و الملاريا و الايدز يفتك بالملاين سنويا ؟!! و لماذا لم يتحرك العالم و الملايين تُقتل و تُشرد وتموت من الحرب او من البرد و الجوع في سوريا و اليمن على مرأى و مسمع من العالم اجمع ؟! لا شك أن الفقراء والضعفاء لا بواكي لهم.

في فلسطين كانت الاستجابة سريعة للجائحة, و كانت فلسطين من أوائل الدول التي أعلنت حالة الطوارىء , و أغلقت المؤسسات التعليمية ومنعت التجمعات بهدف منع أو على الأقل الحد من فرص انتقال العدوى, و قد كانت هذه سياسة ناجحة وحققت الهدف حتى الان بالرغم من الزيادة المطردة في الحالات عند دولة الاحتلال ورغم صعوبة الفصل الجغرافي و الاقتصادي عن الاحتلال, الا انه يُحسب لنا هذا النجاح و هو ما أشادت به المؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية, و نامل أن يستمر هذا النجاح.

وفي قطاع غزة المُحاصر نجد الحكومة نفذت العديد من الإجراءات النوعية الوقائية منها إغلاق المؤسسات التعليمية والمساجد و الأندية و المقاهي و الأسواق ومنع إقامة بيوت العزاء وغير ذلك الخطوات في إطار الرؤية الحكيمة" الوقاية خير من العلاج والحفاظ على شعبنا" .

و من واقع تخصصي الأكاديمي في الصحة العامة, واطلاعي بحكم عملي فإنني أشيد بالجهود الجبارة التي تبذلها اللجنة الحكومية في سبيل الحيلولة دون انتقال العدوى للمجتمع, و قد أشادت منظمة الصحة العالمية ومؤسسات دولية أخرى بالتدابير الناجعة و طريقة إدارة الأزمة التي تقوم بها اللجنة الحكومية بغزة.

وفي ضوء المستجدات المتعلقة بتسجيل 7 حالات جديدة, كانوا مخالطين لأول حالتين (تسمى في علم الأوبئة Index case) , فهناك مطالبات على نطاق واسع بضرورة استمرار اتخاذ الإجراءات المتنوعة ومنها حظر التجوال للحد من حركة الناس و تجمعاتهم, ولأن قطاع غزة يختلف عن كل بقاع الأرض لا يجب أن ننتظر أن تُسجل اصابة في أوساط الناس كي نقوم باجراءات جديدة, بل لابد من أخذ كافة التدابير الاستباقية و ذلك لعدة أسباب منها:

1- أن الكثافة السكانية في غزة هي الأعلى عالمياً و هنا خطورة شديدة, حيث أن تسجيل حالة واحدة في أوساط السكان لا سمح الله , يعني كارثة حقيقية.

2- النظام الصحي في قطاع غزة يعاني من صعوبات نتيجة الحصار الظالم منذ أكثر من 12 عام.

3- العادات و التقاليد في شعبنا الفلسطيني من مجاملات و مصافحة ، لا يمكن أن تتوقف بكبسة زر, الناس بحاجة الى التدرج و التعود على عدم المصافحة و عدم الاقتراب من بعض, وبعد فترة سنجد أن الجميع مُلتزم بهذه التعليمات و النصائح و الارشادات.

4- انه لا يوجد حتى اللحظة أي علاج أو تطعيم ضد الفيروس, لذلك ليس امامنا الا التشديد في سُبل الوقاية.

وفي الختام أدعو الله أن يُجنب شعبنا وكافة شعوب الأرض هذا الوباء, وأن يرفع عنا البلاء.
مدير التثقيف الصحي- وزارة التربية والتعليم العالي