الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكلمة ولغة الخطاب في حالة الطوارئ

نشر بتاريخ: 06/04/2020 ( آخر تحديث: 06/04/2020 الساعة: 15:47 )

الكاتب: الدكتورة فردوس عبد ربه العيسى

من المعروف ان ذاكرة الانسان قادرة على الاحتفاظ  بالتجارب والخبرات ، بل وقادرة على نقلها من جيل الى اخر لتشكل  موروثا ثقافياووعيا جمعيا لامةاو لشعب ما وبالتالي تصبح ذاكرة جمعية، ولكل افراد المجتمع  دورا في بناء وتشكيل تلك الذاكرة على تفاوت ادوارهم،  فالبعض لديهدورا اكثر وضوحا بل واكثر تاثيرا  من غيرهم بفعل مواقعهم والمتوقع منهم،  فالقيادات المجتمعية والسياسية والاكاديمين والمثقفين والفاعلين الاجتماعيين يتوقع ان يكون لهم دورا مؤثرا وفاعلاخصوصا في حالاتتتصف بغياب اليقين والقدرة على التنبؤ والضبط كالحالة التي نشهدها حاليا  سواء على المستوى المحلي او العالمي، كما ويتوقع من هؤلاء  ان يكونوا اكثر دقة في سلوكياتهم وتوجهاتهموفي استخدام  العبارات التي يشار بها سواء  لتطورات وضع الوباء ومدى انتشاره، او تستخدم لوصف تعليمات السلامة او  الحياة اليومية.

في فلسطين، حالة الطوارئ التي نشهدها منذ اكثر من شهرنتيجةلظهور حالات الاصابة بفيروس الكورونامن الواضح انها ليست فقطاستدعت خبرات الذاكرة  وما تحويه من خبرات تكونت  عبر زمن طويل في ظل الاحتلال بل ايضا تم  تعميم  واستخدام مفاهيم وعبارات لا بد من الانتباه الى دلالاتها النفسية والاجتماعية وتاثيرها على المتلقين لها. والامثلة على ذلك كثيرة، ولكي يتم توضيح ما اعنيه ساتطرق فقط  الى بعض الامثله ، مع الاخذ بعين الاعتبار تعدد مصادر العبارات التي سيتم تناولها.

ان متابعه  ما يصدر من تصريحات وما يكتب في الاعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي  منذ اعلان حالة الطوارئ يلاحظ انه يعكس استخداما مكثفالمصطلحاتتعكس خبرات وتجارب بنيت في ظل  محاولات التصدي للاحتلال ولسياسته في الحد من حرية حركة الفلسطينين من والى مدنهم وقراهم، وهي ليست المصطلحات الانسبلاستخدامها للاشارة للاشخاص الذين يخرقون تعليمات الحجر المنزلي وتعليمات الطوارئ  الصادرة عن الحكومة الفلسطينية  والتي تسعى الى بها الى حث الناس علىالحفاظ على سلامتهم وسلامة المجتمع .وفي هذا السياق نذكر بعضا من تلك العبارات، على سبيل المثال،   "حاول التسللعن حاجز الامن" تستخدم لوصف محاولات كسر قرار حظر التنقل الذي فرض بسبب حالة الطواريء،  بهدفزيارة الاصدقاءاو لشرب القهوة والتسلية مع الجيران. في تراثنا الفلسطيني، استخدمت كلمة التسللعن الحاجز في اطار مقاومة وكسر قوانين الاحتلال ولا مجال ابدا المقارنة بين حواجز الامن الوطني التي وضعت لضمان الحد من التنقل لمنع انتشار الوباءوبين حواجز الاحتلال ، وان استمرار استخدام عباراة من هذا القبيل يعزز الربط بين هذين النوعين من الحواجز الامر الذي قد يقود لغيرها من التعميمات المترتبة عليها.

كما ونلاحظ عبارات اخرى تشير الى ارتكاب مخالفات للقانون الفلسطيني دون التدقيق على ان ما يتم وصفه هنا هو وباء  قد يتعرض للاصابة به  اي انسان، "المشتبه بهم من الاصابة" : عبارة الاشتباه تاتي في سياق التعامل مع  اشخاص خارجين عن القانون كونهم ارتكبوا جنحة او جناية ، او جريمة،  ولا يجوز استخدامها للاشارة الى اشخاص ممكن ان يكونوا مصابين بالفيروس الامر الذي يعزز حالة الخوف والقلق والترقب التي تنتاب من ينتظر نتائج الفحوصات هو واسرته خصوصا اذا الحقت بكلمة "احتجاز"،" حامت حوله الشكوك"  ايضا عبارة تحمل مضمونهابعد مخالفة ماللقانون، وهي تعززالوصمة الاجتماعية حول المصابين بالفيروس على انهم ارتكبوا امرا ما غير مقبول اجتماعيا او قانونيا، " "القي القبض عليه"وغيرها من العبارات.

وفي سياق الاجتهاد والدعوة نحو  الضبط  والحد من انتشار المرض تاتي عبارة قد تشكل دعوة لتطبيق القانون خارج الاطر الرسمية والقانونية  كالاشارة الى ان  "الموظفين رفضوا استقبال المراجعين الذين لا يلبسون كمامة او كفوف" ، بالطبع من حق موظفي المؤسسات العامة سواء الخاصة او الحكومية ان يحافظوا على سلامتهم ولكن ليس من المناسب ان تاتي هذه العبارة في سياق تشجيع المواطنين  حتى لو كانوا موظفين رسميين، على التصرف بطريقة تنم ان لديهم الصلاحية في انفاذ القانون، وبالتالي يترك المجال للتنمر والاقصاء كل هذا ياتي ترجمة لدعوة الحكومة المساعدة في تقليص انتشار الوباء، ام انه يتجاوز ذلك بكثير .

 وفي معرض اخر  استوقفتني  كلمة "المنفلشين"وهي عبارة تستخدم في العادة لمن يخرقون  قوانين الجماعة ومنها الحزب السياسي، وقد استخدمت في المرحلة الحالية  في اطار وصف من لم يلتزمون بتعليمات الحجر بهدف ضبط سلوكهم ومن اجل المصلحة العامة، ولكن الا نخشي وبدون قصد ان تشكل مثل هذه التوجهات دعوة لاخذ القانون باليد، فالمصلحة العامة والسلامة العامة هي امر في غاية الاهمية ولكن لا بد ايضا من  الاشارة ان عمليات الضبط وتقويم السلوك لا يمكن ان تترك  لمبادرات فردية  والا اعتبر كل انسان نفسه المعيار والمسطرة التي يقاس عليها السلوك الصحيح والسلوك الخاطيء.

من المهم الاشارة الى ان اللغة بما فيها من كلمات ومصطلحات وعبارات لها دورا مهما في تشكيل الذاتالفردية  والجمعية،   وكذلك في  تشكيل الوعي والهوية وفق ما اشارت اليه المدرسة اللسانية وجان لاكان، لذا لا بد من ايلاء الاهتمام الكافي للغة الخطاب، كونها تلعب دورا مهما تعزيز الطمأنه والثقة ومن ثم تقود الى الالتزام، ومن جهة اخرى قد تشكل مصدرا  لتعزيز التمييز والاقصاء والتنمر، ومن هنا اتت اهمية الاشارة الى ضرورة التدقيق في المصطلحات والعبارات  واستخدامها في سياقها الصحيح، ولكي تخدم الغرض  المرجو منها .