السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فترة ترقب

نشر بتاريخ: 29/06/2020 ( آخر تحديث: 29/06/2020 الساعة: 21:21 )

الكاتب: هبه أ. بيضون

على الرغم من الجهود المضنية المبذولة لردع نتنياهو عن قرار الضم المنوي تطبيقه على الأرض في بداية تموز،أي بعد يومين، وعلى الرغم من البيانات والمواقف الصادرة من الدول المختلفة الأوروبية منها والعربية والمنظمات والشخصيات الإعتبارية ضد قرار الضم، وعلى الرغم من التهديدات بإتخاذ عقوبات على إسرائيل في حال نفذت إعادة إحتلال أراض فلسطينية، فإن الأمور لم تتضح والصورة لا زالت ضبابية، ومن الصعب التكهن والتنبؤ بما سيؤول عليه الوضع، ويقتصر الأمر على وضع جميع الإحتمالات والسيناريوهات المتاحة دون القدرة على ترجيح سيناريو على آخر.

من ضمن السيناريوهات التي قد نطرحها هو أن يتراجع نتنياهو في الوقت الحالي عن الإقدام على هذه الخطوة الإجرامية والمخالفة لقرارات الشرعية الدولية، والمخالفة والمعارضة لرغبة وإرادة المجتمع الدولي بعد كل ما صدر من مواقف معارضة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولكن من يعرف إسرائيل جيداً، يعرف أنها لا تكترث لما يعتقده الآخرون وما يتخذونه من مواقف، وبخاصة وأنها ضامنة للدعم الأمريكي لقرارها، والذي تراجع قليلاً مؤخراً ووضع الكرة في ملعب إسرائيل للتنصل من تحمل مسؤولية أي إنفجار قد يحدث، ونتيجة للضغوطات التي تعارض الضم من الداخل الأمريكي .

ومن ضمن السيناريوهات أيضاً هو السيناريو المتمثل بأن إسرائيل ستمضي قدماً في تنفيذ مخطط الضم غير آبهة بأي آراء أو أي مواقف أو أي تهديدات، لسبب بسيط وهو أنها تعلم أن التهديدات بالمقاطعة الإقتصادية لن تنفذ، وبأسوأ الحالات لن تكون بالقدر الذي يؤلمها، فاللوبي الصهيوني الموجود في أوروبا لا يقل قوة وتأثيراً عن ذلك الموجود في أميركا، والذي يعمل على حماية المصالح الإسرائيلية في القارة، وإحباط أي مشاريع أو قرارات قد تتخذ ضد إسرائيل .

إن اللوبي الصهيوني الموجود في أوروبا يتواجد بقوة وبفعالية في ألمانيا وهولندا بالذات، ولكن ألمانيا لا تزال تشعر بعقدة تأنيب الضمير وبالذنب من التهمة الموجهة لها بحرق اليهود فيما يسمى "بالمحرقة (الهولوكوست)، وهذا يجعلها خجلة ومترددة فيما يتعلق بإدانة أو معارضة أو تهديد إسرائيل، ولو فعلت، فإنها ستتعاطف معها ولن تنفذ، وبما أن ألمانيا هي دولة أوروبية لها ثقلها ولها وزنها ، فإن هذا يعزز من أن يكون هذا السبب أحد الأعمدة الذي تستند إليه إسرائيل بالثقة بعدم جدية المواقف الأوروبية والقدرة على تنفيذ تهديداتهم، فلا زال الأوروبيون غير قادرين فعلياً على أرض الواقع من تطبيق قرار مقاطعة منتجات المستوطنات.

بالنسبة للعرب ونفطهم، فهم غير قادرين على إستخدام سلاح النفط ضد أوروبا للضغط عليها سياسياً، يمكن القول إن سلاح النفط أصبح غير فاعل ضمن المعطيات الحالية، لذلك، فإسرائيل مطمئنة من هذه الناحية، وغير قلقة تجاه العرب ونفطهم، خاصة مع هرولة بعض الدول العربية للتطبيع المجاني مع إسرائيل.

وفي وقت لا يستطيع أحد إنكار أن الولايات المتحدة لا زالت هي القوى الوحيدة المسيطرة والمهيمنة والمحركة للعالم، على الرغم من تنامي الدور الروسي والصيني سياسياً وإقتصادياً، إلا أنهما لم يستطيعا لغاية اللحظة من سحب البساط من تحت الولايات المتحدة التي لا زالت تتربع على عرش القوى في العالم، إن التفرد الأمريكي الناتج عن قوة الولايات المتحدة من جميع النواحي يشكل عاملاً مشجعاً لإسرائيل للمضي قدماً في مشروعاتها الآيلة إلى إعادة إحتلال الأراضي الفلسطينيية المتمثلة بغور الأردن والمستوطنات والمنطقة ج.

ومن السيناريوهات المحتملة أن تمسك إسرائيل العصا من المنتصف، أي ألا تتراجع عن قرار الضم، وبذات الوقت، ألا تقوم بالضم الكلي فوراً، وإنما أن تقوم بالضم التدريجي بالبدء بضم المستوطنات وبالذات بضم مستوطنة معاليه أدوميم القريبة من القدس، وتنتظر بعدها ردود الأفعال، وستكون هذه الخطوة كإبرة المخدر للجميع، وبعد فترة قد تضم مستوطنة أخرى ، أما على المدى الطويل، من الصعب التنبؤ لأنه قد تتطرأ مستجدات على الساحة تغير المعادلة جميعها.

نحن الفلسطينيون، وبعد أن شارف العد التنازلي على الإنتهاء، لا نستطيع التحرك أكثر مما قمنا به من جهود دبلوماسية وعلى الأرض، وأكاد أجزم اننا في حالة ترقب لما سيحدث في الأيام القليلة القادمة، وبالأحرى، ليس أمامنا خيار سوى الترقب والإنتظار لنعرف ماذا سيحصل، وعندها نقرر ماذا سنفعل بعد تقييم الوضع على الأرض.

ولكن السيناريو الحاضر دائماً والأهم والذي نراهن عليه دائماً وابداً هو صمود الشعب الفلسطيني العظيم وثباته في أرضه ، والذي هو نتاج الإيمان المطلق لدى شعبنا بحتمية التحرير والذي هو حقيقة واقعة مهما تأخرت، وهذا ما تراهن عليه القيادة الفلسطينية بالدرجة الأولى والأخيرة.

وهنا أستذكر أن الجانب الفلسطيني أبدى إستعداده في مفاضات كامب ديفيد لقبول تبادل محدود للأرض بين فلسطين وإسرائيل، بما لا يزيد عن 3% ولكن بشرط موافقة الطرفين وبحيث تتساوى المساحة والقيمة، ولكن هذا لم يتناسب مع ما طرحه الإسرائيليون في ذلك الوقت، حيث أنهم كانوا يريدون السيطرة على جزء كبير من الضفة الغربية بالإضافة إلى هيمنتهم على القدس والأمن ورفضهم لحق العودة للاجئين.

إن ما يحدث الآن هو أن الإسرائيليين إختاروا أن يتخذوا قراراً من جانب واحد دون مناقشته مع الطرف الفلسطيني، ولو أن نتنياهو يريد السلام فعلاً وهمه ضم المستوطنات لغايات تتعلق بأن يكون من يسكنها من المستوطنين في حدود إسرائيل، لشارك هذا الطرح مع الفلسطينيين، ولربما كان هناك إمكانية لبحث موضوع التبادل بحيث نتخلص نحن الفلسطينيون من عبء وجود المستوطنات في حدود دولتنا، ونأخذ بدلاً منها أراض فارغة، قد يكون هذا حلاً وسطياً يجنب التصعيد، عالأقل في الوقت الحالي.

على كل حال، الأيام القليلة القادمة حاسمة، فقد يفاجىء نتنياهو الجميع ويتراجع عن الضم آخذاً بنظر الإعتبار الموقف الأردني الذي أعتقد أنه من ناحية عملية يجب أن يكون من أهم المواقف بالنسبة لإسرائيل نظراً لموقع الأردن الإستراتيجي.

وإن حصل الضم بصورة كاملة كما كان يهدد، عندها فقط يكون المجتمع الدولي على المحك، ويكون التحدي في مواجهة الضم بأفعال وليس أقوال، وأفترض أيضاً أن لدينا نحن الفلسطينيون خطة مواجهة فاعلة أقلها المقاومة على الأرض.