الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين أوسلو ودبي

نشر بتاريخ: 05/09/2020 ( آخر تحديث: 05/09/2020 الساعة: 18:48 )

الكاتب: عصام بكر


ليس من باب الصدفة ان يتم الاعلان عن توقيع اتفاقية "السلام" وتطبيع العلاقات بين دولة الامارات، ودولة الاحتلال في الثالث عشر من ايلول الجاري ذات الموعد الذي تم التوقيع فيه على اتفاقية اوسلو بين منظمة التحرير، ودولة الاحتلال ففي الاعلان عن ذات التوقيت معاني كثيرة ورسائل سياسية اكثر تحاول الولايات المتحدة ارسالها في اكثر من اتجاه في الوقت الذي تتواصل الاحتجاجات، والاصوات المعارضة للاتفاق الاماراتي الاسرائيلي على المستوى المحلي الفلسطيني، وعلى المستوى العربي والدولي، وبعد الموقف السياسي الواضح للقيادة الفلسطينية برفض هذا الاتفاق، رغم ما رافق ذلك من تبريرات اماراتية واهية لها علاقة بتاجيل خطة الضم، وهي ليست موضوعنا باي حال من الاحوال .
اللافت للنظر في هذا الاعلان عن اواسط ايلول للتوقيع بعد هبوط اول طائرة اسرائيلية في مطار دبي بشكل رسمي وعلني، وما رافقها من زيادة الوفد الاميركي الاسرائيلي للاعلان عن رزمة من اتفاقيات التعاون المشترك في مجالات اقتصادية وامنية، وتوسيع قاعدة الاستثمارات المشتركة ضمن مشاريع تعكس التعاون الجديد ما يثير الانتباه هو اصرار اسرائيل دولة الاحتلال على كي الوعي العربي والفلسطيني بعد 27 عاما على اوسلو بان عرى التماسك العربي تنهار واحدة تلو الاخرى، وان على الفلسطينيين ان يواجهوا مصيرهم وحدهم فاما ان ياتوا الى المفاوضات على ذات القاعدة "السلام مقابل السلام" او مواجهة موجة قوية من تطبيع العلاقات مع العالمين العربي والاسلامي ويفوتهم بذلك الانضمام لقطار التسوية دون اكتراث باحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني التي طالما تغنى بها العرب، ونصت عليها مبادرة السلام العربية لا خيار اخر هذه هي الصورة التي تحاول رسمها في اذهان الجميع في ذكرى الاتفاق الشهير اوسلو الذي لم يعد قائما بفعل اجراءات الاحتلال ليس حديثا وانما منذ لحظة توقيعه بعد مفاوضات سرية سبقت الاعلان عنه وبين ما كشف النقاب عنه بعد مفاوضات سرية سبقت اتفاق الامارات ايضا، حيث يثبت الواقع القائم مدى الاستخدام الشكلي ليافطة اوسلو للتغرير بالعالم، والترويج للسلام المزعوم وفق الرواية الاسرائيلية، وبما يخدم مصالحها فقط بينما على الارض الصورة مغايرة تماما تسعير للاستيطان اجراءات تهويد يومية في القدس تغول في محاولات تصفية القضية الوطنية، والمزيد من التغلغل في عمق العالم العربي .
لقد كان صحيحا بما لا يدع مجالا للشك ان اوسلو هو طريق يقود " اما الى الاستقلال او الى جهنم" وهو يقود نحو الهاوية بتصميم وامعان حكومات الاحتلال المتعاقبة التي تريد منه القشور، والشكل للابقاء على صورتها امام العالم بينما المضمون هو بمقدار ما يخدم سياساتها في استدامة الاحتلال، وتكريس الاستيطان الاستعماري، وهو الثابت في كل ما جرى، ويجري بحيث اصبحت عناصر اللعبة مكشوفة تماما بان عملية اوسلو هي اكبر عملية (نصب) تعرض لها شعب في التاريخ على الاقل المعاصر، مع ادراك القيادة الفلسطينية، وقناعتها التي توصلت اليها ولو بعد حين بان طريق اوسلو لن يقود لاعادة الحقوق، وان السلطة الفلسطينية ليست بوابة للحرية والاستقلال، وان الطريق لذلك ليست بالامنيات، ووضع الخيارات كلها في سلة المفاوضات التي لا طائل منها سوى استمرار نهب الارض، وطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وان الاحتلال استخدم نشوء السلطة وما تلاها من اجل تحقيق اهداف خبيثة احدى اهم ثمارها بالنسبة له هو حالة الانقسام الداخلي الجغرافي والسياسي، اضافة للتباينات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها على تركيبة المجتمع الفلسطيني، ونشوء وضع تعزز منذ الانتفاضة الثانية اصبحت الارض الفلسطينية فيه مقطعة الاوصال، واشبه بمعازل وجيوب مترامية الاطراف في بحر المستوطنات الجاثم فوق صدور الشعب الفلسطيني، ومحاولة ضرب التمثيل الفلسطيني ووحدة قضاياه المختلفة، فتوزعت بين الداخل والشتات، والضفة وغزة وكل ساحة منها يراد لها ان تصبح ساحات تختلف فيما بينها حول القضايا والشعار الجامع، وحتى الهدف، ولسنا بصدد تقييم مسيرة اتفاق اوسلو ايضا لان الحديث عنها يطول .
تطور الفهم للاتفاق الذي استشعر فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات حجم الخطر الداهم تجلى واضحا خلال محادثات كمبد ديفيد مع ايهود باراك، واغلاق الطريق على اية مساعي مع التعنت في المواقف الاحتلالية القائمة على الاحتفاظ بالقدس، وانهاء قضية حق العودة، والابقاء على المستوطنات حيث الحل الاسرائيلي الممكن هو فقط عبر بوابة الامن فجاء الرد على فشل قمة البيت الابيض بالانتفاضة الثانية التي نعيش ذكراها هذه الايام ايضا القيادة احاطت نفسها بالشعب في محاولة للخلاص، وايقاظ العالم ان القضية الوطنية لم تحل، وان الاحتلال يسعى لتابيد وجوده على انقاض حقوق الشعب الفلسطيني، القيادة استخلصت ان النوايا الحسنة، والاتكال على النوايا وحدها لا تفيد في ظل موازيين القوى القائمة، والتحالفات الدولية التي تبدلت كثيرا منذ مطلع التسعينات وما بعدها، وجاءت كل المحطات التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولا يزال لتؤكد استحالة الوصول لاي اتفاق سلام وفق محددات دولة الاحتلال، وان ردم الهوة بين الموقف الفلسطيني القائم على الشرعية الدولية وقراراتها في انهاء الصراع، والتمسك بالحقوق غير القابلة للتصرف بما فيها العودة، وتقرير المصير هي كبيرة، وتتسع باستمرار ايضا مع استمرار السعي لانهاء القضية برمتها من قبل الاحتلال، ومجمل صورة المواقف الفلسطينية التي اتسمت بالوضوح اكثر باتجاه الخروج من المازق بما فيها قرارات المجلسين الوطني، والمركزي لمنظمة التحرير وصولا لقرار ايار الماضي بالتحلل من جميع الاتفاقيات السياسية والامنية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، والتي جاءت ترجمة عملية لانهاء التعاقد مع اوسلو الذي كان يفترض ان ينتهي في ايار1999 بانتهاء المرحلة الانتقالية انذاك، وانهاء ملفات الحل الدائم التي نسفتها اسرائيل جميعها واحد تلو الاخر من طرف واحد بدعم اميركي يتواصل حتى يومنا هذا، وان كان بشراسة اعلى .
وبالعودة للاتفاق مع الامارات وفي نقاط الاختلاف والانسجام في اوجه التشابه بين الاتفاقين فان الجامع بينهما يبقى السعي لاختراق الوعي، وتسجيل نقاط اضافية جديدة لصالح المشروع الصهويني على حساب القضايا العربية، ووحدة الحد الادنى من الموقف العربي، وفتح مسار جديد من التطبيع العلني العربي، ومد جسور التعاون المشترك لضرب كل جهد لمساندة القضية الفلسطينية لن تبدأ بالامارات ولا تنتهي بدول اخرى عديدة تحاول ان تقدم اوراق اعتمادها لدخول (نادي) العلاقات الاسرائيلية العربية دون الاخذ بالاعتبار للحقوق الوطنية او في ظل تنفيذ مخطط الضم للضفة الغربية، تدشن الامارات مسار جديد يعتمد صيغة الفوضى الخلاقة المرتبطة بوهم الانعاش الاقتصادي، والازدهار وهذا هو الخطير هذه المرة لكنه بالجوهر يهدف لخلخلة الموقف العربي المتاكل اصلا لتمرير ما تريده اسرائيل المزهوة بالانجاز وسط سعي نتنياهو لتحسن صورته امام خصومه بانه الرجل القوي رغم عدم استقرار حكومته، ومعها ايضا رفع اسهم ترمب الساعي للفوز في الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة ضمن انجازات يسعى لتحقيقها على صعيد السياسة الخارجية في اكثر من منطقة من العالم من بينها الشرق الاوسط .
الثالث عشر من ايلول سيكون يوما حزينا ايضا لاعادة عقارب الساعة، وتذكير الجميع بالخطيئة التي حملها اوسلو، والذي جرى اعلان انتهاء الالتزام به فلسطينيا يريدون ان يكون هذه المرة علامة فارقة في الوجدان العربي ككل في رسالة واضحة معناها انه في الوقت الذي يدفن فيه الفلسطينيون اتفاق اوسلو فانه يبعث من جديد عبر بوابة دبي، والهدف اغراق المنطقة في وحل النزاعات المتصاعدة، وخلق تحالفات جديدة تلعب فيها اسرائيل دور الحكم، والشرطي، والحامي للعروش والانظمة، والتسلل لتفاصيل المشهد لاظهار صورة اخرى لكن في الحقيقة الامر الهام الذي ينبغي عدم نسيانه هو ان كل الاتفاقات مع الدول العربية لم تحقق الفائدة، ولا الازدهار لشعوبها بل تم استغلالها لمد جسور اسرائيل فيها تنهش، وتخرب الاستقرار الداخلي وتستغل مواردها، وثرواتها تفقد الدول معها معنى وجودها لتتحول لدول مستهلكة تعاني من ازمات متتالية مديونية عالية، وينتظرها خطر التقسيم الطائفي او الانهيار من الداخل، والمشهد العربي يتحدث عن حاله بشكل صارخ، ولا يحتاج للشرح والتوصيف .
العبرة ان الاتفاق الجديد لن يحمل الخير للامارات، وهو بالتاكيد لن يحمل اي مرود للفلسطينيين على العكس من ذلك هو سيتخد وسيلة ضغط جديدة من اجل اجبارهم على قبول العودة للمفاوضات مع تكريس الامر القائم، وخطة الضم في القدس، والاغوار، ومجمل الضفة الغربية، وهو ايضا يدق مسمار جديد اخر في خشبة التعاون العربي المشترك، والقضايا العربية ويدخل دول عربية اخرى يسيل لعاب حكامها للاشتراك في نادي العلاقات مع اسرائيل، وارضاء سيد البيت الابيض لكنه بالنسبة للشعب الفلسطيني اتفاق مرفوض، ومؤامرة ستتضح عناصرها، وخيوطها خلال قادم الايام، والشعب الفلسطيني لن يقبل بتصفية حقوقه او التفاوض باسمه او القفز عن حقوقه - هذه الحقيقة التي ينبغي على الجميع ادراكها، وان هذه الحقوق لن تكون بضاعة رخيصة في بازار التسوية، والمقايضة من اي طرف كان، الخطوة المنتظرة للرد على ما يجري يترقبها الجميع هي سحب الاعتراف بدولة الاحتلال، وتبني المقاطعة، وتنشيطها على المستوى العربي والاقليمي، واستمرار التمسك برفض اي مسعى من اي دولة كانت لاقامة علاقات مع دولة الاحتلال ضمن مسار جديد يعاد فيه الاعتبار للقضية الوطنية، وحالة التحرر الوطني، ولن يكون الانكسار امام موجة التطبيع العلني والسري باي حال من الاحوال .

* عضو المجلس الوطني الفلسطيني