الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقييم التجارب العربية في التطبيع مع إسرائيل: التاريخ لا يرحم

نشر بتاريخ: 26/09/2020 ( آخر تحديث: 26/09/2020 الساعة: 11:47 )

الكاتب: بركات فلاح

المفروض في هذا العصر تكون القرارات التي تتخذها الدولة تكون بناء دراسة علمية في مراكز الابحاث وبناءا على تجارب سابقة لدول في نفس المجال. فهل قيمت دولة الامارات العربية الواقع المحيط جيدا عندما اتخذت قرار التطبيع مع الاحتلال؟ وهل درست واستفادت من تجارب مصر والاردن ؟. كان حريا بالإمارات قبل التطبيع مع دولة استعمارية تقييم ذلك وتحديد اهدافها من التطبيع. أشك ان الامارات العربية قد لجأت لذلك، كما واشك بمعرفتها بتجارب مصر والأردن وفلسطين.فهل سألت مصر عن مدى الاستفادة من التطبيع مع اسرائيل بعد اربعين سنة، وهل سألنا الاردن بعد 25 سنة من التوقيع على اتفاقية وادي عربة، وهل قيمنا حقا التجربة الفلسطينية بعد ربع قرن؟

مصر وقعت اتقاق كامب ديفد عام 1979 مع اسرائيل فماذا استفادت جمهورية مصر العربية من التطبيع مع الاحتلال؟ فبموجب الاتفاق استعادت مصر سيناء المحتلة ولكنها استعادة منقوصة قيدت السيادة المصرية،واصبحت سيناء خاصرة رخوة لللامن القومي المصري. أما على الصعيد الاقتصادي ورغم كل الدعم المشروط الذي قدم من الولايات المتحدة الأمريكية لمصر، إلا انه أيضا استخدم للابتزاز والضغط، ورغم 45 عاما على ما يسمى بالسلام لم ينعكس ذلك على نهضة أو تنمية اقتصادية حقيقية.اليوم في مصر الشقيقة ما زالت صعبة وتعاني من مشاكل كبيرة، حيث تتراجع قيمة الجنيه المصري باستمرار،والبطالة مستمرة في الارتفاع، وايرادات السياحة المصرية تتراجع.

وأدت اتفاقية كامب ديفيد الى تراجع دور مصر القومي في الدوائر العربية والاسلامية والافريقية، وسهلت اتفاقية كامب ديفيد اختراق الساحة المصرية في كل المجالات، واتفاقية كامب ديفيد لم تشفع لمصر ولم تمنع اسرائيل من التحالف مع اثيوبيا وتقديم الخبرة والمشورة في بناء سد النهضة الذي يهدد الأمن القومي المصري،وكذلك تزويد إسرائيل لاثيوبيا بالاسلحة من اجل حمايتها من الجيش العربي المصري. كما أن الدور الذي لعبه الكيان الصهيوني في تشجيع الانقسام بالسودان الشقيق وسلخ جنوب السودان عن الوطن الام، كان ولا يزال له تداعياته السلبية على الامن القومي المصري.

أما بالنسبة للأردن، الذي وقع اتفاقية وادي عربة مع اسرائيل 1994، والتي تم التمهيد والترويج لها من قبل وسائل الاعلام الغربية والاسرائيلية بحجج وذرائع أنه سيكون لها نتائج عظيمة على الاقتصاد الأردني والتنمية في الأردن، وأنها ستنعكس إيجابا في رفع وتحسين مستوى المعيشة لدى المواطن الأردني، فقد بينت هذه التجربة أيضا أن المواطن الأردني وبعد 25 سنة لم يشعر باي نتيجة إيجابية وأي تحسن.ورغم اتفاقية "السلام لم تحترم اسرائيل سيادة الدولة الاردنية في كل سياستها الاقليمية والدولية وأحرجت الاردن في كثير من المواقف مثل محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل عام 1997،واطلاق النار على مواطن اردني من قبل دبلوماسي اسرائيل في عمان قبل سنتين، ولم يتورع قادة الكيان الصهيوني عن ترديد مقولاتهم والاعلان عن غايتهم المنشودة في تحويل الاردن الى الوطن البديل للفلسطينيين ومخطط ضم الاغوار والقدس ومعظم مناطق (ج)، التي تعني طرد الفلسطينيين باتجاه الاردن، كما ظهر أيضا في المحاولات المحمومة لسحب الوصاية الاردنية عن المسجد الاقصى.ولعل التلاعب بقضية المياه والفائدة الإسرائيلية الخالصة من اتفاقية الغاز، واختراق سوق العمل الاردني بشركات إسرائيلية متعاقدة بالباطن، وفضائح السواح الصهاينة والمتدينيين منهم بشكل خاص تجاه المرافق السياحية والارث التاريخي والحضاري الأردني، تدلل على مدى الخسارة الأردنية الخالصة وعن مدى الفائدة الكبيرة التي حققتها دولة الاحتلال من التطبيع. وحدث ولا حرج عن الاغراءات الموعودة للأردن في صفقة القرن، والتي ستجعل منه جسرا للعلاقات مع الخليج.

أما على الصعيد الفلسطيني، ورغم أن منظمة التحرير الفلسطينية قد وقعت اتفاق اوسلو 1993 كاتفاق انتقالي وليس معاهدة سلام، ورغم أنه كان ممرا اجباريا بشروط التسوية السياسية التي فرضت في مؤتمر مدريد بتنسيق وحضور الدول العربية، ورغم أن الهدف الفلسطيني المعلن من غاية الفلسطينيين من التوقيع عليه، هو أن يشكل سبيلا للخلاص من الاحتلال وبناء الدولة المستقلة، ورغم ان الطرف الفلسطيني قد التزم بكل ما عليه من التزامات بموجب الاتفاقات الموقعة،الا أن دولة الاحتلال، لم تلتزم بما عليها، وضربت بعرض الحائط ما اتفق عليه من انتهاء للمرحلة الانتقالية بعد خمسة أعوام، بل واستثمر ما روج من سلام وحل لتمضي قدما في تنفيذ سياساتها الاستعمارية الاستيطانية والتهويدية وتقويض كل مقومات حل الدولتين عموما ومقومات الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والمتواصلة والقابلة للحياة بشكل خاص. بل وأكثر من ذلك، قامت باحكام تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصادها، وفي احكام سيطرتها على المعابر والحدود والسطو على أموال المقاصة الفلسطينية وابتزاز السلطة الفلسطينية بها وبلقمة عيش الفلسطينيين، كما وقامت بسن العشرات من القوانين والتشريعات العنصرية وأخرها قانون أساس القومية اليهودية عام 2018، الذي يعطي لليهود الحق الحصري في تقرير المصير على أرض فلسطين التاريخية ويتنكر كليا للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وكان اخر هذه الاجراءات تطبيق صفقة القرن. من الواضح مما تقدم أن اسرائيل لم تلتزم باي شي من الاتفاقيات التي وقعتها مع مصر والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينيةالا بما يضمن مصالحها فقط. وتبين أن إسرائيل ارادت من هذه الاتفاقيات أخذ موافقة العرب والفلسطينيين على شرعية وجودها، وفسح المجال لها للتوسع وتحقيق أطماعها في السيطرة على اقتصاديات المنطقة والحاقها بالاقتصاد الإسرائيلي، وهي تستخدم الاتفاقيات لمرحلة معينة ثم تنقض عليها بعد أن تكون قد هيأت الأرضية المناسبة للانتقال الى الخطوة اللاحقة في تطبيق سياساتها الاستعمارية في الضم والتهويد ونهب واستغلال الثروات العربية وحسم وجودها وتفوقها.والغريب في الامر ان اسرائيل كلما تزداد تطرفا تزداد محاولات التطبيع العربية معها.الموقف الاسرائيلي تجاه العرب موحد ولا يفرقون بين مصري او فلسطيني او سعودي،فلماذا لا يكون هناك موقف عربب موحد تجاه اسرائيل؟ ولماذا لا تحترم مبادرة السلام العربية.

وعلى الدول العربية الشقيقة التي تسعى للتطبيع مع اسرائيل أن تعيد النظر بمواقفها وتستفيد من التجارب العربية السابقة في هذا المجال،ومن الوهم الاعتقاد بأن إسرائيل ستضمن امن هذه الدول وتحميها من إيران، ومخطئ من يعتقد ايضا ان الامن القومي العربي ينسجم كليا أو جزئيا مع أمن ومصالح اسرائيل الاستعمارية،ونظريات الامن القومي الاسرائيلي تشهد على ذلك. فهل يعتقد المطبعون ان اسرائيل ستقف امام التوسع الإيراني؟ وهل تقدم اسرائيل على إطلاق طلقة واحدة من اجل ضمان امن اي دولة عربية دون أي مقابل؟ ان اسرائيل تاريخيا كانت ولا زالت الى اليوم تطلق على الخليج العربي اسم الخليج الفارسي ولم تعترف يوما بعروبة الخليج العربي وفي اي لحظة تفاهم اسرائيلي او امريكي مع ايران سيدفع كل العرب ثمن باهظا.بعدها ماذا سيكون مصير دول الخليج العربي؟.دليلنا على هذا الصعيد أن إيران احتلت الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي 1971وهي في ذروة التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل والولايات المتحدة.وحتى نتنياهو في ذروة نشوة النصر بعد اعلان الاتفاق مع دولة الامارات رفض بيع امريكا طائرات F 35 لها، كما نفى ان الاتفاق يشترط وقف الضم. ورغم ذلك يجري التمادي بتطبيق اتفاق التطبيع المذل!.

وفي النهايةعلينا جميعا كعرب الاحتكام للعقل والمنطق ومأسسة اي قرار باتجاه العلاقة مع دولة الاحتلال على أساس جوهر وطبيعة الصراع معها، وعلينا أن نقيم التجارب العربية في هذا المجال من خلال مراكز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية الرصينة في مختلف البلدان العربية وهل هناك فرص ام تهديدات من التطبيع؟.فلسطين ستبقى قضية العرب والمسلمين الاولى ومحور الامن القومي العربي.هدف اسرائيل من التطبيع اختراق الاقليم العربي سياسيا واقتصاديا وامنيا وثقافيا وفكريا ثم تجزئته وتفكيكه والسيطرة عليه لتصبح هي دولة المركز والدويلات الأخرى تدور في فلكها، التطبيع يشكل ضربة قاسمة لاي مشروع عربي في المستقبل. التطبيع هو اعتراف بالرواية الصهيونية التي تنفي وجود الشعب الفلسطيني والحق العربي، في وقت تظهر كل معالم التاريخ والحضارة زيف هذه الرواية وتنقض من قبل مؤرخين إسرائيليين ودوليين كثر ومتزايدين. التطبيع جريمة لا تغتفر لانه من الطبيعي ان الرواية الصهيونية تنغرس في ذهن بعض اليهود،ولكن ليس من الطبيعي غرس هذه الرواية الصهيونية في الفكر العربي والاسلامي والانساني.واخيرا ليعلم جميع الاشقاء ان الشعب الفلسطيني يرفض الركوع وسيبقى صامدا مهما كلف ذلك من تضحيات، وان الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض للتطبيع سيبقى القاعدة الصلبة في مواجهة كافة اشكال التطبيع.وان صمود الشعب الفلسطيني في ارضه في دولته هو بمثابة خط الدفاع الاول عن كل الدول العربية.وعلى المثقفين والمفكرين والاعلاميين العرب ان يكونوا على قدر المسؤولية في توعية الشعوب العربية من مخاطر التطبيع ورفض الروايات التوارتية اليهودية والمسيحية-الصهونية.