الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المواطن والسياسي في فضاء الفيسبوك: بين العزلة والانفتاح والدعاية

نشر بتاريخ: 26/09/2020 ( آخر تحديث: 26/09/2020 الساعة: 15:26 )

الكاتب: أحمد حمودة

تشير الكثير من الأدبيات النظرية بأن الفيسبوك ليس وسيلة، بل وأصبحت هناك حياة افتراضية أكثرً واقعية من الأحداث الواقعة أصلًا، فعلى سبيل المثال: عند حدوث حالة وفاة، فإن أول ما يقوم به أقرباؤه بعد دقائق إعلام الأصدقاء عبر فيسبوك أن لديهم شخص متوفى في عائلتهم.






لا ينفصل المشهد السياسي عن مشاغل الناس اليومية إذ أصبحت الأحزاب أكثر استخدامًا للفيسبوك معتبرة إياه إحدى الحلول أمام ضعفها وكثرة مشاكلها وحاجتها للتعبئة السياسية الحقيقية وعلى مستوى التواصل مع المواطنين، ولهذا حوّل السياسيون منصة الفيسبوك الى وسيلة إعلانية، وهناك اعتقاد لدى بعضهم أن هذا العجز قد يمكن تجاوزه من خلال الإعلان السياسي.
من هنا بتنا نرى في كثير من الأحيان قيام الكثير منهم بحملات إعلانية عبر الفيسبوك للترويج الى صورتهم (هوس السياسيين بالصورة) بمعنى أنهم لا ينظرون إلى شرعيتهم من مصدر التمثيلية. ولهذا تصبح مواقفهم ضعيفة أمام تيارات الرأي العام وبالتالي تنتبه إليها، وفي بعض المواقف أصبحنا نشاهد بعض القرارات السياسية تؤخذ بسبب ما يعتقد أنه تيارات الرأي العام في الفيسبوك، وهذه مقاربة تقودنا إلى وصفها " ديمقراطية الرأي"، بمعنى أن السياسيون يديرون الشأن العام من منطلق الصورة ومن منطلق استطلاعات الرأي العام وليس من منطلق السياسية والبرامج التي وضعوها.
بكل بساطة أتاح سياق "الملل من السياسة" مكانة الفيسبوك، إذ توّلد لدى الفلسطينيين اليوم خيبة الأمل من الديمقراطية ومن الطبقة السياسية، وباتوا يعبرون عن هذا الملل بأنواع مخصوصة جدا من الانخراط، وأضحى الفيسبوك ذلك المجال الذي يعبرون به عن استهزائهم من النخب السياسية وعن تعليقاتهم المريرة من الحياة السياسية.
وفي السياق نفسه تهتم برامج وسائل الإعلام التقليدية بمشاركة النخبة السياسية، زد على ذلك اهتمامها في الحياة الحزبية وكأن الحياة الحزبية هي الحياة السياسية، والنتيجة تكريس مشهد سياسي تغلب عليه الفرجوية والصراعات الحزبية الضيقة، أيضًا بتنا نرى مستوى أخلاقيات غير جيد ما دفع المواطنون للتوجه إلى الفيسبوك للتعبير عن هذا الاستياء وعن هذا الملل من السياسية.
والخلاصة، ساهم الفيسبوك في انغلاق الفلسطينيين داخل فضاءات فئوية وبات الفلسطيني لا يريد الاستماع إلا إلى الآراء التي تتجاوب معه وتتماشى مع أفكاره، وذلك نتيجة ضعف الثقافة الديمقراطية من ناحية ولعدم الانسجام السياسي بالآخرين من ناحية أخرى، فعندما يستمع المواطن رأي مختلف من أصدقاءه انتشرت ثقافة "بلوك". وفي النهاية إذا ما أردنا أن نؤسس فعلًا إلى ميديا اجتماعية لا يكون لها تأثير سلبي على الحياة السياسية، وجب تعزيز الحياة الديمقراطيّة التي تؤمن بالتفاعل الحقيقي مع المواطنين ودمجهم وإشراكهم في الحياة السياسية والشأن العام.