الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في كتاب الاعتقال الأداري للأسير عبد الرازق فراج نحو استراتيجية وطنية لمقاطعة جهاز القضاء الاسرائيلي

نشر بتاريخ: 30/09/2020 ( آخر تحديث: 30/09/2020 الساعة: 10:50 )

الكاتب: عيسى قراقع

من خلال معاناته الطويلة داخل سجون الاحتلال لمدة تزيد عن 15 عاماً منها 10 سنوات في الاعتقال الاداري التعسفي يضع الأسير عبد الرازق فراج في كتابه الذي سطره داخل السجن بعنوان (الاعتقال الاداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية) رؤية شمولية وخطة وطنية استراتيجية لمقاطعة جهاز القضاء الاسرائيلي باعتباره يقود الحرب الخلفية والعدوان على حقوق الشعب الفلسطيني ويشكل غطاء لكل الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب بحق شعبنا الفلسطيني.

يستند الأسير عبد الرازق في رؤيته الوطنية الى ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيين في تجربة الاعتقال الأداري التي تحولت الى سيف مسلط على رقاب الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني وتحت قناع ما يسمى محاكم الاعتقال الأداري التي وصفها بأنها ليست أكثر من مسرحية هزلية وختم مطاطي بيد جهاز الامن الاسرائيلي.

يفضح الأسير عبد الرازق في كتابه اجراءات الاعتقال الاداري التي تقوم به سلطات الاحتلال والتي تحولت الى اجراء روتيني يومي بديلاً عن المحاكمة الجنائية وقاعدة جارفة وعقاب جماعي طالت الكبير والصغير الرجل والمرأة ومن كافة فئات الشعب الفلسطيني.

تفتقد محاكم الاعتقال الأداري الى اجراءات المحاكمة العادلة وتنتهك بذلك القانون الدولي والقانون الدولي الأنساني واتفاقيات جنيف الرابعة وكافة المواثيق الانسانية بعد ان حولت سلطات الاحتلال قرار الاعتقال الاداري من اجراء استثنائي وطارئ وشديد القسوة ولأسباب قهرية الى قاعدة عامة وعمل انتقامي من الشعب الفلسطيني.

لازالت دولة الاحتلال في حالة طوارئ منذ النكبة عام 1948 حتى الآن، تستخدم قوانين الطوارئ البريطانية في قمع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال، ولازالت تضرب بعرض الحائط الأجماع القانوني والأنساني العالمي الذي يدين الاحتلال بسبب سياسة الاعتقال الاداري التعسفية والظالمة.

الأسير عبد الرازق في كتابه الهام المستند الى خبرته الشخصية والى الوثائق والمعلومات القانونية يعتبر الاعتقال الأداري جزء من التعذيب ويرقى الى جريمة الحرب والجريمة ضد الأنسانية، وربما هو أشد انواع التعذيب النفسي والاجتماعي بسبب سياسة الاعتقال المفتوح دون لوائح اتهام واجراءات محاكمة عادلة واستناداً الى ما يسمى الملف السري الذي يعده جهاز المخابرات، البقاء في السجن والانتظار والتلاعب بأعصاب الأسير وأسرته وعائلته، يتجدد الاعتقال ويقع الأسير بين الأمل واليأس كلما اقترب موعد انتهاء مدة الاعتقال، وتوقعات في المجهول وقلب كل ترتيبات الحياة للأسير وعائلته.

التعذيب بالاعتقال الاداري يلاحق الأسير الاداري في السجن ويلاحق أسرته وعائلته، ويلاحقه حتى بعد الأفراج، ويلاحقه في الأقامة الجبرية ويلاحقه خلال الضغط والمساومة عليه في أقبية التحقيق، فأما الاداري المفتوح واما الابعاد، لا مستقبل ولا حياة اجتماعية للأسير الاداري، وكان ذلك سؤال الطفلة حنين ابنة الأسير احمد قطامش وكان عمرها 7 سنوات عندما تساءلت: متى تتوحد العائلة؟ وكان ذلك هاجس باسل ابن عبد الرازق الذي لا يرى والده الا صوراً معلقة على جدار البيت قائلا: وجه أبي انظاره الى حائط السجن ووجهنا نحن انظارنا الى عدد قليل من الصور آملين ان تعيد الى الذاكرة لحظات قد جمعتنا يوما.

ربما صرخة الطفلة مجد ابنة الاسير المرحوم خالد دلايشة وكان عمرها 9 سنوات تكشف مدى الجريمة الانسانية للاعتقال الاداري عندما كتبت رسالة مفتوحة العينين قائلة: من يساعدني في عودة والدي حراً؟ لا يوجد شيء في هذا العالم يجعلني سعيدة، لا الملابس الجديدة ولا الحلويات والملاهي، الشيء الوحيد الذي أحتاج اليه هو ان يكون أبي معي.

الأسير عبد الرازق في كتابه يقول: ان جهاز المخابرات هو القاضي والجلاد، وان القضاة في كافة مستويات المحاكم في الاعتقال الاداري ابتداءً من محكمة التثبيت حتى المحكمة العليا يصادقون على أوامر الاعتقال الاداري، فدور القضاة صوري وشكلي والأسرى رهائن هذه المحاكم التي تحاول ان تجمل صورة الاحتلال امام العالم وتوهمه ان الاسير يخضع لاجراءات قضائية.

يستعرض عبد الرازق المواجهات التي خاضها الأسرى ضد الاعتقال الأداري سواء الأضرابات الجماعية او الفردية او بمقاطعة محاكم الاعتقال الاداري والتي لم تكن ذات شمولية تستند الى برنامج وطني جماعي من قبل الحركة الأسيرة، وبالرغم من شجاعة وبطولة هذه المواجهات التي وصلت الى حد الأسطورة وحركت قضية الاعتقال الاداري عالميا الا انه بقي تأثيرها محدودا أمام عنجهية الاحتلال واستغلاله عدم وجود موقف وحدوي في هذه المعارك.

الأسير عبد الرازق في كتابه ومن خلال تجربته المريرة يطرح أمام الشعب الفلسطيني وقيادته برنامجا هاما يتمثل باتخاذ قرار سياسي من قبل قيادة م.ت.ف والأسرى داخل السجون وكافة القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني بضرورة مقاطعة جهاز القضاء الاسرائيلي وعدم التعامل معه بأي شكل من الأشكال باعتباره أداة تعميق للاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني وغطاء لجرائمه المنظمة والمستمرة.

يقول الأسير عبد الرازق: لا يمكن ان يستمر المجتمع الفلسطيني في التعاطي مع محاكم الاحتلال، وانه حان الوقت لنزع الاعتراف بشرعية جهاز القضاء الاسرائيلي، واستكمالا للخطوة التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني امام استمرار انكار الاحتلال لحقوق شعبنا العادلة والمشروعة، حان الوقت لنزع قناع الشرعية عن سياسة الاحتلال من خلال مقاطعة شاملة ونهائية لمحاكمه الاستعمارية.

هذه الدعوة ذات البعد النضالي والقانوني والتي تحتاج الى نقاش فلسطيني معمق وواسع لبلورة موقف موحد تستند الى مجموعة من الحقائق اهمها ان جهاز القضاء الاسرائيلي هو أداة قانونية لتشريع الاحتلال وأنه لا يعترف بالقوانين الدولية والأنسانية في تعاطيه مع الشعب الفلسطيني ويطبق عليه القوانين العسكرية والحربية والتشريعات العنصرية والمعادية لحقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الأنسان، فهذه القوانين تشبه قوانين نيرنبرغ النازية كما وصفتها رئيسة محكمة العدل العليا الاسرائيلية ستيرت حيوت خلال مقارنتها بين القوانين التي يشرعها الكنيست الاسرائيلي والقوانين النازية.

الأسير عبد الرازق يدعو الى اسقاط ورقة التوت التي تغطي عورة جهاز القضاء الاسرائيلي الذي هو جزء من منظومة القمع الاحتلالية وجهاز تحول الى طمس الحقائق، وان نتوقف ان نكون ممثلين في مسرحيات محاكم الاحتلال والتي تعتبر النضال ضد المحتل بكافة اشكاله جريمة وارهاب.

يقول الأسير عبد الرازق: المستعمرون اطلقوا اسم (جز العشب) على حملات الاعتقال فرد عليهم الشاعر الأممي بابلو نيرودا قائلا: يستطيع اعداؤنا ان يقطعوا جميع الورود، لكن ابدا لن يكونوا سادة الربيع.