الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإنتاج المعرفي والبحثي العربي "بوصلة التنمية المفقودة"

نشر بتاريخ: 25/02/2021 ( آخر تحديث: 25/02/2021 الساعة: 12:04 )

الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق

عندما تخلو المجتمعات من العُلماء والباحثين وإنتاجهم العلمي والمعرفي فإنها بذلك حتماً ستفتقد للتنمية وبوصلتها في مختلف المجلات: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.. وغيرها؛ ذلك لأن العلم هو السبيل لنهضة الأمم وتقدمها ونفض غبار التخلف والرجعية والتقليدية عنها في كل شيء، ولقد صدق شوقي حين قال: "العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم".

وعندما نتحدث عزيزي القارئ الكريم عن النهضة والتقدم اليوم؛ فإننا نتحدث عن مقدار مُساهمة البحث العلمي والإنتاج المعرفي في صناعة عملية التنمية، وهذا المقدار ليس مُجرد سوق للورق أو تعدادٍ لألقابٍ ومسمياتٍ علميةٍ خاملة، فما هو مُكرر ومُستنسخ أو حتى مسروق ليس بالبحث العلمي ولا بالإنتاج المعرفي، فالبحث العلمي الحقيقي هو "مجموعة الإجراءات الرتيبة، والتي يستخدمها الباحثون؛ من أجل التعرف على جوانب مختلفة تتعلق بموضوع أو مشكلة ما، والهدف منه وضع الاستنتاجات، والتوصل لحلول فعَّالة يمكن تطبيقها في هذا المضمار"، وتُعَرِّف أيضاً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) البحث العلمي على أنه "نشاط منظم إبداعي يتم القيام به من أجل زيادة مخزون المعرفة، بما في ذلك معرفة الإنسان والثقافة والمجتمع، واستخدام هذه المعرفة لابتكار تطبيقات جديدة". وبالتالي يجب أن تكون هذه الجهود البحثية إبداعية فيما تُقدمه وتصلُ إليه من حلول مرتبطة بأولويات وقضايا المجتمعات المُلحّة، بحث ترسمُ في غايتها مستقبل الدول والشعوب ورغبتهم نحو التقدم والتطور المستمرين.

لكن التساؤل القائم هنا: أين البحث العلمي العربي ودوره في مجالات التنمية المختلفة؟، وما هو مقدار الاستثمار "المادي والمعنوي"؟ فيه وسط تلك الأزمات والمشكلات التي تعصف بالمجتمعات العربية وتقف عائقاً أمام تنميتها وتطورها وتقدمها، وهل البحث العلمي العربي مُجرد جهود فردية لا تستثمر؟ إضافة إلى ما هو مطلوب عربياً لكي تدور عجلة البحث العلمي والمعرفي خاصتنا لرفدنا بكل ما هو جديد ومُستحدث وقادر على معالجة مشكلاتنا المختلفة والمعقدة.

دعونا نبدأ بكلمة "جهود فردية" وهي فعلاً الحقيقة المُرّة التي ينتهجها العُلماء والباحثين العرب نظراً لعدم توفر الدعم والمساندة "المعنوية والمادية" لهم عبر توفير وتسخير الإمكانيات والمقدرات لتلك الجهود البحثية سواء كان ذلك على صعيد دولهم أو مؤسساتهم التعليمية والتي ينتمون لها ويعتزون بها وإن كان ففي حالات نادرة، وبالتالي تكون هذه الجهود في معظمها "أبحاث مهاجرة" تتلقفها الدول المهتمة بالبحث العلمي كسبيل للتنمية على حسابنا.

أما بخصوص الاستثمار العربي في مجالات البحث العلمي والإنتاج المعرفي فيكاد يكون مضمحلاً بميزانيات مالية تقارب الصفر نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (GDP)لتلك الدول، وإن خصّصت ميزانيات ما للبحث والتطوير فهي مُجرد أرقام لا أثر فعلي لها في صناعة التنمية، وهذا ما هو ثابت وفق دراسات وإحصائيات عالمية صادرة عن جهات اختصاص دولية مثل (البنك الدولي، واليونسكو .. وغيرها)، فالسباق المحموم اليوم بين دول العالم ليس فقط في نمو الناتج المحلي فحسبْ بل في حجم المخزون القومي المعرفي ونموه والمعروف بالاختصار(NIR)، فلقد غدت المعرفة اليوم قوة والقوة معرفة.

وأما المطلوب عربياً لأجل الاستثمار في هذا المجال الحيوي والهام الرافد لعملية التنمية هو أولاً: تخصيص الموازنات الحكومية والجامعية الكافية للإنتاج المعرفي والبحث العلمي، عبر تسخير كافة الإمكانيات "البشرية والمادية" اللازمة لتفعيل هذا الدور، وأما ثانياً: فتشكيل كيان بحثي علمي عربي إسلامي مستقل يُعيد للأمة العربية والإسلامية مجدها العلمي والمعرفي التليد، بحيث يأخذ على عاتقه توجيه بوصلة التنمية والتقدم في العالمين العربي والإسلامي من خلال تخصيص موازنة مُستقلة لهذا الكيان تساهم بها جميع الدول الأعضاء وذلك لمواجهة مشكلاتنا المعاصرة، والتي لن يكون آخرها جائحة كورونا وسباق اللقاح الذي خلا كلياً من التواجد العلمي العربي، ثالثاً: يجب علينا الاقتداء ببعض تجارب التنمية الناجحة في دول الجوار مثل تركيا وماليزيا .. وغيرها، وذلك من خلال إعادة استقطاب وجذب العقول العلمية والمعرفية والاستثمارية العربية المهاجرة والتي كانت السبب الرئيس في نجاح تلك التجارب التنموية الشبيهة سابقة الذكر، رابعاً: كما أن هذا الكيان العلمي والمعرفي العربي يجب أن يكون المقيم الحقيقي لجودة البحوث العلمية العربية المقدمة من الباحثين العرب، من خلال تطبيقه لأعلى معايير الجودة العلمية في البحث العلمي والتي تقود إلى الإبداع والتميز، بحث يساهم هذا الأمر في رفع مستوى المُساهمة والمشاركة العربية في البحث العلمي العالمي، ويربطه في آخر ما توصلت له العلوم المختلفة وتطبيقاتها لغايات القضاء على سوق الورق العربي في هذا المضمار ومسمياته البحثية، والعلمية، والأكاديمية الساكنة وكل ما هو مكرر ومستنسخ، وفي الختام فإن أي مجتمع لا يُفكر ولا يُنتج فكراً، لا يمكن أن يصنع حضارة غزيرة في إنتاجها الفكري، والعلمي، والمعرفي المتوقف عربياً منذ عقود، وكُلنا ثقة بأمتنا العربية شعوباً وحُكومات في إعادة أمجادها العلمية والمعرفية التليدة، والاستثمار في ما لديها من مخزون بشري وعقلي وإبداعي.