الجمعة: 10/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

من روائع التآلف احترام الاختلاف

نشر بتاريخ: 16/04/2021 ( آخر تحديث: 16/04/2021 الساعة: 00:11 )

الكاتب د. سهيل الأحمد

إذا اختلفت مع غيرك فانظر في أصل وضع هذا الأمر في نفسك، ولتربِّ نفسك على أساسه إن كنت طالباً للحق أو من حراسه.

فالخلاف أمر فطري طبيعي نفسي فكري واقع في الرأي والفهم والتعبير وفي تنوع المسير ومع الصغير من الأفراد والكبير، لا يصعب على المرء اجتنابه بل المطلوب تركه وليس استحبابه، فإن حصل عندك أسبابه فاعمد إليه إلى أن لا تثير عندك أي مشاعر سلبيّة، وتذكر دائماً أنه لا يذهب للود قضية.

ووطن نفسك على ألاّ تسيء الظن بغيرك، وتفهم من خالفك بحسن الظنّ وبالتفكر في المصالح واستعمالها واستغلالها، وتجنب المفاسد وعدم استقلالها ولترك استغلالها.

واحم نفسك من سيطرة الضغائن على من خالفك لتنجيها من المفاتن وترتقي بها مع من عاملك، وجّملها باستشعار الأخوة الصادقة نحوه مستذكراً مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه لأصحابه وأتباعه وأحبابه، فهو صلى الله عليه وسلم : قد أكرمهم وغيرهم إذ جعل أن وجهات نظرهم لها قبولها من حيث خطؤها أو صوابها، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد ومخالفك من الصنفين إما من صاحب الأجر أو من صاحب الأجرين، بشرط أن يكون المقبل على النظر أو الواقع في الخلاف أهلاً للاجتهاد وراغباً في التحلي بالخيرية والإسعاد، فقد قيل قديماً : رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي.

وجاء عن الشافعي محمد بن إدريس قوله: ما ناظرت أحداً إلا أحببت أن يظهر الله الحق على لسانه ، وقال الإمام مالك فيه: إن من أراد العلم النفيس فعليه بالشافعي بن إدريس فما كان منه إلا أن أجاب المرسل إليه كيف ذلك وفي المدينة مالك.

قد كان لبعضهم بعضًا تجلي الاحترام وتقدير الأفهام بالمقاصد الحسنة في خدمة العلم والتشريع، فرزقوا القبول بين الناس وجعلوهم للعلم أساس، وأنهم العون والنبراس، فازدهرت سيرهم وأفكارهم وانتشرت مذاهبهم وآراؤهم، وجعلوا لأنفسهم القدوة الحسنة ونجوا من الخوض على الألسنة.

كل هذا عندما تقبلوا غيرهم واستوعبوا مخالفيهم واسترحموا بمناصريهم بتعليمهم الأدب مع العلم والذوق الرفيع وأصول الحلم، وبجعلهم مسألة الوقوع في الخطأ من حيث الأصل أمر لا ينجو منه بشر وبأن الإبقاء عليه بلا حل هو السيء والخطر.

وهذا المبدأ مما فطر عليه الإنسان ولذا فقد وجب التعامل معه بمعالجة وعدم نكران، وعند طلب الحق لزم استحضار الغفران لتصويب الخلل ورفع الزلل وتقويم العوران.

فيا أيها المخالف قف وتفكر قليلاً هل أنت مفعم بالقيل والقال أم أنك مجتهد في الوصول إلى الحقيقة في كل الظروف والأحوال؟؟

فإذا علم عندك المقصد المطلوب وهو الوصول إلى الحق واستنارة الدروب، فاجتهد للوصول إلى الحق ولتسع في طريقك مسترشداً ومستفتحاً وإن تحلّى طريقك إليه بالمشقة والتطوّل واستقو لنفسك بتجنب التثقل، فحسبك الحق والخير والالتجاء إلى الله بالهداية والتوكل.

ولتجعل إضافة لذلك تقرير حقيقة أن من أراد أن يبقي على احترام الصديق وجب عليه الاعتراف به في حال الخلاف والضيق، وهذا كما أكرمه في وقت سعته إذ كان معه رفيق، ففي استشعار هذه الحقيقة يتقوى لديك طيب الحوار العميق ومبدأ النجاة من النقد الخريق، والتعرف على حق اللفظ والمعنى والمجلس والنظر على وجه التحقيق وتعد بناء عليه فيمن خالفك الشفيق، بفهم وتجرد وإيجاب واحترام غيرك وحسن السير على الطريق، والنابذ لضيق الصدر وأخطاء الخلاف المحيق.