الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

انواع جديدة من الانتفاضة

نشر بتاريخ: 27/09/2021 ( آخر تحديث: 27/09/2021 الساعة: 13:58 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

اندلاع انتفاضة مسألة وقت ليس ألا او هذا ما يقوله الاحتلال على الاقل، ذلك ان ممارسات الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة تفوق الخيال، قتلا او مصادرة او حصارا او اغلاقا او تنكرا للحقوق او حتى للوجود. لهذا، فإن تأخير هذه الانتفاضة هو ما تحاول سلطات الاحتلال ان تقوم به من خلال ما تسميه "تنازلات" او " حسن نوايا"، وكأن ما يقدمه الاحتلال انما هو مكرمة وليس استحقاقا.

العجيب في هذا ان اتفاق اوسلو - وعلى عكس ما كان الجميع يتوقع- لم يخفف من حدة الاشتباك ولم يهدئ من روع الاطراف او مخاوفها، بل ان هذه المخاوف زادت وتعمقت الى درجة ان هذه المواجهات وطولها وكلفتها وخسائرها وآثارها زادت بشكل كبير. ذلك ان اتفاق اوسلو قرأ من جهتين وفسر على وجهين. ولكن هذا ليس موضوعنا. اما موضوعنا فإن الشعب الفلسطيني الذي اكتوى بنار الانتفاضة الثانية التي تم عسكرتها بسرعة وذهبت في اتجاهات عديدة ادخلتها في ارباكات واسئلة صعبة ومواجهات محرجة، قد طور بعدها اساليب جديدة للتعبير عن الرفض والمقاومة. وهي اساليب جديدة اخترعت لتقليل الخسائر وحصر النتائج وتعميق الاثر، وهي وسائل اردات نيل الموافقة الاقليمية والدولية، وهدفت الى احراج الاحتلال ونزع الشرعية عنه، وتجنيد الاصدقاء والحلفاء، وكذلك هدفت ال عدم التشويش على الحياة العامة للمجتمع الفلسطيني، كما لم ترغب بأحراج أي طرف محلي او دولي، الأساليب المقصودة هي أساليب تم اللجوء اليها دون مسبق في كثير من الاحيان، وتقصد ومنهج وقرار في احيان اخرى. ويمكن حصر هذه الاساليب بما يلي:

اولاً: المواجهة المستمرة والطويلة للاستيطان في بؤر وأماكن محددة يتم تجنيد الجمهور والاصدقاء والاعلام المحلي والدولي من أجل إنجاحها وتعميمها، هذا النوع من الانتفاضات كان جديدا وقد اتى اكله ببطء ولكن بثبات. وهو اسلوب ذو إثر في تجنيد وابقاء الوعي والاستعداد جاهزاً، كما انه اسلوب قادر على التجنيد الخارجي والدعم الدولي، وما تزال نعلين وكفر قدوم امثلة حية على ذلك.

ثانياً: الاعتصامات واقامة الخيام والاضراب عن الطعام وهي اساليب جديدة لجأ اليها الشعب الفلسطيني من اجل لفت النظر وتعبئة الجمهور والضغط على صناع القرار وتجنيد الرأي العام العالمي والعربي، والاسناد الوجداني للأسرى بالذات.

ثالثاً: العمليات الفردية التي بدأت تقريبا منذ عام ٢٠١٥ وهي تختلف عن العمليات الاستشهادية التي اختلف عليها الفلسطينيون في حينه وخصوصا بعد تفجيري برجي نيويورك. العمليات الفردية هي ردود افعال لتردي الاوضاع وانسداد الافاق والاحساس العظيم بالذل والمهانة. ويخطئ المحتل إذا ادعى ان هذه العمليات هي نتاج اليأس الشخصي او الاحباط الذاتي، فهي برأينا نتاج حالة تاريخية بالغة الرداءة والسوء بسبب وحشية المحتل.

رابعا: تكاثر الوجود المسلح دون ارتباطات تنظيمية او مراجع سياسية تثقل هذا الوجود او حتى تضبطه الى حد كبير، وعلى الرغم من ان المحتل أراد اغراق الضفة المحتلة بالأسلحة من خلال غض بصره عن الفتحات في جدار الفصل، رغبة من هذا المحتل في ان تزداد الجريمة والعنف في المجتمع الفلسطيني ودفعا منه للاقتتال بين العائلات والعشائر. ان تزايد ظاهرة المسلحين في الضفة المحتلة يقطع على المحتل هذا الامر من جهة ولوعي العائلات الفلسطينية وانتمائها الوطني من جهة اخرى.

خامساً: مسيرات العودة التي بدأت في قطاع غزة واستمرت لمدة عام كامل تقريباً (٢٠١٩-٢٠٢٠) مع ما صاحبها من انشطة تمارس لأول مرة مثل البالونات والارباك الليلي واحراق الكاوشوك، وهذا اسلوب يمارس ايضا لأول مرة، في طول المدة وتعدد الاساليب والانشطة وللأثر الذي احدثته.

سادساً: المسيرات الجماهيرية الاسبوعية او المنظمة من قبل القوى والفصائل الوطنية، وهو الشكل المعهود والمعروف والذي مارسه الشعب الفلسطيني دائما، والذي ينتهي بالاشتباك مع المحتل وقد يصحبه سقوط شهداء.

يجب القول هنا ان ما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة هو انتفاضة من نوع اخر، هي ليست الانتفاضة الجماهيرية كما عرفناها، لأسباب انقسام الشارع والاختلاف على الشعار والهدف ولتغير أولويات الجمهور ولكنها اشتباك مع الاحتلال بشكل يكاد يكون يومي، انتفاضة ليست كما يريدها المحتل، وليست على مقاسه ، لا مضموناً ولا توقيتاً ولا نضجاً. الانتفاضة الحالية، هادئة، متموجة، مؤثرة، مفاجئة، فإذا اضفنا الى ذلك ما تقوم به قوات الامن الوطني من اعتراض لدوريات الاحتلال في بعض الاحيان، فإننا امام حالة اشتباكية قد تتطور الى ما لا نعرف خصوصا ان الاحتلال لم يتوقف لحظة واحدة عن استباحة كل شيء فلسطيني.