الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحرك بعكس التيار العالمي السائد

نشر بتاريخ: 13/01/2022 ( آخر تحديث: 13/01/2022 الساعة: 23:03 )

التحرك بعكس التيار العالمي السائد : المقاومة الشعبية كقاطرة لنقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال

ملخص مداخلة د. وليد سالم في مؤتمر معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي يوم ١٠ كانون ثاني ٢٠٢٢

هدف المقاومة الشعبية ليس هو مجرد مقاومة الاحتلال ، بل هو أن تنقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال كونها الأسلوب والأداة التي تمارس إلى حين تحقيق هدف الحرية والاستقلال هذا . جاء التأكيد على هذه النقطة في بداية المداخلة من أجل مواجهة نزعة تقديس المقاومة الشعبية من جهة وكأن استمرارها ولو بدون اتجاه هو الهدف بحد ذاته ، أو جعلها مجرد وسيلة لمقاومة الاحتلال دون ربطها بهدف انهائه .

دارت المداخلة حول اشكالية دور المقاومة الشعبية في نقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال في ظروف القرن الحادي والعشرين التي باتت مختلفة عن ايام الانتفاضة الاولى لعام ١٩٨٧، وحتى عن ظروف الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠، وهو ما يقتضي أولا فهم المتغيرات الجارية دوليا وعربيا واسرائيليا وأثرها على المقاومة الشعبية واتجاهات فعلها لتحقيق الانتصار ، كما أنها تقتضي توسيع مفهوم المقاومة الشعبية من أجل فلسطين ليشمل اتجاهات أكبر من السابق من جهة وليصبح العالم كله ساحته من جهة أخرى .

في فهم المتغيرات الدولية والعربية والإسرائيلية أشارت الورقة إلى النظرة ما بعد البنيوية في الدراسات الأكاديمية الغربية التي ترى بأن التحرر الوطني لم يعد ذا معنى، وان حركات التحرر الوطني لم تعد ذات جدوى ، وان السرديات الوطنية قد فقدت وهجها في زمن أصبح فيه المد التقني هو السائد مما عزز التوجه إلى المهنية والتركيز على العمل الكفء بدلا من الاهتمام بالانتماء والحزبية والانخراط في حركات ثورية كما جاء بذلك فرانسوا ليوتار. تنعكس هذه النظرة المنبعثة من كتابات أكاديمية في التعامل الدولي مع فلسطين في فترة ما بعد أوسلو على أنها أصبحت منطقة ما بعد نزاع ( Post Conflict Region) من المهم العمل فيها وفق ما تقول اجندة المانحين الدوليين على بناء مؤسسات دولة ومجتمع مدني مما يقتضي المهنية والكفاءة والحياد والبعد عن الحزبية والانتماء والكفاح الوطني ، وهو ما أثر على قطاعات من أبناء الشعب الفلسطيني التي صدقت هذه التوجهات وعملت في إطارها . ومن المفارقة أن هذا التوجه الدولي قد ترافق مع اتجاه اسرائيل إلى مزيد من التطرف ضد حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه ووجوده ، عبر عن ذروته قانون القومية لعام ٢٠١٨ الذي عاد لفحوى تصريح بلفور لعام ١٩١٧ والتي تفيد بأن كل فلسطين هي حق حصري لما سمي ب " الشعب اليهودي "، فيما تقتصر حقوق غير اليهود فيها على الجوانب الفردية والطائفية . وتعزز هذا التوجه الاسرائيلي في صفقة القرن التي لم تلغ لاحقا ، وفي توجه دول عربية جديدة للتطبيع مع إسرائيل ضمن ما عرف باتفاقيات ابراهام .

ما هو مفهوم المقاومة الشعبية الفلسطينية وركائزها وآلياتها في ظل هذه المعطيات ؟

حاولت الورقة الاجابة على هذا السؤال بالإشارة أن المقاومة الشعبية الفلسطينية تتطلب توسيع مفهومها ليشمل أشكالا ستة هي المقاومة السياسية والدبلوماسية ، والمقاومة الاقتصادية التنموية ، والمقاومة القانونية ، والمقاومة الكفاحية الميدانية ، والمقاومة المعرفية ، والمقاومة الإعلامية مع التركيز على أهمية الفضاء المجتمعي الجديد الذي تعززت أهميته خلال هبة نيسان - أيار المقدسية ، وما استطاع الفعل في هذا الفضاء من جعل العالم كله ساحة لدعم فلسطين عبر تجنيده لتضامن دولي عال جعل وسم " انقذوا الشيخ جراح " يصل إلى كل أرجاء العالم ،وتجلى ذلك في المظاهرات والفعاليات والأنشطة المقاطعة وسحب الاستثمارات التي تمت في تلك الفترة . وعليه فإن المفهوم الجديد للمقاومة الشعبية الفلسطينية قد بات يتطلب توسيعه ليشمل الأبعاد الستة المذكورة من جهة ، وليشمل استخدام المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل وتوسيعها ، و استخدام الفضاء المجتمعي الجديد بفعالية من جهة ثانية ، وكذلك ليشمل ثالثا جعل العالم كله ساحة فعل المقاومة الشعبية الفلسطينية والتركيز على فعالية اللاجئين الفلسطينيين والجاليات الفلسطينية لتكون محور تنظيم فعاليات المقاومة الشعبية عربيا ودوليا بالتعاون مع قوى التضامن وأعضاء برلمانات ووزراء سابقين وحاليين ومنظمات مجتمع مدني في كل دول العالم .

حللت الورقة أن تعزيز المقاومة الشعبية وفق متطلبات القرن الحادي والعشرين تستلزم وضوح الرؤية والهدف ، والإرادة والمثابرة والصبر ، ووحدة الشعب الفلسطيني ووحدة عمله في كافة أماكن تواجده ، وتوفر القيادة القادرة على تنسيق الجهود ورصها مع بعضها البعض بشكل متناغم ، وتعزيز المشاركة لكل فئات وقطاعات وأجيال المجتمع الفلسطيني في الوطن والخارج وبالتفاعل بين الشعب والقيادة ، بمشاركة كل الفصائل والقوى والأحزاب على قاعدة مبدأ اللقاء على أرض المعركة رغم التباينات السياسية وإطلاق طاقات المجتمعات المحلية الفلسطينية ، وتعزيز المشاركة العربية والعالمية في جهود المقاومة الشعبية من اجل فلسطين على كل المستويات، وإطلاق المجال للمبادرات الإبداعية في تنظيم المقاومة الشعبية سيما من الشباب ومن الجاليات الفلسطينية في كل أنحاء العالم . يضاف لذلك تطوير خطط المقاومة الشعبية الفلسطينية تضمن التواصل والاستدامة وتحقيق إنجازات وتركيمها على بعضها البعض ضمن إطار من التعلم من المبادرات السابقة عبر تقييمها واعادة الكرة بطريقة جديدة كل مرة . هذا إضافة لتنويع أشكال المقاومة الشعبية وأدواتها وملائمة كل أسلوب من أساليبها لساحة العمل التي تنشط فيها ، وخلق نماذج ناجحة من المقاومة الشعبية والبناء عليها وتعميمها، والاستناد إلى تقييم انتفاضات الشعب الفلسطيني السابقة ، لاستلهام دروسها ضمن الواقع الجديد المتغير محليا ودوليا .

تطرقت الورقة بعد ذلك لواقع المقاومة الشعبية في فلسطين حاليا ، موضوعيا لجهة صعوبات ممارسة شكلها الكفاحي الميداني التقليدي داخل مدن فلسطين نظرا لوجود جيش الاحتلال خارجها ، وبالتالي تبعثر اماكن ممارستها في القرى الاقل عددا من حيث السكان، وصعوبات إطلاق كفاح ميداني من غزة المحاصرة ، وذاتيا لجهة محليتها ونخبويتها في بعض المواقع وضعف المشاركة فيها ، وعدم وجود مشاركة شعبية واسعة فيها ، وفي المقابل سلطت الضوء على التجارب الفاعلة في الشيخ جراح وسلوان والخان الأحمر وبيتا وغيرها، مبينة أسباب نجاحها ، حيث تميزت بمشاركة شعبية فلسطينية واسعة و بجلب عناصر المجتمع الدولي الموجودة في فلسطين للمشاركة مع الشعب الفلسطيني على الأرض في فعالياتها . ودعت الورقة إلى تقييم لمسيرات العودة في غزة وتعزيز دور غزة في أشكال المقاومة الشعبية القانونية ، والاقتصادية التنموية ، والمعرفية ، والإعلامية وفي الفضاء المجتمعي الجديد . ويؤكد هذا الواقع من جديد على أهمية ابتكار اتجاهات واشكال جديدة للمقاومة الشعبية الفلسطينية ، وإخراج شكلها الكفاحي الميداني من إطاره التقليدي القديم الذي يقتصر على مشاركة ميدانية فلسطينية وحسب ، والذي لم يعد ناجعا في الظروف الجديدة ، وبات يتطلب رصًا أكبر للصفوف الفلسطينية بمشاركة دولية واسعة على الارض وتغطية اعلامية واسعة وانشطة داعمة في مختلف أنحاء العالم لضمان النجاح .

في النهاية دعت الورقة إلى تركيز المقاومة الشعبية فلسطينيا ودوليا على قضايا القدس واللاجئين ومواجهة الاستيطان الاستعماري مع العمل لتركيم إنجازات في هذه الملفات تبنى على بعضها البعض وفق خطط عمل محكمة على طريق تحقيق الحرية والاستقلال ، ودعت الورقة لتطوير هذه الخطط من خلال حوار وطني تشاركي واسع النطاق بشأنها .