الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

العامل المشترك بين نظامي الفصل العنصري في اسرائيل والبائد في جنوب افريقيا هو العداء للانسانية

نشر بتاريخ: 15/01/2022 ( آخر تحديث: 15/01/2022 الساعة: 18:27 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

ثلاثة عقود انقضت في البحث عن حل تفاوضي ممكن لانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية كما نصت عليها الشرائع الدولية ولكنها وللاسف باءت بالفشل والمتضرر الاكبر من كل ذلك هو الشعب الفلسطيني صاحب الحق وصاحب الارض الذي ما زال يعيش المعاناة بكافة اشكالها بسبب استمرار الاحتلال الصهيوني العنصري وغير الانساني والسبب في كل ذلك هو بقاء الوضع على ما هو عليه.

من هنا جاء حرص الاحتلال على توظيف كل ما هو ممكن من اجل الحفاظ على هذا الوضع واستمراره وبالخصوص منذ اللحظة التي قرر فيها الاحتلال احاديا انهاء الوضع الذي شاركت القيادة الفلسطينية في صناعته وهو اتفاق اوسلو بالرغم من كل ما فيه من اجحاف وذلك باطلاق النار واغتيال اسحق رابين، كفيل ذلك الوضع الاوسلوي واستحقاقاته .

ولا ادري ان كان هناك حاجة لدعم صحة ما نقوله مع انه يكفي ان نذكر فقط بان الوريث الصهيوني الشرعي الضامن لاتفاق اوسلو وهو شيمون بيريز وبسبب انتهازيته ووصوليته تخلى عن الاتفاق المذكور كما وتخلى حتى عن حزبه الذي تبنى الاتفاق وارتمى بحضن الشيطان شارون من اجل تحقيق حلم حياته الشخصي بالفوز بمنصب رئاسة الدولة وهو ما افقده حتى احترامه لنفسه.

ما سبق هو تذكير بان كل ما تعلمناه في مدارس التاريخ والسياسة بخصوص تجارب الشعوب التي انتهت بنجاحات عظيمة من خلال التفاوض مثل هذه التجارب ليس لها مكان عندما يتعلق الامر بفلسطين ولا حتى بين السطور في الادب السياسي الصهيوني الذي تمت كتابته بالحبر العنصري وهو الذي لا يحترم ولا يعير اي قيمة لمن هو غير صهيوني ولا اقول يهودي لان هناك من اليهود من تم التمييز ضدهم ايضا بدليل اعتذار ايهود باراك في اخر سنة من االقرن الماضي لليهود الشرقيين بسبب التمييز ضدهم وهو التمييز الذي جاء صريحا على لسان مؤسس الكيان بن غوريون في تصريحاته العنصرية ضد اليهود من أصول عربية وهي الموثقة ومنها اقتبس عضو الكنيست عوفر كسيف مؤخرا في خطابه في الكنيست وهي ما زالت تنخر كالسوس في عظم المجتمع داخل اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال والتي بسببها يرى البعض من اصحاب الرؤى في اسرائيل ان السلام هوعدو وجودي لكيانهم الصهيوني نظرا لما يحمله لهم السلام بين ثناياه من عوامل التدمير الذاتي.

ما نقوله هو تاكيد على صحة ما ذكرناه بخصوص الوضع القائم واستغلاله صهيونيا وعليه فان بقاءه واستمراره واعادة تجريب ما تم تجريبه فلسطينيا لا يعني سوى اطالة عمر الاحتلال والقبول بالتعايش مع هذا الاحتلال وهو الاسوأ في التاريخ المعاصر وهو الذي ما زال لا تهتز له قصبة من هول جرائمه وبالرغم من عشرات القرارات الدولية الصادرة عن منظمة الامم المتحدة ووكالاتها ومؤسساتها وعلى راسها مجلس الامن والتي جاءت منددة بالاحتلال وبممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وكأن هذا الكيان الصهيوني هو فعلا فوق القانون.

الحركة الصهيونية هي من اسس وصنع كما اسلفنا هذا لوضع القائم الذي يتحكم بكل مفاصله نظام فصل عنصري صهيوني (ابارتهايد) وذلك بسبب ان العنصرية جزء اصيل من طبيعة هذه الجركة وهو ما يفسر بان الكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد الذي بقي على علاقة متينة بالنظام العنصري في جنوب افريقيا على عكس كل دول العالم الاخرى التي قاطعته في حينه، ليس ذلك فحسب وانما ساهمت هذه الحركة الصهيونية كثيرا في انعاش ذلك النظام البائد وامدته بعناصر البقاء كوسيلة لا تفسير لها غير التغطية على نظامها في اسرائيل.

وفي نفس السياق لا ادري اذا كانت مجرد مصادفة ام انها وحدة حال وهي ان الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا شرعت في تطبيق نظام الابارتهايد في دولة جنوب افريقيا في سنة 1948 وهي السنة التي اقامت فيها الحركة الصهيونية كيانها على حساب الشعب الفلسطيني وارضه.

ما صرح به اهل جنوب افريقيا بخصوصية ومتانة العلاقة بين اسرائيل ونظام الفصل العنصري كانت كلها شهادات اثبات التوأمة الشيطانية للنظامين ، هندريك فيرورد رئيس وزراء نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في ستينات القرن الماضي قال في حينه بان "اسرائيل هي ايضا دولة ابارتهايد" اما تصريحات الزعماء المعادين لنظام الفصل العنصري فحدث ولا حرج ولكن وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الراحل القديس ديزموند توتو الذي فاجئنا بتصريحه عندما زار فلسطين حيث قال ان "نظام الفصل العنصري الصهيوني هو اسوأ بكثير مما كان عليه الامر في جنوب افريقيا العنصرية".

هذه التوأمة تستدعي ضرورة اعادة انتاج نفس الوسائل التي تم استخدامها في دحر النظام الجنوب افريقي وتوظيفها من اجل انهاء نظام الفصل العنصري في دولة الاحتلال والتي اعتقد جازما ان تلك الوسائل هي الوحيدة القادرة على ذلك .

هزيمة نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا لم تكن عسكرية وانما كانت بسبب استعداء ذلك النظام بممارساته للانسانية جمعاء وهو ما حدى بكافة شعوب العالم من التحالف واجبار حكوماتها على اعلان الحرب على ذلك النظام بمقاطعته اقنصاديا ومن ثم قتله جوعا وفي هذا الخصوص ما زلت اذكر ما قالته الراحلة مارغريت تاشر بهذا الخصوص وهو ان المقاطعة تعض لان لها اسنان ، بمعنى انها ستنهش جسد النظام في جنوب افريقيا وهذا فعلا ما حصل.. من ناحية اخرى لا بد من التذكير في هذا السياق ايضا بان شعوب العالم لم تقف الى جانب الاغلبية السوداء المضهدة من قبل الاقلية البيضاء الحاكمة في جنوب افريقيا بسبب لون بشرة هذه الاغلبية وانما وقفت الى جانبها بسبب القيم الانسانية المشتركة بين الافارقة وبقية شعوب العالم وهي القيم التي كان يعاني نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا من فقدانها تماما كما يعاني نظام الفصل العنصري في اسرائيل ايضا من فقدانها.

ما حصل في جنوب افريقيا يفسر لماذا تخاف اسرائيل من حركة المقاطعة BDS اكثر من خوفها من مشروع ايران النووي وذلك لانها تذكرها بمصير توأمها الشيطاني النظام البائد في جنوب افريقيا ويفسر كيف ان اسرائيل توظف كل اسلحتها لمحاربة حركة المقاطعه دوليا وعلى راسها سيف العداء للسامية مع ان كل حروب الابادة التي مارستها اسرائيل ومنذ قيامها هي حروب ضد ساميين وهم الفلسطينيون.

ختاما نقول بان الاغلبية السوداء في جنوب افريقيا لم تعد تاريخ اسود وانما هي حاضر حر ومشرق والاهم انها انتصرت بوسائل ابداعية وهو ما يجب ان نفعله في فلسطين المحتلة ولا ادري لماذا لا يكون شعار مقاومتنا الشعبية "نحن والعالم ضد نظام الابارتهايد في اسرائيل " شعار نرفعه على واجهة مبنى التلفزيون الفلسطيني وعلى شاشته ايضا ليكون محفز ليس لابناء شعبنا فقط وانما لكل من لديه حس انساني في العالم الذي اصبح بفضل الاعلام وتكنولوجيا التواصل الاجتماعي قرية صغيرة .