الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإعلام والآثار النفسية لجائحة كورونا على الطفل وسبل مواجهتها

نشر بتاريخ: 15/01/2022 ( آخر تحديث: 15/01/2022 الساعة: 18:34 )

الكاتب: د. سعيد شاهين

الطفرة المعلوماتية لا تقتصر على البالغين فقط بل طالت قطاع واسع من الأطفال، الذين يتعرضون لكم هائل من المعلومات، التي تطال شتى مجالات الحياة. ولعل اهمها ما يتعلق بجائحة كورونا ومخاطرها والوقاية منها والحجر الذي طال الملايين حول العالم بمن فيهم الاطفال الذين لم يعهدوا ظروفا كهذه من قبل. حجم المعلومات والاحاطة التي تنشرها وسائل الاعلام بكافة صنوفها اصابت الالاف بالرعب والخوف خشية الاصابة بالوباء القاتل ومنصات التواصل التي ضجت وتضج بالمعلومات حول الوباء لم تترك أحد بمعزل عن التأثر بها، وربما تكون شريحة الاطفال الاكثر تأثرا بالتدفق المعلوماتي كونها الاكثر تعرضا للفيديوهات على الفيس بوك واليوتيوب وغيرها من المنصات.

ومع ظهور الجائحة وتفشيها وظهور السلالة تلوى الأخرى، تبنت وتتبنى الكثير من الدول اجراءات قاسية لم تعهدها شعوب العالم خلال القرن الماضي والحالي ومنها سياسة الحجر التي بنيت على اساس التباعد الاجتماعي للحيلولة دون انتشار الجائحة وفقدان الأرواح، كما حصل في بلدان مثل ايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة والبرازيل، التي بلغت حصيلة الوفيات فيها بمئات الالاف.

هذه الاجراءات جعلت منصات التواصل ووسائل الاعلام الاخرى تستفيد من حالة الحجر لصالحها كون الجمهور لا خيار امامه سوى متابعتها وخصوصا الأطفال، الذين ازدادوا تمسكا بأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية لمليء فراغهم واستبدال اللهو الطبيعي بالألعاب الرقمية ،مما فاقم حالتهم النفسية وخصوصا عندما يتعلق الامر بمشاهدة الفيديوهات، التي تروي قصص المعاناة لدى البعض جراء الاصابة بالجائحة وأحيانا المبالغة التهويل من اجل حصد مشاهدات كبيرة.

التدفق الهائل للمعلومات حول الجائحة دون حارس البوابة الامين (التعرض المقنن) الذي يضع نصب عينية مصالح الجمهور ومنهم وعلى رأسهم شريحة الأطفال، التي لم يكتمل نضجها لتستوعب هذا الكم الهائل من المعلومات حول كورونا وكيفية التعامل معها وما يمكن ان تلحقه بالإنسان وخصوصا بعد ما جرى في ايطاليا وفرنسا واسبانيا والهند وغيرها من الدول المنكوبة بالفايروس الخطير. وهنا لا يقف التدفق عند وسيلة اعلام بعينها سواء حديثة أو تقليدية، بل كل الوسائل وخاصة المرئية منها لما لها من خصوصية تتعلق بالمشاهدة والأدوات التوضيحية الاخرى والتي عمقت وفاقمت من الاثار النفسية الواقعة على الاطفال باستثناء بعض منها راعت هذا الجانب الامر الذي، انعكس سلبا على سلوكه الصحي والنفسي والغذائي لدرجة ان البعض منهم وبسبب اجراءات الحجر دخلوا في حالة من الاكتئاب وأحيانا البكاء دون أي سبب وخصوصا في فترة الحجر وابعادهم عن اللهو مع اقرانهم فيما يسمى بالعزل الاجتماعي. ان وجود مادة اعلامية مدروسة تحمل مضامين توعوية للطفل وتقدم بأشكال مختلفة تلامس مستوياتهم العقلية والنفسية وتعبر عن اهتماماتهم وتراعي خصوصيتهم وخاصة المراهقين منهم والتي يمكن لها ان تساهم في وضع حد للتدفق الغير مسؤول للمعلومات حول الفايروس وتساهم في خلق وعي صحي لدى الطفل يحميه من الجائحة دون دفعه للإصابة بالهلع والخوف والرعب من الجائحة، والذي اصاب الكبار قبل الصغار وأدى الى وفيات اوساطهم.

الطريقة المثلى لمواجهة هذه المشكلة تتمثل في اشراك الاطفال ذاتهم في تقديم محتوى اعلامي تحت اشراف خبراء اعلام تربويين وبقوالب مختلفة وبأسلوب جذاب ومشوق وبعيد عن خلق الهلع والاهم كيف يمكن مساعدة الطفل على مواجهة ظروف الحجر الصحي وسياسة التباعد الاجتماعي الغير مدروسة وتوظيف اليوتيوب، لهذا الغرض لتقديم محتوى ناجح وناجع للأطفال يجنبهم جزء كبير من المشاكل التذي ذكرت ويعوضهم عن حالة الحجر المنزلي.

وللأهل دور كبير في حماية ابنائهم من طغيان الاعلام الحديث وتقنين المشاهدة وترشيدها بشكل يضمن للطفل التواصل والحصول على محتوى ايجابي عبر تبسيط المعلومة وطريقة سردها بشكل يضمن للطفل تحقيق التأثير المطلوب، وهنا لا بد من الاشارة الى ان بعض من وسائل الاعلام قدمت اساليب ناجحة في توصيل المعلومة، بحيث ساهم في تجنب الاطفال مخاطر ارتدادات التدفق المعلوماتي الغير مقنن.

كما وانه لا بد من مشاركة طفلك في مشاهدة كل ما يراه على شاشة التليفزيون او الهاتف الذكي، واجعل مشاركتك إيجابية تخلق بها جوًا من الألفة والمحبة، وجوًا من التعليم والتربية السليمة القائمة على ثقافة الحوار والتفاهم والإبداع.

وحول كيفية مساعدة الطفل على التعامل مع المعلومات التي تقدمها وسائل الاعلام حول كورونا تقول د. KAREN ROGERS أستاذة علم النفس الاكلينيكي في مستشفى الأطفال بلوس انجلوس "من أهم الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار أن الأطفال يعتمدون على البالغين لفهم العالم من حولهم.

لذا، سيشعر الأطفال بالقلق بشكل أكبر أو أقل بناءً على كيفية تواصل الكبار الموجودين حولهم معهم كما ويحتاج الأطفال والمراهقون على حد سواء إلى مساعدة البالغين لهم على وضع هذا الموقف في منظوره الصحيح ".

وتضيف د. Rogers: "من المهم تعريف الأطفال بأن معظم الأطفال ليسوا معرضين بشكلٍ خاص لفيروس COVID-19". "كما يمكن للبالغين إخبار الأطفال أن معظم الأطفال لا يمرضون بشدةٍ من الفيروس. وذلك سيساعدهم على تقليل الشعور بالقلق".

وعليه بمقدور الوالدين وحتى الاشقاء الكبار ان يبينوا للأطفال ان "الحجر المنزلي الصحي" يساعد ويساهم في الحد من انتشار الجراثيم بأنواعها ويسهل عمل الاطقم الطبية رغم ان ذلك يسكون ثقيلا على الأطفال الذين اعتادوا اللهو والتواصل مع اقرانهم اجتماعيا وحتى للبالغين.

فإغلاق المدارس والانزواء مع وسائل الاعلام الجديدة له تداعيات صعبة ومرهقة، تتمثل في دخول الأطفال في حالات من البكاء المفاجئ والاكتئاب وضعف المناعة والعادات الغذائية غير الصحية وغيرها ولمساعدتهم على ذلك، لا بد من التفكير في العاب مشتركة ممتعة وفكاهية ومرحة تساعدهم على الخروج من حالة العزل الى جانب وضع جدول خاص بالدراسة الذاتية بمشاركة الاهل تشعرهم فيها بان وقتهم مليء بالأعمال المفيدة وجعلهم يتواصلوا مع اصدقائهم افتراضيا والاهم من ذلك هو جعلهم يشعرون ان كل هذه الإجراءات مؤقتة وسينتهي كل شيئ وستعود الحياة الى مجاريها .

والاهم من كل ذلك تقنين متابعتهم لوسائل الاعلام وفتح النقاش معهم حول أفكارهم بشكل هادئ بعيدا عن العصبية التي قد تفاقم من وضعهم النفسي وتدفع بهم الى حالة نفسية صعبة وخاصة المراهقين منهم.

*أستاذ الاعلام– جامعة الخليل