الجمعة: 10/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هدم المنازل ذاتيا .. ما بين الرفض والفرض

نشر بتاريخ: 02/03/2022 ( آخر تحديث: 02/03/2022 الساعة: 10:09 )

الكاتب: رولا سلامة

صور قاسية، ولحظات لن تنسى، وألم يكاد يقتل صاحبه، مشاعر غريبة لا يمكن وصفها، وشرحها، ولا يمكن أن يفهمها سوى أولئك الذين أجبروا على هدم منازلهم بأيديهم .
من أقسى الجرائم التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على المقدسيين والتي تعد سابقة في العالم، هي سياسة هدم منازلهم بأياديهم، أو ما يسمى " بالهدم الذاتي " ، فهو لا يترك لصاحب المنزل المهدد بالهدم خيارات كثيرة، فاما أن تقوم جرافات واليات الاحتلال بهدم المنزل، وعندها يتكبد صاحب المنزل اضافة لخسارته لمنزله مبالغ طائلة تقارب العشرة الاف دولار أمريكي، اجرة العمال والاليات والمعدات التي تستخدم في عمليات الهدم، وكذلك اجرة القوات الشرطية التابعة للاحتلال والتي تقوم بأعمال الحماية ، ولا ننسى كذلك اجرة كلاب الحراسة المرافقة للقوة الاسرائيلية، فهل سبق وسمعتم قصصا شبيهة في دول العالم ، بالتأكيد لا .
والخيار الثاني أشد ظلما، وهو أن يقوم صاحب المنزل وافراد اسرته بهدم منزلهم بأياديهم، بهدم أحلامهم وذكرياتهم ، بتدمير أشيائهم وألعاب أطفالهم ، وتدمير المسكن الذي حلموا به لسنوات، وعندها يوفر ثمن الهدم ليشتري طعاما لأطفاله .
وللعودة قليلا لشرح ظروف البناء بدون ترخيص في مدينة القدس، ولنتخيل فقط أن الفلسطيني في القدس الشرقية يحتاج في معظم الاحيان لعدة سنوات حتى يحصل على رخصة بناء، وكثيرا ما يتم رفضها ، وأن المساحة المخصصة للبناء في القدس الشرقية لا تتجاوز 10% في الوقت الذي يخصص للمستوطنات ما مساحته 35%، والتي تنتفي عنها الصفة القانونية، بموجب القانون الدولي وذلك حسب تقرير صادر عن مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية – الأوتشا .
أما العقاب الذي يناله كل مقدسي قرر أن يبنى منزلا له دون ترخيص بسبب رفض بلدية الاحتلال اعطاءه ترخيص بناء بحجج كثيرة، فسياسة الاحتلال بمنع اعطاء التراخيص ، أجبرت الفلسطيني المقدسي أن يقوم ببناء منزل يأويه وأسرته دون الحصول على اذن من بلدية الاحتلال ، ودون دفع تراخيص البناء التي تعد من الاعباء الثقيلة على كل اسرة تقرر أن تبني منزلا لها، وعلى الفلسطيني أن يختار ، اما أن يبني منزلا دون ترخيص سيهدم لاحقا بأليات الاحتلال أو بأيديه وأفراد اسرته ، واما أن ينتقل للسكن خارج حدود مدينة القدس، وعندها سيجد نفسه بعد سنوات يفقد حق المواطنة، ويطرد من المدينة المقدسة ، وتسحب هويته المقدسية ( هوية اسرائيلية) وتبدأ معاناة اخرى.

وتظهر بيانات مراكز حقوق الانسان المختلفة، أن جائحة كورونا وانتشارها وما تبعها من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية ، لم تمنع حكومة الاحتلال الاسرائيلي من تنفيذ عمليات الهدم والهدم الذاتي ، فقد شهد العام 2020 هدم ما لا يقل عن 70 منزلا لمقدسيين اضطروا لهدم منازلهم بأيديهم .
زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يقول: ان الضغوط على الفلسطيني داخل مدينة القدس كبيرة جدا ، والاوضاع الافتصادية صعبة للغاية، وتكلفة اصدار رخصة بناء تتجاوز 50000 دولار أمريكي للشقة الواحدة ، لذلك يضطر المقدسي أن يبني بدون ترخيص ليعاقب بعد ذلك بهدم منزله بيديه، وهو لا يملك أن يفعل أي شي لذلك على المجتمع الدولي أن يتدخل لحمايته، فالحق في العيش مكفول للجميع حتى ونحن تحت الاحتلال .
ويضيف الحموري " هناك ما بين 22000 الى 25000 قرار هدم في المدينة المقدسة ، فان نفذ هذا القرار فهو يعني خروج حوالي 100000 مقدسي من المدينة المقدسة بعد هدم منازلهم "
حسام العباسي من بلدة سلوان يقول :كنت أعيش مع زوجتي وابنتي في منزلنا الصغير، لم أقدم على رخصة بناء لأنني لا أملك المال لاستصدار الرخصة، فجاءني أمر الهدم، وقررت مع الاهل أن نهدم المنزل بأيدينا، لنوفر المال فليس بقدرتي أن أدفع تكاليف الهدم ، لم يستغرق الامر سوى يوم واحد ، ولكني لا أستطيع أن أنسى هذا اليوم ، صعب جدا ما حصل .
أما سمير ، فهو طفل في العاشرة من عمره ،شاهد والده وهو يهدم منزل الأسرة وكان يصرخ عليه : بابا أرجوك لا تفعل هذا ، اريد غرفتي أريد ألعابي اريد منزلنا ، كان يبكي ويصرخ الى أن جاء أحد الجيران واحتضنه وأخذه بعيدا، وما زال سمير يتحدث لمن حوله عن منزل الاسرة وتدمع عيناه باستمرار ، فكيف لهذا الطفل أن ينسى ما شاهده !
وللعودة قليلا للوراء ، ومحاولتنا جمع المعلومات عن تاريخ الهدم الذاتي للمنازل في مدينة القدس ، فقد شاهدنا تنفيذ هذا الأمر في العام 2010 حيث تم هدم 13 منزلا ، واستمر الحال في ازدياد الى أن وصلنا في العام 2019 لحوالي 39 منزلا وفي العام 2020 لحوالي 70 منزلا .
وبدأ العمل بهذا القرار في مدينة القدس ومن ثم انتقل للضفة الغربية، وأصبحنا نرى اسرا كثيرة في مختلف محافظات الضفة الغربية يفرض عليها جيش الاحتلال هدم منازلها بأيديها.
وأما الاثار السلبية التي تلحق بالاسرة فهي لا تعد ولا تحصى، ابتداء من الاب الذي قام بتنفيذ أمر الهدم بيديه ، وشعوره بالالم والقهر، الى الابناء الذين شاهدوا كل ما جرى، فكسرت الصورة التي كانوا يرسمونها للاب الحامي والحافظ والمدافع عنهم ، فتبدأ مشاكلهم النفسية امتدادا للزوجة / الام التي زادت الاعباء عليها، فهي عليها الاهتمام بالاطفال واحتضانهم ورعايتهم وتوفير الامن والامان لهم، بعد أن اهتزت صورة الاب أمام أعينهم وبعد أن شاهدوه يهدم منزلهم وأحلامهم وغرف نومهم .
ان المطلوب من الجميع الان ، مراجعة دقيقة ووطنية لعملية الهدم الذاتي ، ودراسة كافة جوانبها، ومحاولة ايجاد الحلول والبدائل لها، فلا يعقل بعد كل ما تفعله اسرائيل وكيانها الغاصب من عمليات قتل وتنكيل بالفلسطينيين أن نبيض صفحاتها، وأن نجمل صورتها أمام العالم وأمام الاعلام، وهل يعقل أن نهز صورتنا أمام العالم ولا نهز صورة الاحتلال ، فقد شاهد العالم الاف عمليات الهدم والترويع وحصار المنازل، ومشاهد وسمع الجرافات الاسرائيلية وهي تجرف منازل الفلسطينيين، وخرجت الاصوات منادية بتجريم الاحتلال عن كل ما يقوم به، فنحن نريد لهذه الصورة أن تبقى راسخة في عقول العالم أجمع، نريد أن يروهم كما هم على حقيقتهم ، ولا نريد أن نبيض صفحاتهم .

الكاتبة: الاعلامية رولا سلامة هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .