الكاتب:
سامي أبو سالم
قبلت إيران بوقف إطلاق النار بعد 12 يوم من القصف غير المتكافئ بينها وبين إسرائيل. إيران دولة كبيرة وقوية ولديها موارد وجيش وترسانة عسكرية لكن في المواجهة الحالية وفي حسابات موازين القوى أدركت أنها كلما طالت المواجهة أكثر ستخسر أكثر، فهي ليست في مواجهة إسرائيل لوحدها، بل في مواجهة الولايات المتحدة وغيرها، لذا آثرت القبول بوقف إطلاق النار لوقف النزيف وحماية مقدراتها وعلمائها.
الشئ بالشيء يذكر، فمنذ نوفمبر 1970 تحتل إيران ثلاث جزر إماراتية (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى) رغم أهميتها الاقتصادية والعسكرية قرب مضيق هرمز الاستراتيجي، لم تشن الامارات حربا على إيران، هذا لا يعني أننا تنازلت واستسلمت لكن الأرجح أنها تحسب حساباتها الخاصة بها فلو كان هناك تصعيد بين الدولتين، وبحسابات الربح والخسارة، الأغلب أن الخسارة الإماراتية أكبر.
والأمر نفسه ينساق على سوريا التي فقدت لواء الاسكندرون بعد سلخته تركيا عن أمه سوريا وضمته لها عام 1939، لم تستطع سوريا استرجاعه من تركيا القوية، فلم تدخل في حرب معها لأن النتيجة معروفة سلفا.
وعندما قرر هتلر صاحب القوة الجبارة غزو الاتحاد السوفيتي (1941) في العملية الشهيرة "بارباروسا" نصحه جنرالاته بعدم التورط في التوجه لموسكو فموازين القوى لا تسمح بتشتت الجيش بجانب عوامل المناخ وفقدان حليف مهم "ستالين" لكنه قرر الاستمرار وفشل هناك وكان هذا الفشل احدى اهم الخطوات لسقوطه بعد إنزال النورماندي. وسقط هتلر وخسر ستالين الذي كان يزوده بالمعادن لصناعته العسكرية ما يعني أن صناعته ضُربت في مقتل، لماذا؟ لأنه اغتر بنفسه ولم يستمع لمن يجيد حسابات الربح والخسارة.
نعم ربما لم تستخدم إيران كل الأوراق بيديها، فربما لديها أوراق لم تلعب بها بعد مثل اغلاق تام لمضيق هرمز أو عرقلة حرية الملاحة بشكل أو بآخر، سيما النفطية منها. أو هجوم سيبراني ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة لكنها لم تقم بذلك لأنها تحسب ردة الفعل، فاغلاق هرمز بمثابة أشبه بإعلان حرب على الغرب والعالم ولن تيمح لها القوى العظمى بذلك، وأي هجوم سيبراني سيرتد عليها بشكل أشرس هذا في حال استطاعت.
بمعنى أن إيران دولة قوية ولديها أدوات ضغط حقيقية لكن ورغم ذلك، من الواضح أنها لم تخض مواجهة هوجاء، وكل ضربة وجهتها للاحتلال كانت بحساب دقيق. وفي ظل الواقعية السياسية والحسابات الدقيقة هي تعي تماما أنها ستخسر المواجهة مع إسرائيل لأنها لا تواجه الجيش الإسرائيلي فقط. لذا آثرت الحفاظ مقدراتها من علماء وموانئ ومصانع ومحطات طاقة وآبار نفط ومخازن الحبوب وبنية تحتية، كما حافظت على البنية الأمنية والإدارية للدولة والأمن والسلم الداخلي.
حتى قطر، التي تعرضت لهجوم صاروخي إيراني- صحيح الهجوم كان ضد قاعدة أمريكية لكنه داخل الأراضي القطرية- لم ترد ولم تورط نفسها في مواجهة مع إيران، فلها حساباتها الخاصة المعلومة وغير المعلومة.
نرجح أن ما سبق هو ما جعلها توافق على إطلاق نار مع إسرائيل رغم الضربات الموجعة التي تلقتها ورغم أن صواريخها البالستية لم توجع إسرائيل بالقدر الذي أُوجعت به إيران، فلا مجال للمقارنة، فكانت الموافقة في صالح إيران 100%، هذا كله بعيدا عن التصريحات الإعلامية السابقة التي أطلقها قادتهم أبرزها "مسح إسرائيل عن الخارطة".
بيت القصيد، هل سيتعلم قادة غزة، أحلاف إيران المؤقتين، من التجربة الإيرانية الطازجة؟ هل سيحسبون الربح والخسارة ويقبلون باتفاق مجحف وظالم في غزة من أجل حقن دماء أبنائها ووقف المقتلة؟ نعرف أن نتنياهو عقبة كأداء في وجه أي اتفاق ويتملص من المفاوضات بشكل أو بآخر لكن هنا تأتي مهارة المفاوض إن تخلى عن منظوره الحزبي.
فهل سيتخذون من حكمة إيران نموذجا لوقف الجوع ووقف قتل المجوعين؟ أم سيتمسكون بالنموذج الإيراني الخاص ب "مسح إسرائيل عن الخريطة"؟ الذي يتناغم مع قدرة حماس على "تصنيع وتصدير صواريخ للدول العربية"؟ نأمل منهم حذو الشق الذي قرر الحفاظ على مقدراتهم... أزيحوا أصحاب مشاريع تصدير الصواريخ من غزة للدول العربية وأنقذوا ما تبقى فغزة ليست أقوى من إيران، وأرواح أولادنا ذخر استراتيجي شخصي ووطني إنساني ووجداني وليست "خسائر تكتيكية" كما قال خالد مشعل.