الإثنين: 27/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا أعارض سفر الفلسطينيين جوا عبر مطار رامون الاسرائيلي

نشر بتاريخ: 24/08/2022 ( آخر تحديث: 24/08/2022 الساعة: 18:00 )

الكاتب: الدكتور أمجد أبو العز

يحتدم النقاش في الأوساط الفلسطينية حالياً حول فكرة سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون الإسرائيلي، هل نسافر عبر هذا المطار؟ أم نستمر في السفر عبر جسر الملك حسين و(بالتسمية الفلسطينية "معبر الكرامة") ؛ جسر ألنبي (Allenby Bridge) والذي يربط الضفة الغربية بالأردن.

على الرغم من التحديات التي تواجهنا خلال سفرنا الى الأردن، والتي آمل ان ينجح الحوار الفلسطيني- الأردني الجاري حاليا بتذليلها قريبا، الا انني ورغم هذه التحديات أعارض فكرة سفر الفلسطينيين جوا عبر مطار رامون. انا مدرك انه عدد لا باس من الفلسطينيين يسافرون عبر مطار بن غوريون، ولعل قائل يقول "انه لماذا الان يطرح هذا الموضوع، وانه لا فرق بين المطارين ما دام "بعضنا" يستخدم المطارات الإسرائيلية منذ سنوات" ولم نعترض. ولعل اخر يقول ان المعاناة في السفر عبر جسر الملك حسين تدفعنا للسفر عبر رامون. اتفهم وجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع، الا انني اعتقد انه يجب علينا تفضيل مصالحنا الوطنية والقومية ولاستراتيجية طويلة الأمد على حساب مصالحنا قصيرة الأمد، وبالتالي يتحتم علينا تفضيل جسر الملك للسفر. الامر لا يقتصر على اختصار مدة السفر وإجراءات صعبة او سهلة، او تكلفة اقل او أكثر، لكن الامر يتعلق بأمور استراتيجية لهلا علاقة بالهوية والبعد الوطني والاقليمي، والدولي والاقتصادي. وبجب ان لا ننسى ان مطار رامون يقع على بُعد نحو 18 كيلومتراً شمال مدينة إيلات، كما يبعد نحو 340 كيلومتراً عن مدينة القدس المحتلة. اي انه يجب علينا قطع ما يقارب 5 ساعات في باصات مخصصة لنا للوصول اليه. اسباب معارضتي لاستخدام رامون وهي على النحو التالي:

أولا: لا اثق في مُحتلنا في استمرار سماحه لنا باستخدام مطاره، في ظل التجارب السابقة والاغلاقات المتكررة، سواء لا سباب أمنية أو طارئة او أعياد يهودية، او تحت حجج واهية مثل عاصفة رميلة او شمسية، وبالتالي سنصبح ضحية وتحت رحمة المزاجية الأمنية الإسرائيلية، ولا سيما ان المطار يقع داخل الحدود الداخلية، بعيداً عن حدود دولية او أطراف خارجية ممكن ان تتدخل لفتحه او السماح لنا باستخدامه في حالة قررت إسرائيل إغلاقه في وجهنا. بالمقارنة على الرغم من التوترات السياسية لم تلجأ إسرائيل لإغلاق الجسر الا خلال فترة الانتفاضة الأولى.

ثانيا: جسر الملك حسين معبر دولي، لا تستطيع إسرائيل إغلاقه لفترات طويلة، وحتى لو قامت ورغبت بذلك. إسرائيل لا تستطيع سجننا في ظل اتفاقيات دولية واتفاقية جنيف الرابعة، ولو أقدمت على ذلك فان أطراف عدة سوف تتدخل للضغط على إسرائيل لفتحه كونه نقطة عبور دولية. اول الأطراف المعنية باستمرار الجسر هو الأردن بحكم مصالحة الوطنية والقومية بالإضافة الى مصالحة الاقتصادية. والاردن يتمتع بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا ويستطيع التأثير في سياسات المنطقة.

ثالثاً: هل الطاقة الاستيعابية لمطار رامون يسمح له بالتعامل مع 5 الاف مسافر فلسطيني يوميا؟ هل تستطيع شركات الطيران التركية التعامل مع هذا الكم الهائل من المسافرين؟ في ظل استخدام طائرات سياحية صغيرة الحجم؟ والامر الاخر لماذا على الفلسطيني ان يساهم في الاقتصاد الإسرائيلي والتركي، عبر استخدام مطار إسرائيلي وشركات طيران تركية وحرمان الاقتصاد الأردني من أموال المسافرين الفلسطينيين؟ المستفيد الأكبر من سفرنا هو إسرائيل وتركيا ومطاراتها التي ستكون نقطة انطلاق لنا للعالم الخارجي. مع العلم أن الوجهات محدودة من مطار رامون.

رابعاً: بحسبة بسيطة عبر استخدامنا للسفر عبر جسر الملك حسين، نحن نضخ سنويا ما يقارب 7 مليار دينار أردني في الاقتصاد الأردني. هذه المبالغ تذهب لدفع رسوم السفر، ورسوم المواصلات والإقامة في الفنادق وتذاكر الطيران وتسوقنا من السوق الحرة، هذه تقديرات بسيطة والاغلب ان الرقم مضاعف. لذا أرى ان الاقتصاد الأردني أولى بالاستفادة من امول المسافرين الفلسطينيين، ولا سيما ان اللاجئين الفلسطينيين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع الأردني. بمعنى اخر، ما يتم انفاقه على السفر في الأردن يعود بالفائدة على الفلسطينيين المقيمين هناك وعلى اقتصاد دولة عربية مسلمة مستضيفة لأكثر من 3 ملايين فلسطيني منذ عام 1948؟ أي يعود على الفلسطينيين أولا.

خامساً: لماذا التباكي الإسرائيلي الان على معاناة سفر الفلسطينيين والظهور بمظهر الرحيم والحنون علينا، كان الاجدر تحسين الخدمات على الجسر من قبل الاحتلال، او اعطائنا الحق في السيادة على حدودنا وتفعيل مطار غزة، بدل التباكي ودق الاسافين وترويج لحق يراد به باطل. كما انه لا يوجد فرق بين مطار رامون والجسر حيث أن المسافرين الفلسطينيون سيختبرون الخطوات نفسها التي يمر بها الركاب عندما يغادرون عبر الجسر".

سادساً: استخدامنا لمطار إسرائيلي في تنقلاتنا هو رضوخ لإدارة الاحتلال وزيادة الترابط الاقتصادي معه، في حين ندعو ليلا ونهارا للانفكاك الاقتصادي عنه. واعتقد ان تجربتنا مع الموانئ الإسرائيلية أكبر مثال على ذلك. فبضائعنا المستوردة تبقى أشهر على ارصفة الموانئ الاسرائيلية وتحت رحمة المشرع لإسرائيلي. اسرائيل تتهرب من الاتفاقيات، واستخدام المطار يمثل مصلحة اقتصادية إسرائيلية ويمس بالسيادة الفلسطينية. هل قضيتنا سياسية ام انسانية؟ هل نضحي بحق تقرير المصير مقابل مساعدات وتسهيلات تحت خانة تحسين الوضع الانساني والمعيشي للشعب الفلسطيني؟

سابعاً: السفر عبر المطار يعني كما يقول المسؤولون الفلسطينيون يعني "عدم قدرة الجانب الفلسطيني على معرفة المسافرين من خلال المطار "وقد يستخدمه أشخاص محكوم عليهم قضائيا أو مطلوبون للقضاء الفلسطيني ويمكن لهؤلاء التهرب من التزاماتهم".

ثامناً: بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية لا يمكننا إغفال الجانب الاجتماعي العلاقات الاردنية الفلسطينية وتشابك المجتمعين وعلاقات المصاهرة والتاريخ والمصير المشترك. باعتقادي العمق الاردني مهم للقضية الفلسطينية.

تاسعاً: العلاقات السياسية الفلسطينية الأردنية تعتبر الان في أفضل حالاتها والتنسيق السياسي بين القيادتين اكبر مثال. والبناء على هذه العلاقة الصحية يتطلب النظر بطريقة استراتيجية بعيدا عن ردود الفعل المستعجلة و العواطف والأخطاء.

** رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الامريكية – رام الله