الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا العودة لمحكمة العدل الدولية

نشر بتاريخ: 14/11/2022 ( آخر تحديث: 14/11/2022 الساعة: 00:45 )

الكاتب:

د . رائد موسى

تقوم عملية التسوية السياسية المُعطلة منذ سنوات طويلة وخصوصا منذ اغتيال رابين، على أساس تنفيذ القرار 242 لمجلس الأمن، والقاضي بوجوب الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، والذي من مساوئه ان تنفيذه لا يندرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (الذي يجيز فرض التنفيذ بالضغوطات السياسية والاقتصادية وقطع المواصلات وصولا الى استخدام القوة المسلحة)، انما صدر القرار على أساس الفصل السادس من الميثاق (الذي يدعو الى حل المنازعات حلاً سلمياً)، بمعنى ان يتم تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي التي احتلها في عدوان العام 1967، عن طريق تسوية سلمية تتم من خلال المفاوضات. وعلى هذا الاساس ومنذ سنوات طويلة قد استقر الخطاب الدولي الى دعوة طرفي الصراع للتسوية السلمية بالمفاوضات، وكأن الطرفين متكافئين في المكانة في هذا الصراع، وبينهما فقط نزاع حدودي يتطلب الى حل سلمي، بينما في الحقيقة هي ان الطرفين احدهما معتدي محتل، والآخر خاضع لاحتلال طويل ممتد تمارس عليه كافة اصناف العدوان من هدم منازل وتجريف ومصادرة اراضي وترحيل واعتداءات جسدية بكافة مستوياتها.

رغم استمرار هذا الاحتلال بكل ما فيه من جرائم وممارسات عدوانية الا ان المنظومة الدولية تمسكت بالشرعية الدولية القاضية بضرورة حل النزاع بالتفاوض، هنا تم الوصول لطريق مسدود في مسار المفاوضات، وبعد ان أصبح الرفض الاسرائيلي للمفاوضات السياسية مع الفلسطينيين شعار انتخابي اسرائيلي وموضوع للمزايدات والتبجح السياسي الاسرائيلي، أصبح لابد من تغيير الاستراتيجية الدولية القائمة لحل النزاع، ومن أجل ذلك نجحت فلسطين في استصدار قرار من الجمعية العامة لطرح سؤالين على محكمة العدل الدولية:

الأول حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك اسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن الاحتلال والاستيطان والضم وتغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وعن التدابير العنصرية التي يشرعها الاحتلال.

اما الثاني فهو يتساءل عن الوضع القانوني للاحتلال والآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.

من أجل ان تقوم المحكمة بالإجابة عن الاسئلة، لا بد للمحكمة من ان تعيد استعراض مسار القضية الفلسطينية، وبالرغم من انها في فتواها السابقة بشأن مسار الجدار الفاصل قد حسمت قضية التعدي الاسرائيلي على خطوط الهدنة 1949 واقرت بانه غير مشروع، نأمل ان تعيد المحكمة النظر بمدى مشروعية استبدال حدود قرار التقسيم 181، بخطوط الهدنة لصالح اسرائيل، وأهم ما ننتظره من المحكمة بالإضافة للتأكيد على عدم شرعية كل ما يترتب عن الاحتلال وممارساته للتمييز العنصري، هو ان تقول المحكمة كيف يجب ان تتصرف جميع دول العالم والأمم المتحدة مع الاحتلال، وهنا مهما كان شكل الفتوى القانونية المأمولة، لن تكون اسوأ من تكرار الدعوة لإنهاء الاحتلال وحل النزاع بالتسوية السلمية فقط، كما ينص القرار 242 وغيره من قرارات ذات الصلة، انما نأمل ان تقر المحكمة بضرورة تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للضغط من اجل انهاء الاحتلال، ونأمل ان تدعو الدول لنبذ الاحتلال ورفض التعامل معه، وقتها ستُجبر الدول التي تحترم مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون لديها على الكف عن تكرار مطالبتنا بتسوية النزاع بالمفاوضات فقط، وستكف أو تتراجع عن محاولات حظر ومنع وتجريم حملات المقاطعة لديها ضد الاحتلال، وستتكسر فزاعة "معاداة السامية" التي اخترعتها اسرائيل.

لذلك تكمن أهمية هذه الفتوى بانها ستغير الاستراتيجية السياسية الدولية القائمة تجاه القضية الفلسطينية، والتي كانت قد استراحت واستكانت على ضرورة حل النزاع بالمفاوضات طبقا لقبول الطرفين بالقرار 242 كأساس لتسوية النزاع.

ولكن لربما يتساءل أحد، لماذا قمنا الآن بهذه الخطوة طالما هي مهمة جداً، هنا يمكن القول بان نتيجة الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي اكتسح فيها اليمين المتطرف، تساعدنا في هذه الخطوة حيث انها بالمقابل تُضعف موقف أي طرف دولي لا زال يتمسك بسياسة: انه لا حل الا بالمفاوضات، وانه لا يجوز لنا ان نستبق نتائج المفاوضات بخطوات سياسية احادية. هنا قادة الاحتلال المتطرفين حسموا الموضوع وصرحوا وأعلنوا وهتفوا بانهم لا يريدون التفاوض من أجل تسوية سلمية. فأُتيحت لنا الفرصة لنعيد قضية الاحتلال للشرعية الدولية لتعيد النظر فيها وبوسائل حلها التي أقرتها.