الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مخاطبات لمن يطلب نجاحًا وتقدمًا وقد أخذ بالأسباب

نشر بتاريخ: 14/11/2022 ( آخر تحديث: 14/11/2022 الساعة: 08:20 )

الكاتب:

د. سهيل الأحمد

إن من جماليات رقي المنهج العقلي في التفكير والتدبر؛ مراعاة التعمق في المعنى الحضاري للجد والاجتهاد في الوصول إلى هدفك ومبتغاك، وأن تبتعد عن سفاسف الأمور بامتثال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، لأن عوامل السعادة وأسباب نشوئها وتكونها ترتبط بتقوى الله تعالى، حتى تحقق الرضا المطلوب وتظهر طمأنينة النفس، التي توصلك في النهاية إلى النجاحات المرجوة. وفي هذا المقام يفطن إلى التذكير بأن العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون، وليعلم الذي تطلب نجاحًا وتقدمًا؛ أن علماً لا يبعده اليوم عن المعاصي، ولا يحمله على الطاعة، لن يبعده غداً عن نار جهنم والعياذ بالله تعالى، ولا بد من البيان أنه إذا لم يعمل اليوم، ولم يتدارك الأيام الماضية ويفطن لما فاته منها من دقائق ومطلوبات فسيقول غداً يوم القيامة: فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحاً .. وعندها يقال له: يا مسكين فأنت من هناك تأتي.. فكيف لك ألا تفطن إلى حقيقة ما تقوم به نفسك قبل أن تأتي من الدنيا دار العمل. وهذا لأن العلم والحكمة مكافآت يؤتيها الله لمن اشتد عوده وحسنت أخلاقه حتى يصل المرء إلى إحسان العبادة لله تعالى والإحسان لمن حوله من الناس، والعلم دون نفس تزكيه هباءً منثورًا، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، ولنعلم جميعًا في هذا المقام أن العلم والحكمة من الرزق، كما أن المال رزق يطلب ويحرص عليه. لقول الله سبحانه وتعالى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين". وذلك لأن الجزاء الحسن يرتبط بمظاهر العدل والصدق وعدم المن والإيذاء، بل والتأكيد على ركنية الإخلاص لله عز وجل في كل ذلك، ويجدر البيان هنا أنه لا يمكن للمرء تغافل ما يخالف ذلك من أعمال توقعه في الظلم والرياء والمن والأذى، وقسوة القلب والبعد عن أسس التقوى. وبالتالي استحقاق جزاء مغاير لما قصد من هذا الحديث المشتمل على عمق في التعبير وغزارة في المعاني يجدر ملاحظة ذلك والتذكير به، حيث قالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، وذكر فيهم؛ إِمامٌ عادِل... ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

مفارقات في العلاقات

الشخص الفارغ والجاهل فهو الذي لو كان لديه ما يقوله وما يقدمه للناس لجاء به وقدمه؛ ولكن لجهله وفراغه الموضوعي وقلة محتواه الفكري والنفسي؛ لجأ إلى الشكليات وجملها بالكذب ليصل إلى مبتغاه ومقصوده، وذلك عند من يظن أنه قد يمكنه من مراده، ولكن تأتي المشكلة هنا في تقبل العاقل له بل وبمدحه واستقباله وكأنه القريب الحبيب الذي لا يشق له غبار، بل وحتى بإظهار كل مظاهر التشجيع على أهمية التعلم منه، وتقبل ما يصدر عنه من الأقوال والتصرفات بغض النظر عن صحتها وبطلانها، مع أن أمثال هؤلاء قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم في حقهم: "تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْه"، وقال أيضًا: "ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا"، وقال كذلك: "من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة"، وبناء على ذلك فإنه يقتضي التذكير بأن من إشكالات التعامل مع الآخرين أن تحكم عليهم حسب ما تسمع بأذنيك عنهم من أشخاص من طبيعتهم مرض القلوب وهمهم الأساس الانشغال بالناس.. وهم من صميم بناء فكرهم التفاني في وصولهم إلى مصالح دنيوية فانية .. والحاصل أن في تقربهم خسارة لا تحمد عقباها.. مع أن الأصل والعدل إن ينبع حكمك على هؤلاء من خلال رؤية ذلك المسموع على الأقل.. أو الالتزام بأمر الله تعالى: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".