الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أميركا... زمان أول حوّل

نشر بتاريخ: 19/05/2023 ( آخر تحديث: 19/05/2023 الساعة: 15:04 )

الكاتب: محمد موسى مناصرة

لم تتوقف الولايات المتحدة الاميركيّة منذ 24 شباط 2022 وحتى اليوم، عن اطلاق التهديدات لمختلف بلدان العالم محذِّرة أيَّاها من التعاون مع روسيا الاتحاديّة، ومنها دول افريقيا واميركا اللاتينيّة والبلدان العربيّة، خاصة الخليجيّة ودول اسيا بمن فيها الصين المنافس الاقتصادي الابرز لاقتصاد أميركا.

اعتَقَد طاقم البيت الابيض والأتباع لهم حكّام دول اوروبّا، أن العقوبات غير المسبوقة في التاريخ، التي تم فرضها على روسيا ومنها اجراءات البلطجة بوضع اليد على الودائع والاصول الماليّة الروسيّة، ستخيف أي بلد في العالم اذا ما قرَّر مخالفة الارادة الاميركيّة.

زمان أول حوَّل، اجراءات البلطجة الاميركيّة، دفعت بالغالبيّة من دول العالم، وخاصة تلك الدول صاحبة الاقتصادات المتقدمّة والدول العربيّة المنتجة للنفط، والحليفة للولايات المتحدة أن تُفَعِّلْ في ذاكرتها المثل الشعبي "أكلت يوم أكل الثور الابيض" وما فعلته الولايات المتحدة مع روسيا ستنفذه بحقِّها بالبلطجة على ودائعها واموالها اذا ما خالفت سياساتها.

ليس هذا وحسب، جميع دول العالم باستثناء دول الحديقة على رأي بوريل العنصري، تعرف أن الولايات المتّحدة، هي المسئولة مباشرة عما آلت اليه الأوضاع في اوكرانيا، منذ أن كان جو بايدن نائبا للرئيس ومسئولا عن فيكتوريا نولاند، التي كانت تكلف بتنفيذ الاعمال القذرة لوزارة الخارجيّة الاميركيّة في اوكرانيا، واشرافها وادارتها للانقلاب الذي جرى العام 2014، وفي غيرها من البلدان. وتعرف غالبيّة الدول الشرق اوسطيّة والافريقيّة وفي اميركا اللاتينيّة التصرفات غير المسئولة لحلف الناتو بتمدده في مشاريق اوروبا وضمه لدول الشرق بعد تفكك الاتحاد السوفييتّي ومحاصرته لروسيا الاتحاديّة وتهديده للأمن القومي الروسي. وما هو أخطر بالنسبة لجميع دول العالم (الادغال بحسب جوزيب بوريل) هو رعاية وتمويل اميركا واوروبا للقوى النازيّة في اوكرانيا، مع زعيمها النازي اوليه تيهنيبوك، ومع الاحزاب سفوبودا، وحزب القطاع الايمن، وكتيبة آزوف، وجميعها تم ادماجها في الجيش النازي الاوكراني.

هذا عدى عن بلوغ غالبيّة الدول لحالة السخط والاشمئزاز من هيمنة الولايات المتّحدة وتصرّفها كشرطي يحدد للعالم ما هو شرعي او غير شرعي، ودعسها على مبادئ الشرعة الدولية وقوانين الشرعيّة الدوليّة، حين يتعلق الامر بمصالحها أو مصالح اسرائيل، وادراك جميع الدول في العالم، أن تصرف اسرائيل كدولة فوق القانون يحدث برعاية وحماية اميركية، فلا مصداقيّة للشعارات الاميركية بشأن حقوق الانسان وفي الموقف من مبادئ القانون الدولي.

ومنذ أن قررت روسيا الاتحاديّة الافطار على مخططات الولايات المتحدة وحلف الناتو ودول اوروبا قبل ان تكون هي وجبة الغداء لهم، وهيمنة الولايات المتّحدة على العالم في تراجع وانحدار، ولا اظنه سيتوقف، هذا ما جنته هي على نفسها بسياسات الاستعلاء والوحشنة بحق شعوب ودول العالم.

وبدلا من ان يتم عزل روسيا الاتحاديّة، ما يجري هو عزل اميركا وعزل اوروبا بتراكم كمي متزايد، إذ تتعزز علاقات روسيا الاتحاديّة بأفريقيا واميركا اللاتينيّة ومع دول الشرق الاوسط التي يتزايد خروجها عن الطوق وعن الطاعة المعهودة عبر العقود الماضية لأميركا، وتعززت علاقات روسيا بالصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وغيرهم، في اطار مجموعة بريكس، وتتعزز العلاقات الاقتصادية الصينية الروسية والروسية التركية، والروسية المصرية والروسية الاماراتية، ودول اوروبية مطيعة لأميركا بطرق ملتوية تواصل استفادتها من موارد الطاقة الروسية.

ليس هذا وحسب، تجري حاليا في قازان بروسيا اعمال المنتدى الاقتصادي الدولي (روسيا والعالم الاسلامي) بمشاركة 15 الف مشارك تداعوا من85 دولة، مخرجاته تعزيز علاقة روسيا الاتحاديّة بدول العالم الاسلامي، ورفض الهيمنة الاميركيّة والعالم احادي القطبيّة، وهو ليس المنتدى الاول بمثل هذا الاتساع، فخلال العام المنصرم عقدت العديد من المنتديات والمؤتمرات العالمية في روسيا وعلى عكس مما أرادته اشرعة الولايات المتحدة الاميركية تتعزز مكانة ودور روسيا الاتحادية في العالم، فيما تتقلص مكانة ودور الولايات المتّحدة واوروبا الحديقة في المقابل. ومن المتوقع انعقاد المنتدى الاقتصادي الانساني الروسي الافريقي الثاني من اجل السلام والامن والتطور في سانت بطرسبورغ تموز القادم، كدليل وبرهان آخر على انكسار الهيمنة الاميركية على العالم.
دول العالم تتدافع لبناء علاقات مع روسيا الاتحاديّة مع علمها بنهج العقوبات والتهديدات الاميركيّة وعلمها بالبلطجة الاميركيّة على اموال وودائع الاخرين.

اميركا لم تهزم بعد، ومن غير المتوقع هزيمتها راهنا، لكن هيمنتها واستعلائها على العالم ينكسران تحت وقع الانتصارات على النازية في اوكرانيا، وفشل أميركا فيها هو البداية للمرحلة الثالثة من مراحل تطور النظام الدولي.

انتهى