الخميس: 23/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المؤتمر الثامن لحركة فتح الوحدة الداخلية وليس سوى النجاح

نشر بتاريخ: 02/09/2023 ( آخر تحديث: 02/09/2023 الساعة: 16:35 )

الكاتب: أحمد غنيم

حدد الرئيس محمود عباس في كلمته في دورة المجلس الثوري الحادية عشرة التي عقدت في 25/8/2023، موعداً للمؤتمر الثامن لحركة فتح يوم السابع عشر من كانون أول للعام الحالي 2023، ومع أهمية معرفة خلفيات هذا القرار سواء الداخلية منها أم غير ذلك، لا بد من الترحيب بالقرار باعتباره شرط مسبق لكل تغيير مستحق ليس داخل حركة فتح فقط بل في الواقع الفلسطيني بشكل عام، بسبب من أهمية وطليعية موقع الحركة ووزنها في الشارع الفلسطيني والحكم والمنظمة والسلطة والشأن العام، من هذا المنطلق فإن عقد المؤتمر العام لحركة فتح شأن يتخطى البعد الداخلي التنظيمي، بل يعني كل أبناء الشعب الفلسطيني، ودول المحيط وعديد من الدول التي يدخل الشرق الأوسط في مجال مصالحها الحيوية. يأتي الموعد الجديد لعقد المؤتمر ضمن حالة ضعف وتفكك داخلي وانغلاق سياسي في مواجهة أعتى حكومة يمينية صهيونية تستهدف حسم الصراع وقلع الفلسطينين من أرضهم، وأمام تحولات عالمية هائلة لعالم يعصف بنتائج ومخرجات الحرب العالمية الثانية ويتجه إلى تعدد الأقطاب، وبعد موجة تطبيع لم ينتهي اندفاعها بعد من بعض الأنظمة العربية مع دولة الاحتلال، تكاد تترك الفلسطيني شبه عاري من حلفاءه الطبيعيين، تتجاذبه المحاور الدولية والاقليمية المتصارعة ويدفع وحده فاتورة التحالفات المتعارضة والمتناقضة، وبات مطالبا بالاعتماد على العامل الذاتي وتقديم أفضل ما لديه سياسيا ونضالياً لتعويض خسارته على المستوى الدولي والاقليمي، الأمر الذي لم تستوعبه بعد القوى المتصارعة في داخل حركة فتح وفي الساحة الفلسطينية .

ولا يخفى عن أحد أهمية استعادة حركة فتح لوحدتها الداخلية كشرط ونتيجة لعقد المؤتمر، الأمر الذي بات ليس مطلباً تنظيميا يخص أعضاء الحركة بل هو مطلب حيوي وطني واقليمي ودولي، يعتبر أساس لوحدة النظام السياسي الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية. ولا شك أن كل مؤتمرات حركة فتح، واجهت صراع إرادات من داخل الحركة ومن خارجها بما في ذلك من دولة الاحتلال، على خلفيات تتعلق بالنفوذ في صراع الإرادات الداخلية في جزئه الأكبر بما لا ينفي صراع إرادات سياسية داخل الحركة، وبالمقابل صراع إرادات من خارج الحركة يتعلق بهوية الحركة ودورها ووظيفتها بما لا ينفي صراع داخلي على هوية الحركة ووظيفتها. ولا يخفى على أحد اشتداد الضغوطات الخارجية المطالبة بترتيب الأوضاع الداخلية في حركة فتح وربما كانت واحدة من أهم الاعتبارات التي دفعت بالرئيس أبو مازن للدعوة لعقد المؤتمر الثامن، خاصة من دول المحيط الإقليمي القلق من الأزمة العميقة في الواقع الفلسطيني المتعلقة بالانقسام وغياب الوحدة الوطنية والانغلاق السياسي وتصاعد عنف الاحتلال وضعف الحالة العامة لمنظومة الحكم وعدم وجود ضمانات لانتقال آمن بالحكم في حال شغور موقع الرئيس، وما نتج عن ذلك من صراع، وأثره على أمن واستقرار الوضع في تلك الدول. وإذا كانت استعادة وحدة الحركة الهدف الأول من المؤتمر عدى عن كونه استحقاق تنظيمي وشرط أساس لاستعادة حركة فتح لدورها في عملية التحرر الوطني، فإن الطريق لتحقيق ذلك يتطلب الإعداد لمؤتمر موحد وعادل يجعل إقصاء الصراع داخل الحركة وعليها بديل لسياسة الإقصاء المتبعة ضد قيادات وكوادر الحركة. بما يشمل فتح أكبر ورشة عمل لمصالحة داخلية واسعة تضمن اقفال كل ملفات الخلاف الداخلي وقرارات الفصل التي اتخذت ضد قيادات وكوادر حركية، ما يمهد الطريق لمؤتمر موحد ناجح يتفرغ لوضع القضايا والتحديات الاستراتيجية التي تهدد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية على طاولة البحث العميق والاجابة على الأسئلة الكبرى ومواجهة خطة حسم الصراع وأشد الحكومات الصهيونية تطرفاً.

من الأهمية بمكان استخلاص العبر من تجربتي المؤتمر السادس والسابع اللذين عقدا داخل الوطن في بيت لحم ورام الله، وعمقا أزمة الحركة البنيوية بدل مواجهتها ومعالجتها، وبعيد عن منهج اللوم وإلقاء المسؤوليات هنا أو هناك، على قيادة الحركة إدراك مسؤوليتها التاريخية اتجاه وحدة ومصير الحركة وبالتالي المشروع الوطني، لتجنب استنساخ تجربة المؤتمرين السادس والسابع، في البعدين النظامي والإجرائي والبعد الموضوعي المتعلق بأهداف المؤتمر وأوراق العمل السياسية والوطنية والتنظيمية، إن نسخ تجربة المؤتمر السادس والسابع مرة أخرى سوف تطيح بكل الآمال المعلقة على المؤتمر الثامن، ولن تستجيب لشروط استعادة الوحدة التي هي محل اهتمام حركي ووطني ومن كل أعضاء حركة فتح وأبناء شعبنا وأصدقاءه وحلفاءه في العالم وسيكون الفشل كارثياً وغير قابل للتبرير.

إن المدخل الأول فيما يتعلق بضمان مؤتمر موحد وعادل وناجح، يبدأ بكف يد قوى الصراع الداخلي والخارجي عن مهمة الاعداد للمؤتمر، وتنحية محاور الصراع على سؤال ميراث الحكم عن أي علاقة بالإشراف أو التحضير للمؤتمر، وهو بالتالي يبدأ من اللجنة التحضيرية للمؤتمر، التي من المهم أن تتشكل من كوادر حركية مشهود لهم بالنزاهة والخبرة التنظيمية والحركية من غير المرشحين إلى أي موقع حركي تنظيمي خاصة للجنة المركزية والمجلس الثوري ولا لأي موقع رسمي أو حكومي لمدة لا تقل عن عامين بعد عقد المؤتمر، منعاً لأي تقاطع مصالح ومنعاً لأثر صراع الارادات داخل الحركة وعليها، ويمكن أن يوضع المؤتمر تحت الاشراف التام للجنة الانتخابات المركزية كجهة حيادية تتمتع بالخبرة والجاهزية للقيام بتلك المهمة.

التحديات الأبرز عشية عقد المؤتمر وفي التحضير له

إن التحدي الأول عشية التحضير للمؤتمر هو استعادة الوحدة الداخلية للحركة، التي انفرط عقدها للأسف ليس على سؤال التحرير بل على سؤال الحكم ومراكز القوى الداخلية، ويكاد هذا التحدي أن يكون مصيرياً ووجوديا، فإما تنهض حركة فتح واحدة موحدة أو تخرج شتات جماعات تجعل مؤتمرها الثامن آخر مؤتمراتها، ولا توحي الأجواء الحالية لما يدور في أروقة الحركة على الاهتمام بجوهر عملية التغير وغايته، ولا يبدو ذلك مستغربا لأن القوى التي تسعى للتغير من داخل الحركة في معظمها لا ترى فيه سوى تغير في القيادة أو في بعض أعضائها على وجه التحديد، ويعود النقاش الآن حول حجم المؤتمر العام ومكوناته حيث أن مدخلات العضوية تحدد مخرجات المؤتمر ليس في شكلها القيادي فقط بل في الوجهة السياسية والوطنية لحركة فتح رغم أن عضوية المؤتمر محددة في المادة 14 من النظام، التي استخدمت بشكل تعسفي في المؤتمرين السادس والسابع ومع ذلك لا يمكن تجاهلها ولا يمكن تجاهل أنها أحد أسباب أزمة التحضير للمؤتمر، حيث لم ينجح المؤتمر السابع في إتمام مهمة تعديل النظام ولم يكن ذلك عفوياً، الأمر الذي يشكل تحدي أخر يتعلق بمعالجة مسألة العضوية لحركة وطنية كبيرة يشكل كادرها خارج الهيكل الرسمي عشرات اضعاف كادرها داخل الهيكل، ما يجعل من ظاهرة الاقصاء ظاهرة تلقائية غالبا وقصدية في حالات محددة، إن القاعدة النظامية الصحيحة التي تقول أن المؤتمرات الحركية بشكل عام هي تمثيلية، تحتاج أن تترجم ضمن صيغة عادلة، لا تستجيب لها المادة 14 في النظام لأنها تضمن وجوب تمثيل المكونات الحركية لهيئات الهيكل التنظيمي فقط وبعض الكفاءات الحركية بنسبة محددة، ولا تضمن تمثيل القاطع الأوسع من كوادر الحركة الذين لا يوجد لهم اطر منظمة تضمن تمثيلهم، حيث أن حجم العضوية في الحركة أوسع من هيكلها بكثير ، فالأساس الواضح للتمثيل يواجه مشكلتين الأولى أن بعض المكونات منصوص على تمثيلها بشكل محدد وحاسم في النظام وفق المادة 14 مثل اللجنة المركزية والمجلسين الثوري والاستشاري والعسكريين، بينما بعض المكونات منصوص على تمثيلها دون تحديد النسب بدقة مثل ممثلي الأقاليم والمكاتب الحركية، المشكلة الثانية أن غالبية أعضاء الحركة الذين مضى على عضويتهم عشرات السنين وخدموا في كل مواقع العمل التنظيمي والنضالي طيلة السنوات الماضية وغادروا مواقعهم التنظيمية أو ممن لم يشغلوا أي موقع بينما شاركوا في النضال الوطني والحركي ولم تشملهم أو تنظم عضويتهم هياكل الحركة وأطرها لا يوجد لهم صفة تمثيلية في المؤتمر لعدم وجود نص نظامي لتمثيلهم وذلك لانتفاء وجود قاعدة نظامية تمثيلية لهم، رغم وجود بند في المادة 14 يعالج انتفاء القاعدة التمثيلية لبعض الفئات وفقا للائحة الخاصة، غير أن النص لم يحدد جهة المصادقة على تلك اللائحة، فلا أحد يعلم من هي الجهة المخولة بوضع اللائحة الخاصة ولا جهة المصادقة عليها وإقرارها، فبدل أن تشكل اللائحة الخاصة حلا لقضايا الفئات التي لا يتوفر لها قاعدة نظامية للتمثيل، استخدمت اللائحة الخاصة في صراع الارادات لصالح تقاسم المدخلات التمثيلية بين مراكز القوى في اللجنتين التحضيرية والمركزية، وأصبحت فخ المدخلات التي حادت بالمؤتمرين السادس والسابع عن العدالة وزادت الأمر تعقيداً، فبدل أن تساهم في الحل، أصبحت هي المشكلة، رغم من محاولة المجلس الثوري السابق اعتبار نفسه مرجعية اللائحة الخاصة إلا أنه لم ينجح بذلك، الأمر الذي شكل عوار قانوني في آليات تشكيل المؤتمر خاصة وأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر المناط بها تنفيذ بنود النظام هي نفسها غير منصوص على كيفية تشكيلها، وغالباً ما تشكلت من قيادات حركية مرشحة للانتخابات داخل المؤتمر كما هو الأن الواقع مع اللجنة التحضيرية المناط بها التحضير للمؤتمر الثامن، التي عدد من أعضائها من اللجنة المركزية وهم بالتأكيد أصحاب مصلحة واضحة في بنية وعضوية المؤتمر وهم مرشحين مفترضين لعضوية اللجنة المركزية في المؤتمر الثامن، وهي حالة تضارب مصالح صارخة لا يمكن اغفالها، إضافة إلى أنها حالة عوار نظامي وقانوني كبير، ما يتطلب إعادة تشكيل اللجنة التحضيرية من جديد على أساس من الحيادية ونفي تضارب المصالح كشرط أساسي سيكون لتجاهله أثر كبير على جهود الوحدة ما قبل عقد المؤتمر بل ولا يضمن النجاح في عقده . إن هذه الثغرات الكبيرة كانت ظاهرة للعيان أثناء التحضير للمؤتمرين السادس والسابع وتم تجاهلها بشكل متعمد، فحادت عن معيار العدالة وأخلت بالشفافية وساهم في تعميق أزمة الحركة وخلافاتها وصراع الارادات فيها وعليها.