الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل هي رؤية لحل الصراع أم لأستكمال مخططات السيطرة على المنطقة .

نشر بتاريخ: 17/02/2024 ( آخر تحديث: 17/02/2024 الساعة: 14:18 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي



رغم تناقضات المواقف اللفظية للأدارات الأمريكية وتخبطها في شأن إدارة ملف إدارة الصراع في بعض الأحيان ، الا أن هذه الإدارات لا تنطلق في مواقفها من نزوات سياسية أو اجتهادات لحظية أو حتى بما له علاقة بمواقف قد تكون شخصية للرؤساء الأمريكان .
المخططات الأمريكية ومن خلفها رؤية الانجلوساكسونين أصحاب العرق الأبيض ونظريتهم الفوقية وما يستندون له من ما سُمي بحضارة الغرب يعتمدون استراتيجيات طويلة الأمد بهدف الوصول الى تنفيذ رؤيتهم بالسيطرة على عالمنا هذا بما فيه المنطقة التي نعيش فيها نحن لخدمة ما يحقق مصالحهم وبالمقدمة منها ما له علاقة بجوهر الفكر الأستعماري المتعدد الأشكال ، ويساهم في ذلك التوافق القائم بين التفوق العرقي الابيض واليهودي التوراتي . ولذلك فان منهج العمل ما زال جاري على ما تم الحديث عنه قبل عقدين حول مضمون الشرق الأوسط الجديد بهدف تفوق اسرائيل بالمنطقة وفق مبررات نشأتها الاستيطانية قبل ٧٦ عاما ، وهذا ما تم التمهيد له بالخريف العربي وتدمير الدولة الوطنية العربية والحاق اخرى منها باتفاقيات ابراهام للتطبيع ، وتقديم كل أشكال المساعدة والحماية والحصانة أمام القانون الدولي والقرارات الدولية لتمكينها من ان تبقى دولة مارقة فوق القانون ، واستكمال تنفيذ رؤية صفقة القرن .

صراع جيوسياسي ...
فالولايات المتحدة تخوض صراعا جيوسياسيا مع روسيا والصين ، بل وحتى مع مفاهيم ورؤية الحضارة الشرقية بشكل عام التي ننتمي نحن الفلسطينيون لها ولتراثها . وهي ترى في حماية اسرائيل جزء هاما في هذا الصراع بأعتبارها خط الدفاع لحماية الحضارة الغربية من الحدود الشرقية الجنوبية والقاعدة الإستراتيجية المتقدمة لسياسات الولايات المتحدة التي ترى فيها قاعدة لها ، فهزيمة إسرائيل هي هزيمة للولايات المتحدة والغرب عموما لاعتبارات تتعلق بمحددات العلاقة التي تجمع إسرائيل مع هذا التكتل الجيوسياسي الدولي ولأسس نشؤ الدولة التي تجمعهما من التمييز العنصري والتطهير العرقي . ولهذا فان الولايات المتحدة لن تلجم دولة الأحتلال رغم أمكانها ذلك لو أرادت وصحت بعض المتغيرات في سياساتها الخارجية التي تُعلن عنها بسبب ما تركته جراىم الاحتلال من تداعيات على مكانة الولايات المتحدة وادارتها على المستوى الدولي والمحلي لديهم . فاسرائيل هي الدولة اليهودية بالنسبة لهم التي يجب أن تبقى وتستمر قوية . كما هنالك نظم سياسية اخرى يجب أن تبقى بمحاور اساسية لخدمة الأهداف التي تحدثنا عنا كاوكرانيا وتايوان وكولومبيا وغيرهم من بؤر التوتر التي تشعلها الولايات المتحدة وتقدم لها الدعم كما حصل قبل ايام بدفع ٩٥ مليار دولار لإسرائيل واوكرانيا وتايوان . فلا يمكن النظر الى الحراك السياسي الدولي في مناطق مختلفة بالعالم دون ترابط بينهم ، وذلك وفق الفهم الذي اشرت له من خدمة مجريات الصراع الحيوسياسي الدولي القائم .

رؤية الدولة الفلسطينية ...
ان الدولة الوطنية المستقلة الديمقراطية ذات السيادة والتي تعبر عن هويتنا الوطنية على كامل الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية ، تشكل جوهر البرنامج السياسي دون اغفال بأن كل فلسطين هي الوطن القومي لشعبنا الفلسطيني والتي شُردنا من جزء منها قسرا . هذه الدولة يجب أن تقام عبر مؤتمر دولي بعيدا عن احتكار الولايات المتحدة لأي عملية سلام تتوفر حين وجود شريك إسرائيلي مؤمن بحقيقة السلام وجدواه للشعبين والمنطقة ، تفضي إلى حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال الاستيطاني والابرتهايد كاملا وانهاء احتجاز حرية اسراَنا . تتوفر فيها عناصر ديمقراطية لبناء مؤسسات الدولة التي نريدها علمانية ومدنية يسودها مبدأ الدين لله والوطن للجميع ، وفصل السلطات وسيادة القانون وكرامة المواطن .

المقترح الأمريكي....
لقد كثر الحديث والتصريحات مؤخرا عن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية في الأوساط الأمريكية والغربية ، حيث تستخدم أمريكا تلك الورقة في الضغط على نتنياهو المتعنت من جهة والرافض تماما لها حتى ولو ما زالت فكرة ، وتحاول جذب بعض الدول العربية المؤثرة سواء سياسيا أو اقتصاديا من خلال منحها ورقة هامة تتعلق بالقضية الفلسطينية من جهة أخرى اضافة الى محاولة ارضاء الصوت الانتخابي لعدد من الاثنيات بالولايات المتحدة ومنها العربية اولاً . غير أن الجميع يدرك أن تلك الدولة التي يتحدثون عنها دون سيادة كاملة ودون ايضاح المضمون والشكل والحدود والعاصمة لا مقومات لها مطلقا دون مفهوم يتفق مع تعريف القانون الدولي للدولة الوطنية واستقلالها ، اضافة الى الرفض المطلق لذلك من جانب نتنياهو كما والأجماع الصهيوني المماثل . كما أن وقت بايدن ينفد ولا متسع لتحقيق أي إنجاز سياسي في بضعة أشهر ، وهو يدرك أن هذه المبادرات لا قيمة لها ، وقد تستغل فقط كأوراق انتخابية مثل سابقها من مبادرات رؤساء امريكين سابقين . لكنه ايضا رئيس مهزوز ومن الواضح أنه ليس بكامل صحته العقلية وأن هنالك من يوجه السياسة الأمريكية في هذه المرحلة من خارج البيت الأبيض ومن أهمهم اقطاب الحركة الصهيونية العالمية وحلفائها التي ينتمي لها بايدن ومعظم كبار موظفي البيت الابيض . حتى ان بايدن قد صرح اول امس بانه لا وجود لأي تحول استراتيجي بالعلاقة مع إسرائيل وهذا ما جاءت عليه ايضا تصريحات المسوؤلين الآخرين الذين اكدوا ان انهيار العلاقة مع نتنياهو ليست في مصلحة الأمن القومي الأمريكي ، رغم محاولات الدفع الأمريكية باتجاه تغيرات في شكل حكومة الأحتلال والتي برأيي لن تختلف من حيث الجوهر والأهداف .

سياسة مخادعة ...
هذه السياسة الأمريكية المخادعة، هي جزء من سياسة أمريكية عامة في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ومع الاحتلال الإسرائيلي، ومع أمن واستقرار دول المنطقة، وهي سياسة لا يمكن الشك في أنها لا تخدم السلام ولا الاستقرار في المنطقة، وأن أمريكا بهذه الفوقية في تعاملها مع الدول والشعوب معتمدة على قوتها العسكرية لا يمكن الاطمئنان على حسن نواياها وأهدافها.
العلاقات الدولية تُبنى عادة على المصالح المشتركة لكلا الطرفين، وتقوم وفق خدمة مصالح الشعوب وباتفاقيات وقواعد يتم احترامها، وتتأسس وفق حاجة الدول إلى التعاون والتنسيق، وخدمة الأهداف المشتركة، لكنها في الحالة الأمريكية لا نرى من الولايات المتحدة الأمريكية إلا عدم الالتزام باحترام علاقاتها الثنائية مع الدول حتى، فهي تتصرف من موقع القوة والهيمنة ، بعيداً عن التفاهم والحوار والخرص على مبادئ الأمن والسلم الدوليين ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب ، وانما بتقديم سراب تلو سراب الهدف منه استدامة فوقية دولة الاحتلال والبحث عن شكل من الحلول الأمنية والاقتصادية فقط .
أن الولايات المتحدة الأمريكية على لسان مسؤوليها الكبار تتحدث عن شيء وتتصرف على نقيضه ، بمعنى أنها تقول مالا تفعله، وتوهم الآخرين بموقف، فيما هي تخفي ما هو غير ذلك، ففي أهدافها تناقض كبير ومفضوح، ملبياً لسياسة دولة لا تنظر إلا بما يلبي أهدافها وأطماعها ويحقق مصالحها الاحتكارية التي تخدم الفكر النيوليبرالي الجديد والبشع .

خلافاتهم في إطار توافقهم ....
لقد تحدث الاسرائليون عن خلافاتهم خلال الأيام الماضية في وقت تستمر فيه الولايات المتحدة بتزويدهم بالسلاح ، وقد بدت أكثر وضوحا بخصوص التعاطي مع رفح وصفقة الأسرى والحلول المطروحة . بل وكانوا قد مارسوا الخلافات الحادة منذ عام حول طبيعة الدولة وما سمي بالانقلاب القضائي . ولكن عندما يتعلق الأمر بالعنصرية والتفوق اليهودي والفصل العنصري وتعزيز الأحتلال الأستعماري الأحلالي ، فإنهم جميعا متحدون باهدافهم .
الأمر الذي يؤكد انه لا حل لوجود هذا الصراع في غياب معارضة اسرائيلية جادة ترفع شعار انهاء الأحتلال ، دون ضرورة العمل على تفكيك هذا النظام الأستعماري الأحلالي صاحب الفصل العنصري ، ولا يبدو ممكنا إيجاد حلول وسط حاليا مع هذه الحركة العنصرية وحكومتها الفاشية في مجتمع يجنح نحو التطرف اليميني الديني في الفترة المنظورة .

بين التحرر الوطني والمشروع الوطني ....
لست متأكدا منذ متى تم البدء باستخدام مصطلح المشروع الوطني ، ولا ادري ماذا يعني تماما هذا المصطلح في حالة غياب سيادة الدولة على اراضيها وعلى كل شعبها الخاضع للأحتلال من نواحي السياسات الاجتماعية والاقتصادية . لكنني أدرك بان هنالك قضية تحرر وطني لشعب عانى وما زال من استعمار استيطاني ومن مصادرة حقوقه التاريخية السياسية على مدار ٧٦ عاما من جانب الحركة الصهيونية العالمية بمختلف مكوناتها وعبر أشكال مختلفة من الاضطهاد والقهر والتميز العنصري حتى الابادة الجماعية والتهجير .
فلا أحتلال دون مقاومة ولا يحق لاحد محاسبة أحد على ممارسة حق مشروع كالمقاومة ، لكن المقاومة بتعدد اشكالها يتوجب ان تسخر في خدمة هدف سياسي واضح . فرغم التغيرات الكبيرة التي عصفت بالعالم وفي منطقتنا الا ان هذا الاحتلال الاستعماري استطاع الاستمرار في محاولات تنفيذ مشروعه وفق السردية الصهيونية والتوراتية منذ ما قبل جريمة النكبة حتى اليوم وما يجري من عدوان الابادة الجماعية والتهجير ، امام التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا وما زال حتى يومنا هذا من خلال كافة اشكال المقاومة والكفاح الوطني . وفي كافة مراحل تنفيذ مشروعهم أعطت الولايات المتحدة الضؤ الأخضر لارتكاب جرائمهم من التهجير بحصانة حتى اذا نجحت بغزة تجري لاحقا بالضفة والقدس وحتى بالداخل الفلسطيني . واليوم لم يكن ليجري هذا العدوان لولا الموافقة والشراكة الأمريكية والبريطانية بل والاوروبية عموما . فمنذ الأيام الأولى لما بعد ٧ أكتوبر وما حققه هذا اليوم من إرادة لمحاولة التغيير ، تم الحديث امريكيا واسرائيليا عن العدوان البري الذي جرى وما زال يؤدي إلى خسائر ما بين الشهداء والجرحى والمفقودين إلى حوالي ٤،٥% من تعداد شعبنا في قطاع غزة ، وحصار ١،٤ مليون الآن في مدينة رفح بعد التهجير القصري من الشمال والوسط ، فإلى أين سيكون الاتجاه بعد رفح أمام هذا العدوان الثلاثي المخطط له منذ عقود لجعل غزة مكان غير قابل للحياة في توجه لتصفية القضية الفلسطينية واستبدال قضية اللاجئين وفق القرار ١٩٤ بحكاية جديدة للاجئين جُدد يجري الأعداد لها بنكبة تطهير عرقي جديد طالما حتى ان توصيات محكمة العدل الدولية لحين القرار بالقضية المرفوعة لا تجري متابعتها أو تنفيذها .

نحن ونوايا حكومة الأحتلال ...
مع ذلك لا يبدو أن نوايا إسرائيل هي الذهاب سريعاً باتجاه صفقة وهي تريد من الأطراف العربية الضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات تساعد نتنياهو في المضي قدماً في خطته بعدم إنهاء الحرب بشكل كامل ، فلماذا اذن نكون نحن انفسنا جزء من مكون هذه الأطراف بالضغط ؟ علينا ممارسة كل أشكال العمل السياسي على المستوى الدولي من أجل وقف عدوان الابادة فورا وقبل اي شيئ الآن.

الوحدة والبرنامج الوطني ...
دور الجميع الآن اقصد فلسطينا هو الوصول الى تحقيق قانون الانتصار بتحقيق وحدة كافة فئات شعبنا ، خاصة بعد ما وصلنا له حتى ما قبل ٧ أكتوبر ومنذ تخليهم عن ما سمي بعملية سلام . فنحن حركة تحرر وطني ، تصرفاتنا وسياساتنا يجب أن تبنى على ذلك المفهوم وهذه الرؤية حتى انهاء الأحتلال . هنالك ضرورة كما قلت بمقالات سابقة على ضرورة وجود مبادرة فلسطينية سياسية واحدة موحدة في إطار جمع شمل الكل الفلسطيني من فصائل ومستقلين ومجتمع مدني وشبابي في إطار منظمة التحرير بما لها من مكانة تمثيلية دولية وفق آليات ديمقراطية تاخذ بمنظمة التحرير إلى التفعيل والاصلاح للوصول إلى استراتيجية فلسطينية وطنية واحدة نعمل بموجبها مع شعوب العالم ودوله ومؤسساته الأممية حتى التمكن من استكمال الاعتراف الكامل بالدولة ، واجراء انتخابات عامة تحقق ما نصت عليه وثيقة اعلان الاستقلال وتحدد مسار الرؤية السياسية القادمة وفق البرنامج الوطني وخدمة قضايا شعبنا بشفافية ومصداقية وطنية متكاملة .