السبت: 27/07/2024 بتوقيت القدس الشريف

حول اليوم التالي للحرب على غزة واليوم الذي يليه

نشر بتاريخ: 21/04/2024 ( آخر تحديث: 21/04/2024 الساعة: 23:58 )

الكاتب:

د. سعيد زيداني

في "اليوم التالي" تكون الحرب على غزة قد وضعت أوزارها، وتكون القوات الإسرائيلية الغازيه قد أنسحبت من جميع أجزاء القطاع، ويكون القتال قد توقف والوقف المستدام لإطلاق النار قد تحقق، وتكون المساعدات الإنسانية قد بدأت تتدفق بدون عوائق وبدون احتساب لأعداد الشاحنات. وفي اليوم التالي أيضًا يكون النازحون الغزيون قد سارعوا في العودة إلى ما تبقى من بيوتهم واستعادة ما تبقى من محتوياتها. وفي اليوم التالي، ثالثًا، يكون قد بدأ إحصاء الخسائر البشرية والمادية وتقدير حجم التعويض المالي عما يمكن التعويض عنه من الخسائر الهائلة. وفي اليوم التالي للحرب، أخيرًا، يكون قد أنجز ما وجب إنجازه على مستوى تبادل الأسرى والرهائن، كما على مستوى فك الحصار والترتيبات الأمنية على معبر رفح وغيره من المعابر. ولا تشرق شمس اليوم التالي بدون تحقيق كل ذلك! بكلمات أخرى، اليوم التالي للحرب والقتال ليس على مرمى أسابيع أو شهور قليلة أولًا، ويحتاج التبشير بقدومه إلى توافق أطراف كثيرة، محلية وإقليمية ودولية ذات علاقة، ثانيًا. وقد يتأخر أو يتعسر قدوم هذا اليوم التالي كثيرًا إذا أصرت حكومة إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة حسب تفسير رئيسها، والذي يضيف مفهوم المطلق لكل من تلك الأهداف. وفي جميع الأحوال، لا تشرق شمس اليوم التالي دون أن تعرف هوية من يحكم قطاع غزة بعد الحرب والقتال والانسحاب.

من يحكم غزة في اليوم التالي للحرب؟

من الواضح والجلي أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تستطيع الاستمرار في حكم قطاع غزة بصورة حصرية أو رئيسة بعد الحرب وانتهاء القتال وانسحاب القوات الغازية، وذلك لثلاثة أسباب هي التالية: الأول يكمن في إستنزاف قدراتها خلال فترة الحرب؛ الثاني، والأهم، يكمن في عدم قبولها من قبل تلك الأطراف الخارجية التي ستقدم الدعم اللازم لغرض عملية إعادة الإعمار، واسعة النطاق وعالية التكاليف. أمًا السبب الثالث فيكمن في حصتها من المسؤولية عن الخسائر المروعة، البشرية والمادية، لعملية عسكرية بادرت إليها يوم السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ومن ناحية ثانية، لن يكون بمقدور السلطة الفلسطينية حكم قطاع غزة بصورة حصرية أو رئيسة بعد الحرب، وذلك لافتقارها أصلًا لشرعية الحكم سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وكذلك لافتقارها للقوى الأمنية الكافية والقادرة. والأهم من كل ذلك، لعدم الترحيب بها من قبل الغزيين الذين أذهل الكثيرين منهم عجزها وتخاذلها خلال فترة الحرب والقتال. ومن ناحية ثالثة، لن يقبل الغزيون بعد كل ويلات وأهوال الحرب، في اعتقادي، وصاية غير فلسطينية، عربية كانت تلك الوصاية أو دولية. وبناءًا عليه، فإن حكم قطاع غزة في اليوم التالي للحرب مرهون بتوافق القوى السياسية الفلسطينية، الوطنية والمؤثرة، على تشكيل حكومة طواريء، تشارك أو تقبل بها كل من السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة الإسلامية، وتكون مقبولة في الوقت ذاته على الداعمين لغرض عملية إعادة الإعمار، والتي من شأنها محاصرة الهجرة القسرية/ الطوعية وتسريع عودة النازحين من الجنوب إلى الشمال.

اليوم بعد التالي للحرب:

ويشرق صباح "اليوم بعد التالي" هذا حين يكون النازحون إلى الجنوب وجنوب الجنوب قد عادوا إلى ما تبقى من منازلهم في الشمال وشمال الشمال، وبعد ان تكون عملية إعادة البناء والإعمار قد انطلقت وعلى أشدها. وفي اليوم بعد التالي، وبالتوازي مع عملية إعادة الإعمار، يتوجب التوافق حول إنجاز المهام الرئيسة التالية ذات العلاقة بتجاوز واقع الانفصال بين شطري الوطن، وبإعادة بناء البيت الوطني الفلسطيني الجامع وهيئاته التمثيلية:

أولا، إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمستحقة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. وفي هذا الصدد، قد تكون فكرة الفدرالية عاملًا مساعدًا في إعادة توحيد، وتنظم العلاقة بين، الشطرين، قطاع غزة والضفة الغربية.

ثانيًا، مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية يجب أن يبدأ العمل الجدي والحثيث لإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني، البيت الوطني الفلسطيني الجامع، على أسس ديموقراطية وتشاركية، بالانتخابات حيث أمكن ذلك، وبالتوافق أينما يتعذر عقد الانتخابات. وفي جميع الأحوال، يجب أن يكون التمثيل من خلال العملية الديمقراطية هو الغالب والطاغي.

ثالثًا، مباشرة بعد انتخاب اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من الهيئات الجامعة، يقوم المجلس الوطني الجديد بمراجعة نقدية للتجربة الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الماضية واستخلاص ما يلزم وما وجب من العبر، سواء على مستوى البرنامج السياسي أو وسائل النضال الوطني أو علاقة الاتصال والانفصال بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية التي جاء بها اتفاق أوسلو ومجروراته من الاتفاقيات والتفاهمات.

التالي والمترابط:

المراحل الزمنية الثلاث اعلاه، والمعبر عنها مجازًا باليوم واليوم التالي واليوم الذي بعده، مترابطة بصورة محكمة. ومن هنا لا يجافي الحقيقة من يدعي بأن شمس اليوم التالي لن تشرق بدون تشكيل حكومة طواريء وطنية تقبل بها المقاومة الإسلامية (شاركت أم لم تشارك بها)، وأن التوافق على مثل هذه الحكومة لن يتحقق بدوره بدون التوافق على آلية ومواعيد إنجاز المهام المذكورة لليوم بعد التالي. بكلمات أخرى، لن يتوقف القتال ولن تنطلق عملية إعادة الإعمار في غزة بدون التوافق على تشكيل حكومة طواريء وطنية تقبل بها الأطراف ذات العلاقة. وبالمثل، لن يتم التوافق على تشكيل مثل هذه الحكومة بدون التوافق الفلسطيني الفلسطيني على ألية إنجاز مهام اليوم بعد التالي والجدول الزمني المقترن بذلك. وبدون هذا التوافق أو ذاك، هناك مخاوف حقيقية من استمرار القتال وعدم الانتقال لليوم التالي في الحالة الأولى؛ وهناك مخاوف حقيقية ذات علاقة باستمرار واقع الانفصال وعدم الانتقال لليوم بعد التالي في الحالة الثانية.

وأخيرًا، يقدم التصور الموجز أعلاه الخطوط العريضة لما يتوجب عمله فلسسطينيا في اليوم التالي للحرب على غزة ولاحقًا، لغرض إعادة إعمار ما دمرته الحرب الوحشية، ودمرت الكثير الكثير، كما لغرض حكم قطاع غزة بعد الحرب وإعادة ربطه بالضفة الغربية، كما لغرض إعادة بناء المجلس الوطني والسلطة الفلسطينية وتجديد الشرعيات التي تداعت وانهارت مع الزمن. غني عن القول بأن ما ورد أعلاه بشأن اليوم بعد التالي ليس جديدًا، لكنه يصبح أكثر وضوحًا وإلحاحًا بعد الحرب. وليس خافيًا أيضًا أن مثل هذا التصور يفترض انسحابًا كاملًا للقوات الإسرائيلية الغازية من قطاع غزة وانتهاءا للحصار الخانق والظالم وطويل الأمد. وفي اعتقادي، هناك ما يبرر مثل هذا الافتراض، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار تلك التغيرات الجدية التي طرأت على مواقف دول وشعوب كثيرة في العالم، خاصة في أوروبا الغربية والشمالية والأمريكيتين، باتجاه التعاطف مع المظالم والطموحات الوطنية الفلسطينية، وباتجاه النفور من ألدولة الصهيونىة بسبب ما ارتكبت، وما زالت ترتكب، من الفضائع والجرائم. وختامًا، إلى جانب ويلات وأهوال الحرب على غزة، وحصادها المرعب وغير المسبوق من الأرواح البريئة والأعيان المدنية (كما يعرفها القانون الدولي)، هنآك فسحات أمل وأبواب نجاة، يؤشر عليها التصور أعلاه حول مهام اليوم التالي للحرب والقتال واليوم الذي يليه. فما أحوجنا اليوم، نحن الفلسطينيين الحائرين، إلى ذلك الدليل الذي يوجهنا ويضبط إيقاع خطواتنا على الطريق نحو الخلاص الوطني!