الخميس: 05/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإعلان الدستوري للرئيس: ما بين الموجبات الدستورية وحالة الضرورة

نشر بتاريخ: 29/11/2024 ( آخر تحديث: 29/11/2024 الساعة: 14:04 )

الكاتب:

نقيب المحاميين فادي عباس

ليس سراً أن السنوات الماضية شهدت نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول من سيخلف الرئيس في حال شغور هذا المركز في ظل غياب المجلس التشريعي، هذا النقاش الواسع تعدى الأوساط القانونية والسياسية وإمتد ليكون في لحظة معينة مثار نقاش واجتهاد على المستوى الشعبي وفي مختلف الأوساط الفلسطينية. طبيعة هذا النقاش والحالة الجدلية المرتبطة بالحدث نبأت أنه في حال شغور مركز الرئيس لأي من الأسباب الواردة في المادة 37 فقرة 1 من القانون الأساسي الفلسطيني وعدم القدرة على تطبيق أحكام الفقرة 2 من تلك المادة لجهة تولي رئيس المجلس التشريعي موقع الرئاسة مؤقتاً لحين إجراء الإنتخابات الرئاسية وفق الآجال القانونية المحددة بسبب عدم وجود المجلس التشريعي أن حالة من الفراغ الدستوري ستحل، وهو ما يحمل في طياته جملة من التداعيات الخطيرة ذات الأبعاد السياسية والقانونية والمجتمعية.

ولعله من المهم في رأيي الإِشارة أن التداعيات الخطيرة التي يحملها الفراغ الدستوري في حال عدم القدرة على ملئ شغور مركز الرئيس تنصب بالدرجة الأولى على خطر يهدد الكينونة التمثيلية للشعب الفلسطيني وبما يهدد طبيعياً الحالة الوجودية للنظام السياسي الفلسطيني بمختلف مكوناته والمرتبطة أيضاً بتداعيات اجتماعية خطيرة قد تمس السلم الأهلي نتيجة صراعات واقتتالات داخلية لا أحد يعلم طبيعتها في ظل تهديدات خارجية ومشاريع تصفية ممولة تستهدف الوجود الفلسطيني برمته على الأرض الفلسطينية.

وبالتالي، التخوفات المجتمعية المشروعة في نقاش مسألة شغور مركز الرئيس في ظل عدم وجود مجلس تشريعي، تستوجب معها تحمل القيادة السياسية مسؤولية إيجاد الحلول لهذه المسألة الخطيرة لتجاوز التداعيات الخطيرة التي سبق وأشرنا إلى جزء منها ضمن منطق النقل الآمن والمرن للسلطة وأقلها ضرراً و/او عواراً من الناحية الدستورية، لا سيما أن جملة الظروف الحالية مع استمرار حرب الإبادة والعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني زادت الوضع الداخلي الفلسطيني تعقيداً ولا تنبأ بإمكانية حدوث إختراق قريب في ملف إجراء الانتخابات العامة رغم تعطشنا لإجرائها بعد مرور ما يقارب تسعة عشر عاماً على آخر ممارسة لها.

ولعل الاجتهادات والتوقعات والتحليلات المجتمعية الممتدة وفي مختلف أوساط الشارع الفلسطيني منذ سنوات حملت في طياتها آراء متعددة لتجاوز هذا الفراغ الدستوري في ظل غياب المجلس التشريعي؛ وبدأت هذه الاجتهادات بجملة من التوقعات والتكهنات والتي بدأت بأن هناك تعديل متوقع على القانون الأساسي لتعيين نائب للرئيس، ولم تنتهي عند التوقع ببقاء الوضع كما هو وبالتالي مواجهة الشعب الفلسطيني مصير الفراغ الدستوري ونتائجه وتداعياته على صفيح ساخن ضمن معطيات الاقتتال الداخلي وسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف الطامعة لشطب مشروع الكينونة والهوية الفلسطينية وتحويل الشعب الفلسطيني إلى لاجئين ومشردين جدد مع أقلية سكانية على الأرض الفلسطينية بمستوى ساكن درجة عاشرة.

ومع صدور الإعلان الدستوري عن الرئيس والذي أشار في ديباجته إلى جملة التحديات الخطيرة التي تهدد الوجود الفلسطيني على مختلف المستويات، والذي بموجبه حدد أنه وبحال شغور مركز رئيس السلطة وفي حال عدم وجود مجلس تشريعي يحل مكانه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لمدة مؤقتة تجري خلالها الانتخابات الرئاسية وفقاً لأحكام قانون الانتخابات العامة، صدرت عدد من الآراء الإعلامية ما بين مؤيد ومعارض أو من هو في الموقف الوسطي من هذا الإعلان. وهنا من وجهة نظري، وحتى أجد نفسي في الدائرة الموضوعية للقدرة على التفاعل مع هذا القرار/ الإعلان من حيث الحاجة إليه من عدمه و/أو القدرة على تقييمه، لا بد إبتداءاً أن أجيب على عدد من التساؤلات الجوهرية والحالة هذه:

أولاً: هل هناك تداعيات سلبية و/أو خطيرة في حالة الفراغ الدستوري وعدم القدرة على إشغال مركز الرئيس في حال تحقق أي من الأسباب الواردة في متن المادة 37 فقرة1 من القانون الأساسي في ظل الغياب المؤكد للمجلس التشريعي؟

ثانياً: إذا كانت الإجابة و/أو القناعة بنعم على السؤال الأول أعلاه، ما هي الحلول الواقعية والموضوعية المتاحة لتجاوز هذه العقبة وتداعياتها ضمن منطق أقل الأضرار، وهل هذا الإعلان بموضوعية يمثل أحد هذه الحلول؟

انطلاقا من قناعتي الراسخة -وكإجابة على التساؤل الأول- أن الفراغ الدستوري وطنياً ليس في مصلحة أياً كان، وإنما تداعياته الجسيمة المحتملة فيها تهديد محتمل لحالة السلم الأهلي وقد يؤسس لحالة من الاقتتال الداخلي والتي لا يحمد عقباها، وكذلك تهديد وجودي مرتبط بشطب التمثيل الفلسطيني وينتظره على فارغ الصبر اليمين الإسرائيلي المتطرف ضمن مشاريع شطب الهوية الفلسطينية ونظريات سموتريتش المأفونة القائمة على إلغاء الوجود العربي الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.

وبالتالي وضمن القناعة السابقة، يتحتم وضع الخيارات و/أو المقترحات التي من الممكن أن تساهم في تجاوز عقبة الفراغ الدستوري الخطيرة، وهذا يستتبع أن نتساؤل بواقعية هل هناك إمكانية وفي ظل الظروف الصعبة الحالية إجراء إنتخابات تشريعية بشكل عاجل وفي الأمد القريب المنظور حتى تسد الثغرة عاجلاً دون الحاجة للولوج في مسألة أن المجلس التشريعي لم يعد قائماً؟

واقع الحال، وللظروف التي نعرفها جميعاً والتي تعمقت مع إستمرار حرب الإبادة التي تشنها قوة الإحتلال العسكري على شعبنا في قطاع غزة، يؤسفني القول أنني أعتقد أنه من الصعب وعلى الأقل وفي ظل هذا العدوان المتواصل ودون الدخول في تفاصيل الحالة الداخلية الفلسطينية إجراء الإنتخابات التشريعية في الأمد القريب المنظور.

وهذا يستتبع سؤالا آخراً، وهو هل خيار تعيين نائب للرئيس بتعديل مباشر على القانون الأساسي، سيحمل أي من الموجبات الدستورية المبررة وهل سيكون طرحاً منطقياً موضوعياً ومقبولاً؟

ونحن نحمل الإجابة السلبية سلفاً للتساؤل أعلاه، في إعتقادي، أنه وضمن الظروف والمعطيات القائمة وعلى قاعدة الأهمية الوجوبية لسد ثغرة الفراغ وتداعياته في ظل كافة المعطيات أعلاه، أرى أن التخريج القائم ممر إجباري في الحالة التي نعيشها لا سيما أنه بطبيعته يحمل صفة التأقيت لمواجهة ظروف إستثنائية تنتهي قيمته بزوال أسبابها، ويمكن من انتقال سلس للسلطة في حال شغور مركز الرئيس في ظل التعقيدات المركبة التي نواجهها، ويؤكد على الإرادة الشعبية في إختيار الشعب الفلسطيني من يمثله من خلال الإنتخابات خلال الآجال والمدد القانونية المحددة ووفقاً لأحكام قانون الإنتخابات العامة وهذا مهم جداً، ويحمل في طياته إعادة الإعتبار لمكانة منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية جامعة لا سيما أيضاً أن مقدمة القانون الأساسي الفلسطيني إنطلقت من حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمجلس الوطني الفلسطيني هو أحد تشكيلات وهيئات منظمة التحرير الرئيسية ويمثل الهيئة التمثيلية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

وفي الختام، فلسطينياً وفي خضم كل هذه التشعبات وما يمارس بحق الشعب الفلسطيني من حرب إبادة غير مسبوقة وتطهير عرقي ومخططات تهجير ممنهجة ومشاريع أسرلة وتهويد، من المهم أن تبقى أولوياتنا في لملمة الجراح وبناء مسار وحدة وطنية حقيقي قادر على تجاوز التهديد الوجودي لشعبنا نحو الحرية والإستقلال.