الكاتب: د.نبيل عمرو
رفع بنيامين نتنياهو ومن معه شعاراتٍ فيها من التباهي والادعاء، أكثر بكثير مما فيها من مقوّمات النصر والحسم.
العنوان العام الذي يجري استخدامه باستمرار هو خوض إسرائيل، لسبعة حروب على سبع جبهات في وقت واحد، والهدف من هذه الحروب جميعاً وفقاً لنتنياهو هو تغيير الشرق الأوسط والعالم إن أمكن، ليكون بدوله وشعوبه وقواه وثرواته وثقافاته وجغرافياته أشبه بمجموعة مستوطنات متناثرة تسيطر عليها إسرائيل بهمة الدعم الأمريكي وقدرة طيرانها الأطلسي على الوصول إلى أي مكان مهما بدا بعيداً.
لم يقدّر نتنياهو أن هذه الحروب السبعة -ذلك غير حروبه الداخلية- مغزى أن أي واحدةٍ منها لم تحسم، رغم مساحات الدمار المتسعة باضطراد وعديد الضحايا المتزايد كل يوم، وهم بغالبيتهم من الأطفال والنساء والمدنيين.
وفوق الجبهات التي لم تحسم دخلت إسرائيل الآن، مساراً قديماً جديداً، وهذه المرة في سوريا وعنوانه حماية الدروز والمسيحيين، ولا يستبعد أن يتطور التدخل الإسرائيلي المباشر ليشمل جميع من يوصفون بالأقليات في سوريا وفي أي مكان تجد فيه ممرات للدخول وفرض السيطرة وتثبيت الأجندات التوسعية بشتى الأشكال.
لم يخطر ببال إسرائيل مثلاً أن طرود "الساندويشات" لبعض القرى لن يبدل الانتماء العميق للوطن والدولة، وأن مستشفىً ميدانياً أو أكثر، وإن وجد مرتادين بحكم الضرورة، فلن يكون ذلك إلا عارضاً انتهازياً مؤقتاً لا يستحق أن يُبنى عليه في أمرٍ كبير وعميق، كتغيير الولاءات والالتزامات.
إن مواجهة الاصطياد الإسرائيلي في بحر الأقليات العكر، يكون من خلال إلغاء الفكرة من أساسها، باعتماد المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، في ظل دستورٍ عادلٍ وقوانين تطبق على الجميع، ونظام حكمٍ يرى فيه كل مواطني الدولة تمثيلاً منصفاً لهم كمواطنين، ولحقوقهم ليس بمنطق المحاصصة واقتسام المزايا والغنائم، وإنما بمنطق العدالة الدائمة لكل من يحمل هوية الوطن وجنسيته.
إن استثمار إسرائيل وعنوانه المباشر والأكثر تداولاً في هذه الأيام "الدروز" هو استثمار انتهازي سطحي بائس لن يؤثر في العمق بالمكانة التاريخية الراسخة والنظيفة في المجتمعات والكيانات التي يعيشون فيها بل وأسهموا في تأسيسها.
إن من حق الدروز كالعلوين والأكراد والمسيحيين والمسلمين أن يمارسوا ثقافاتهم في ظل مواطنتهم الأصيلة، وهذا ليس بالأمر الطارئ على حياة شعوبنا ومجتمعاتنا، ولا على التعايش التاريخي بين كل الأطياف في المجتمع الواحد، ولنأخذ من الماضي القريب عبرة تصلح للحاضر والمستقبل، فقد خُتم نظام آل الأسد بالطائفية العلوية، وهذا الختم العام والمتداول كان مخالفاً للحقائق على الأرض وبين الناس، وكل من عاش في سوريا يعرف فداحة تنكيل النظام المستبد بالعلوين أولاً وبذات القدر من التنكيل بباقي معارضيه من مختلف الطوائف والأعراق والانتماءات السياسية والفكرية والثقافية.
إن إلغاء ظاهرة الأقليات في المجتمع الواحد لا تكون إلا ببناء دولة حديثة، يتساوى فيها كل مواطنيها في الحقوق والواجبات، وهذا أمرٌ لا نحتاجه فقط لإغلاق الأبواب والممرات التي تعتمدها إسرائيل المعتدية، لتعظيم نفوذها وسيطرتها وجعل احتلالها دائماً بشتى الأشكال، بل هو حاجة إنسانية فردية وجماعية لبناء حياة مستقرة في مجتمع مستقر ودولة مستقرة.
لسنا بحاجة إلى إيراد أمثلةٍ على أن أشقاءنا الدروز لم يتخلوا يوماً عن انتمائهم العميق، قد يظهر شذوذ محدود عن القاعدة، وهذا أمرٌ يخص الجميع، غير أن ما يبقى في الواقع والحياة وفي التاريخ أن الدروز كانوا أحد المكونات الأصيلة في مجتمعنا ولا حاجة لإيراد أمثلة.