الكاتب: بسام زكارنه
اتخذت السلطة الوطنية الفلسطينية مؤخراً قراراً بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية وهو قرار أثار جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي لما تمثّله قناة الجزيرة من حضور إعلامي واسع الانتشار وما تقوم به من تغطيات مباشرة للواقع الفلسطيني خاصة في غزة ومناطق التماس مثل جنين وطولكرم حيث تعيش العائلات الفلسطينية يوميات القصف والاقتحامات والتهجير القسري.
ورغم أن القرار صدر من جهات عليا في السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي اتهمت القناة بـ”التحريض والإساءة لصورة الشعب الفلسطيني ومؤسساته” فإن الغالبية من المتابعين تساءلت: هل يُعالج هذا القرار الخلل أم يضاعف الفجوة بين المؤسسات الإعلامية والسلطة؟ وبين المواطن والسلطة؟ وهل تم تقييم هذه الخطوة ونتائجها وانعكاساتها؟
حرية الإعلام مسؤولية وطنية لا ورقة ضغط
لا يمكن إنكار أن الإعلام الحر يشكّل عنصراً أساسياً في بناء المجتمع الديمقراطي وهو شريك في المعركة من أجل التحرر والكرامة ، وإذا كانت هناك ملاحظات أو تحفظات على أداء أي وسيلة إعلامية فإن الطريق لمعالجتها يجب أن يمر عبر الحوار والتقييم المهني والتعامل المسؤول لا من خلال الحظر أو الإغلاق الذي قد يُفهم ولو عن غير قصد كتقييد لحرية التعبير أو محاولة للتغطية على واقع نعيشه جميعاً ، ولماذا لا نعتمد على إعلامنا للرد على أي اتهام باطل؟ أو أن نعالج أي تقصير تثيره الجزيرة أو غيرها بالحجة والمنطق؟
العدوان المستمر والحاجة للعدسة المفتوحة
كما في غزة فإن أهالي جنين وطولكرم وغيرهم من سكان المناطق التي تتعرض لهجمات الاحتلال و المستوطنين المتكررة يعبّرون عن خشيتهم من أن يؤدي هذا القرار إلى تعتيم إعلامي على ما يجري في الميدان بل يؤكدون أن ذلك حدث فعلاً وتمر جرائم الاحتلال في كثير من الأحيان بصمت ، فهم يرون في قناة الجزيرة رغم اختلافهم مع بعض مواقفها وتدخلها أحياناً في الشأن الداخلي صوتًا ينقل معاناتهم اليومية إلى العالم من خلال تغطية حية ومستمرة تنقل الصورة بلا رتوش.
ومن زاوية إنسانية ووطنية فإن هذا الصوت لا يمكن الاستغناء عنه خصوصاً في ظل غياب بدائل إعلامية محلية تملك نفس القدرة على الوصول والتأثير والانتشار اقليميا و دولياً .
بين النقد والتوازن متى نحاور بدل أن نقصي؟
السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني تواجه تحديات جسيمة على مختلف المستويات ومن الطبيعي أن تُوجَّه لها انتقادات من وسائل الإعلام تماماً كما تتلقى إشادات في مواقف أخرى ، إن إدارة هذا التفاعل تحتاج إلى رؤية متزنة تنظر إلى النقد كجزء من ديناميكية الحياة السياسية، وتُحسن الرد عليه بالحوار والمكاشفة لا بالإقصاء أو الحجب.
أثر القرار ونتائجه: ما حدث عكس المقصود؟
رغم إغلاق المكاتب فإن قناة الجزيرة ما زالت تبث محتواها عبر منصاتها الرقمية ومراسليها المنتشرين في كل مناطق الضفة الغربية مما يجعل التأثير العملي للقرار محدوداً ، بل وقد يؤدي إلى نتائج عكسية منها تعزيز صورتها لدى جمهورها وزيادة التفاعل مع محتواها وفتح الباب أمام تساؤلات إعلامية دولية حول واقع حرية التعبير في فلسطين ، و النتيجة الاهم ان هذا القرار لم يوقف او يؤثر على سياسة الجزيرة و انتقاداتها للسلطة و قيادتها.
وفي وقت نواجه فيه حملات تضليل وتشويه من الإعلام الإسرائيلي والغربي فإن إغلاق نافذة إعلامية كبرى بحجم الجزيرة قد يُفهم ولو بشكل غير مقصود على أنه رسالة سلبية بشأن حرية الإعلام في فلسطين وامتداد لتقييدات الاحتلال التي أغلقت بدورها مكاتب الجزيرة في القدس.
إعلام الشعب المظلوم لا يُغلق
صوت ومعاناة المواطن الفلسطيني وكشف جرائم الاحتلال وممارساته هو جزء من المعركة الوطنية ، ونقل هذا الصوت عبر وسائل الإعلام هو حق لا يمكن التفريط فيه. لذلك فإن مراجعة قرار إغلاق قناة الجزيرة والنظر إليه من زاوية المصلحة الوطنية العليا والقانون الأساسي والحرص على الصورة المستقبلية للدولة الفلسطينية ستكون خطوة مسؤولة ومقدّرة تعكس ثقة السلطة بنفسها وبشعبها وبقدرتها المشتركة على التعامل مع الإعلام بشفافية واحتراف.
العدو هناك… لا خلف المايكروفون
المعركة الكبرى التي يخوضها شعبنا هي ضد الاحتلال لا ضد الإعلام وكل صوت فلسطيني يصل إلى العالم هو مكسب لنا جميعاً وكل عدسة تنقل وجع طفل أو دمعة أم أو صمود مقاتل هي جزء من روايتنا التي نحمي بها وجودنا.
لنربح معركتنا بالرؤية لا بالمنع وبالمكاشفة لا بالإقصاء وبالإعلام الوطني الحر لا بكتم الصوت.