الكاتب: هبة بيضون
على مدار العقود الماضية، لعبت وسائل الإعلام والدبلوماسية العالمية دوراً بتشكيل الرواية الدولية حول القضية الفلسطينية، حيث قدّمتها بصورة منحازة، وأعادت تعريفها كخلاف سياسي محدود أو نزاع حدودي، بدلاً من كونها قضية استعمار واحتلال استيطاني، وحقوق شعب، ما ساهم بإضعاف الدعم السياسي والإنساني للقضية.
استدعى ما سبق إعادة تشكيل الرواية من قبل الفلسطينيين على الصعيد السياسي والدبلوماسي الرسمي، وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة، والإنجازات التي حققتها، إلّا أنه أصبح ضرورياً، ومكملاً للجهود الرسمية، إيجاد طرق غير تقليدية لإعادة تشكيل الخطاب الدولي حول القضية، لتعزيز الصورة الواقعية والأكثر إنصافاً، والتي تعكس المعاناة اليومية للفلسطينيين، وتؤكد على حقوقهم المشروعة.
ففي ظل الهيمنة الإعلامية والسياسية لبعض القوى العالمية، برزت الدبلوماسية الشعبية كأداة فعّالة يمكنها التأثير على الرأي العام العالمي، وتحقيق مكاسب سياسية عبر وسائل غير مباشرة كالفن، الثقافة، الرياضة، والإعلام الرقمي.
ففي حين تقوم الدبلوماسية التقليدية على المفاوضات الرسمية بين الدول، والتي غالباً ما تكون مقيّدة بالتحالفات الدولية والمصالح السياسية، فإنّ الدبلوماسية الشعبية تعتمد على القوة الناعمة، حيث يمكن للفنانين، الرياضيين، والمؤثرين تغيير وجهات النظر العالمية تجاه القضية الفلسطينية، دون الحاجة إلى اتفاقيات دبلوماسية رسمية، وبالتالي دون قيود، عدا تلك المفروضة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعلّم معظم المؤثرين على تجاوزها بالوعي والمناورة على ما هو محظور.
يمكن النظر إلى أهمية النفوذ الإعلامي والفن كأداة سياسية، حيث لعب الفن الفلسطيني على مدار السنوات دوراً بارزاً بتوثيق المعاناة وإيصال الصوت الفلسطيني إلى العالم، سواء من خلال الأفلام الوثائقية أو الموسيقى أو الأدب، ويمكن تعزيز هذا التأثير من خلال وضع استراتيجيات إعلامية تهدف إلى إيصال الرواية الفلسطينية إلى منصات عالمية، المهرجانات السينمائية الكبرى، والمعارض الفنية الدولية.
ولا يمكن إغفال قوة التكنولوجيا بصنع التحولات السياسية، حيث أنّ وسائل التواصل الاجتماعي الموسعة عبر منصاتها المختلفة، أعطت الفلسطينيين نافذة مباشرة للتفاعل مع العالم، وكشف الانتهاكات التي يتعرضون لها بصورة يومية، كما نجحت بتغيير وجهات نظر الملايين، لذا، فإنّ الاستثمار بهذه المنصات، وتوفير محتوى بصري قوي، يمكن أن يكون أساسياً لتغيير الرأي العام الدولي.
أما تأثير الرياضة على السياسة، يمكن للرياضيين الفلسطينيين أن يكونوا سفراء دوليين، يحملون القضايا السياسية إلى العالمية، لذا، وجب الاستمرار بدعمهم للمشاركة بمنافسات دولية تحت راية فلسطين، ما يعزّز الوعي الدولي بالقضية الفلسطينية، ويعزّز من التضامن العالمي.
إنّ تحويل الدبلوماسية الشعبية إلى مكاسب سياسية، يتطلب تنسيقاً بين الجهات المعنية، مثل الإعلام الفلسطيني، وزارة الثقافة، والمؤسسات الحقوقية، وأن يكون هناك آليات لاستخدامها بشكل فعّال؛ كالبرامج التدريبية، أو الحملات الإعلامية، وأن يتم استغلال الأحداث الإقليمية والدولية الكبرى، كالمهرجانات السينمائية، والمعارض الدولية، للدفع باتجاه قرارات سياسية تدعم الحقوق الفلسطينية.
لا يمكن تجاهل الدبلوماسية الشعبية كأداة فعالة لإعادة توجيه الخطاب العالمي حول القضية الفلسطينية، فالاستثمار بالقوى الناعمة يمكن أن يكون من أكثر الأساليب فعالية لكسر الهيمنة السياسية التقليدية، وخلق موجة جديدة من التضامن الدولي مع فلسطين.
في عالم تُهيمن فيه الروايات المنحازة، لا يمكن ترك القضية الفلسطينية أسيرة الخطاب التقليدي. إنّ الدبلوماسية الشعبية ليست مجرد وسيلة دعم، بل هي قوة تغيير حقيقية قادرة على كسر الاحتكار الإعلامي، وإعادة توجيه الرأي العام نحو رواية أكثر إنصافاً.
اليوم، يمتلك كل فرد فرصة ليكون صوتاً مؤثراً في هذه المعركة الإعلامية؛ عبر نشر الحقائق، دعم المواهب الفلسطينية، والانخراط بالمبادرات الثقافية والرياضية التي تعّزز وجود فلسطين عالمياً.
كل صورة، كل كلمة، كل فعل يمكن أن يكون خطوة لإعادة رسم المشهد الدولي، حيث لا يُنظر إلى فلسطين كرقم ضمن معادلة سياسية، بل كقضية إنسانية عادلة تستحق التضامن.
حين يتحد الفلسطينيون وأصدقاؤهم خلف رواية صادقة، يمكننا إعادة كتابة التاريخ، وجعل العدالة هي الرواية الغالبة، وليس التحيّز الإعلامي.
فلسطين تستحق أن يُسمع صوتها عالمياً، فلنكن جميعاً، كل من موقعه، جزءاً من هذا التحول ومن نسج هذه الرواية الجديدة الحقيقية، لأنّ الحقيقة عندما تجد طريقها، يصبح التغيير حتمياً.