الأحد: 01/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

إعلان إنهيار دور النخبة المثقفة

نشر بتاريخ: 31/05/2025 ( آخر تحديث: 31/05/2025 الساعة: 09:32 )

الكاتب: حسام أبو النصر

ما يحدث في غزة الآن يؤكد أن لا دور فاعل للمثقفين للتأثير على أصحاب القرار والفصائل على مدار سنوات طويلة وأن هامش الحرية الذي كان معطى لهم ليس للتغيير بل للتفريغ، لقد عشت في غزة أكثر من عشرين عاماً وأدعي أني كنت مطلع على الوضع الثقافي، والذي كان في شكله العام تجمعات وتكتلات مختلفة، الخلاف الشخصي فيه كان أكثر من الأيديولوجي، وأبدأ حديثي من بعد عودة السلطة، حصل تدافع ثقافي أو صراع بين النخبة المثقفة العائدة بما تحمله من أفكار الشتات والاغتراب، مع النخبة المثقفة المقيمة بما تحمله من أفكار المخيم والقرية والمدينة، والاثنان اصطدما بالسلطة الجديدة التي حرصت على استقطاب الفريقين ما استطاعت إليه سبيلا، فيما النخبة المثقفة المغتربة بقيت خارج هذه الدائرة في التأثير والتأثر وخلقت لها عالمها خارج دائرة هذا الصراع، ومن فترة اوسلو إلى ما قبل انتفاضة الأقصى استطاعت السلطة، وهنا أقول ذكاء الرئيس أبو عمار بعقلية الثائر أن يكسب ثقة جزء منهم، أغدقهم بالمراتب والمناصب ودمجهم أو فرغهم، (نموذج وزارة الاعلام والثقافة وغيرها) كثيرا من من عملوا فيها، وكانت أسماء كبيرة، فيما ضلت نخبة أكبر من المثقفين خارج السلطة وهؤلاء طبعاً كانوا في الجانب المضاد، بل أخذوا موقف من مثقفي السلطة حتى لو لهم مصداقية، لأنهم اندمجوا مع السلطة وبالتالي أصبح حسب رؤيتهم أن ذلك يحمل تناقض في الطرح كونك مثقف، وتنتقد السلطة التي أنت داخلها، وهناك أيضاً مثقفي المجتمع المدني والانجي أوز، والمنظمات المحلية والدولية، طيب هل اكتفينا بذلك، لأ طبعاً، فهناك مثقفي الأحزاب وهم بالطبع خاضعين لرؤية أحزابهم وجذورهم (ماركسية، يسارية، اسلامية، لينينية، علمانية، الخ...) تصور أن كل هذا الانشقاق داخل النخبة المثقفة كيف له أن يعالج كل مشاكل المجتمع الفلسطيني الواقع تحت احتلال، والمارر بنكبة ونكسة ولطمة وانتفاضات، وانهيارات وانهزامات وانتصارات، الخ، ... هنا ظهر الشارع الذي له رأي أيضاً والذي من المفروض أن يقوده المثقفين، لكن للأسف، فقدان الثقة بالنخبة جعل الشارع يتغول على رأي المثقف، مع أن المثقف كان يجب أن يمثل رأي الشارع. مع اندلاع الانتفاضة الثانية، كانت أصوات المثقفين واقلامها متجهة نحو الاحتلال وعدوانه هذا أدى إلى تراجع الخلافات الداخلية بين الشارع والمثقف والسلطة، ولكن في الحقيقة عمق الانهيار خاصة عندما تداخلت الاراء السياسية في وقت زاد فيه عدوان الاحتلال، الانتخابات التشريعية ٢٠٠٦ أكدت نصر الحزب على المثقف، وحدث انقسام طولي وعرضي في المجتمع الفلسطيني، تقوده فتح وحماس، وانتصر مثقفي الحزب، على مثقفي العامة على الأقل وهذا أيضاً يدلل فقدان دور المثقف الوطني، والذي يرى الأمور بشمولية، بدأت غزة تقع في مشاكل اجتماعية واقتصادية بسبب تدهور الأوضاع وحصار الاحتلال، فيما مثقفي الضفة، يحاولون رسم أراء بعيداً عن السلطة والأجهزة، وفي مواجهة الاحتلال، في محاولة لتحقيق اختراق في الشارع، حتى حدث انقسام ٢٠٠٧ هنا دخل المثقف الفلسطيني بشكل عام في اختبار أصعب، وهو أن يقود الحالة نحو الوحدة، وجاء الفشل الثالث حيث لم تنجح كل المحاولات في الضغط على الأحزاب الفلسطينية، والسلطتين بالتوحد، وهناك كُتاب كانوا منفصلين عن الواقع أي يكتبون دون تأثير، وكأنه رفع عتب، وهناك من كان يكتب ويتحدث دون المشاركة الفعلية على الأرض ضد هذا الانقسام، وهذا أيضاً خلق نوع من عدم الثقة بين المثقف والشارع، فيما هناك مثقفين نزلوا إلى الشوارع مع العامة لدفع لإنهاء الانقسام، المهم حدث تحركات في الضفة وغزة ضد الانقسام، وتم مواجهة بقوة من الأجهزة الأمنية خاصة في غزة، اعتقل من اعتقل وهاجر من هاجر ومات من مات دون تحقيق أي اختراق في الوحدة، استمر تدهور المثقف بظهور الحالات الشبابية التي هي بالأساس المفروض لها موجه وهو المثقف، لينقلب الشباب على المثقفين، رغم أن من هؤلاء الشباب من يحمل حمولة فكرية لكن لم تعني بالضرورة الوصول لحالة النضج المؤثر، لتستطيع التغيير في المجتمع أفقياً أو عمودياً، المهم وجدنا شرخ بين الحِراكات الشبابية ودور المثقف، السلطة في هذه الحالة (ضفة أو غزة) تراقب، فيما الاحتلال يزيد من عدوانه ويغذي الخلاف المجتمعي، طيب، تجاوزنا كلمة انقلاب وانقسام وعاد المثقف ليروج لمفهوم الديمقراطية والانتخابات كحل لجميع الأطراف، طبعاً السلطات والحركات قابلت ذلك بمزيد من الالتفاف لتتوقف العملية الديمقراطية في البلاد أكثر من ٢٠ عاماً، دون أي رادع، أسفر عن اجراءات تعسفية وغير قانونية في الضفة وغزة، وتراجع الحياة المدنية، وفقدان مزيد من المصداقية، طيب أين المثقف! وقع ضمن حالة الاستقطاب غزة ضفة، حماس فتح، مثقفي غزة ضد حكم حماس، مثقفي الضفة ضد ممارسات السلطة أو المنظمة وهكذا، ومثقفين آخرين متفرجين، كل ذلك طبعاً دون دور فاعل من مثقفي المهجر، وقد نُزع منهم هذا الدور أصلاً، استمر التدهور في الحالة الفلسطينية دون أي تأثير من المثقف الفلسطيني سواء بتغييبه أو تغييب نفسه عن الحالة، رغم انعقاد آلاف المؤتمرات والندوات، والفعاليات والورشات، مدفوعة وغير مدفوعة طوعية وغير طوعية، مهرجانات فنية، ابداعية، معارض لوحات، كل ما يمكن عمله، في مواجهة الاحتلال وجزء منها استنزف نحو محاولة إنهاء الانقسام ولم ينتهي، حالة الاستنزاف هذه افقدت المثقف ما تبقى من دوره بصفة عامة، رغم أنه موجود لكن لا يؤثر ولم يُحدث اختراق في الحالة الفلسطينية على كافة المستويات، هنا نعود لغزة حيث اشتد الحصار من الاحتلال واشتد حكم حماس، تأقلم مثقفي القطاع إلى حد ما مع الواقع، رغم حالات التمرد بين الحين والآخر وكان يتم إخمادها أو إحتواءها، وأي محاولة كانت في الضفة تواجه أيضاً بقوة لأنه يتم تصويرها على أنها لصالح الحكم في غزة، وهكذا، إلى أن وصلنا لطريق وطني مسدود، راحت به حماس منفردة نحو ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، طبعاً الاحتلال لم يترك إبادة، مقتلة، نكبة النكبات، إستشهاد ٧٠ ألفاً وألف، وما إلى ذلك... أين المثقف الغزي!! وقع فريسة النزوح والجوع والابادة، وبالتالي هو مفعول به ولم يعد فاعل، فيما مثقفي الضفة جزء منهم حاول الكتابة لصالح إخوانه في غزة وآخرون صمتوا خوفاً، أو نؤو بأنفسهم خوفاً من الدخول في التجاذب الحزبي وتراشق الاتهامات عن من السبب، النتيجة لم يتغير الواقع في غزة بل عاد للأسوأ، لم ينتهي الانقسام، لم ينتهي حكم حماس، ولم يتم إصلاح منظمة التحرير، ولم تنتهي مشاكل السلطة التي قلص دورها الاحتلال إلى البحث عن دفع رواتب، منزوعة الصلاحيات، واجتياحات واستيطان، وغيرها، فيما بقيت الممارسات السلبية التي تحدث عنها المجتمع الدولي والعرب وأوقفوا الدعم بحجة ضرورة الاصلاح ووقف الفساد، كل ذلك المثقف الفلسطيني يكتب شعر، يكتب رواية، يكتب مقال، يرسم لوحة، يشدوا اغنية، يدبك دبكة، بعيدا عن واقع الوطن الممزق، وعن اللاجىء في لبنان، وعن النازح في سوريا، وعن المغترب في بلجيكا وكندا، في صورة سوداوية، تؤكد أن المثقف الفلسطيني جزء منها، أما عن دوافع استمراره بدوره السلبي، ممكن إلتزامه التعاقدي لجريدة، أو مع دار نشر، أو ليعيش من كتاباته أو لوحاته وعروضه، أو ليبقى حاضراً في الساحة ولو شكلياً، أو من باب المعاندة والمكابرة، أو من باب إبراز الذات على حساب المجموع، أو... أو الخ ... المهم والأكيد أنها ليست حالة ثقافية وطنية جامعة، ذات رؤية على الأقل متوافقة وليس متشابهة فليس المطلوب أن نتشابه في الطرح ولكن على الأقل نتوافق على مبادئنا الوطنية العامة، طبعاً هناك من سيسأل بعد هذا العرض السيء هل سيكون هناك مخرج...! أجيب بلا، لأن المثقف مثل السياسي إذا كان جزءً من المشكلة لا يمكن أن يكون جزءً من الحل، والمثقف أصلاً مشبع بأفكار سابقة لن يغيرها بسهولة، إذا المراهنة ستكون على جيل جديد مثقف يحدث حالة تغيير كاملة في الحالة الفلسطينية يواكبه تغيير في سلوك الحكم، وسلوك الأحزاب، وسلوك المنظمة، وسلوك الثورة، وسلوك المقاومة، وسلوك التفاوض، وسلوك المجتمع برمته، وهذا الذي سيؤدي بنا إلى دولة ما غير ذلك نحن نشتري ونبيع الوهم، وأصبح عدم وجود مثقفين في الحالة الفلسطينية، أفضل من وجودهم العدمي، فأمام العالم محسوب عليك أن لديك نخبة ويحدث كل ذلك!! فالأفضل أن لا يكون كي تكون فضيحتنا أقل، إلى حين ظهور جيل المثقفين الجدد، لذلك يجب إعلان إنهيار دور المثقفين والنخبة، وهذا الاعلان مهم لأنه يشبه إعلان افلاس الشركات الذي له ما يترتب عليه بأقل الضرر، وهذا ما لم نعلن عنه بإنهيار أوسلو مثلاً، فترتب عليه مزيداً من الأزمات...