الخميس: 12/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

الشبح" هو الأمل الأخير لأهل غزة"

نشر بتاريخ: 11/06/2025 ( آخر تحديث: 11/06/2025 الساعة: 11:08 )

الكاتب:

عبد الباري فياض

تنزف غزة دماءً لا تتوقف، دماء مقاتلين يواجهون قدرًا محتومًا، وأهالٍ يدفعون ثمنًا باهظًا لصراع بات يهدد وجودهم، وفي خضم هذه المأساة التي تتكشف فصولها أمام أعين العالم، يبرز اسم عز الدين الحداد كمركز ثقل يمكنه أن يقلب موازين المعاناة إلى أمل، وأن يحول اليأس إلى خلاص، هذا ليس مجرد تحليل سياسي تقليدي، بل هو نداء للضمير وإدراك لثقل المسؤولية التاريخية التي يحملها رجل واحد في هذه اللحظة العصيبة.

لقب عز الدين الحداد بـ”الشبح” لقدرته على التواري عن الأنظار ونجاته من ست محاولات اغتيال منذ عام 2008، هذا الرجل الذي يعتبر أعلى قائد عسكري باقٍ على قيد الحياة في صفوف حماس داخل قطاع غزة، يجد نفسه اليوم على مفترق طرق حاسم، بعد أن تولى قيادة الجناح العسكري لحماس بعد مقتل محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار، ليصبح بذلك اللاعب المحوري الذي يمتلك مفاتيح القرار القادرة على وقف آلة الحرب المدمرة، فهو يدرك تمامًا حجم الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها غزة، ويرى بعينيه تشريد العائلات وتدمير البنى التحتية، وتحول القطاع إلى ركام، فهذه ليست أرقامًا على ورق، بل هي أرواح أزهقت، وأحلام تبددت، ومستقبل سُرق.

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل سيستجيب الحداد لصوت العقل والمنطق، أم سيظل رهينة لحسابات ضيقة ومصالح قد تبدو آنية ولكنها ستكلف شعبه أجيالًا من الألم والندم؟ الفرصة سانحة أمامه اليوم ليصنع التاريخ، لا كقائد حرب وحسب، بل كصانع سلام حقيقي. فكل يوم يمر، وكل قطرة دم تسقط، تزيد من ثقل المسؤولية على كاهله، وقرار إنهاء الحرب ليس قرارًا سهلًا، فهو يتطلب شجاعة فائقة، وتضحية بمكاسب قد تبدو استراتيجية للبعض، ولكنه في جوهره قرار إنساني بحت يعلي قيمة الأرواح فوق كل اعتبار.

الحداد، الذي نشأ في صفوف حماس منذ تأسيسها عام 1987 وتدرّج حتى أصبح قائد لواء غزة عام 2023، وكان من القلائل الذين أُطلعوا على خطط عملية “طوفان الأقصى” مسبقًا، يواجه الآن تحديات لم يسبق لها مثيل. فبينما يمسك بملف الرهائن الإسرائيليين، الذين يُقدر عدد الأحياء منهم بنحو 21 شخصًا، مما يمنحه أوراق ضغط مهمة في أي مفاوضات مستقبلية، يواجه في الوقت ذاته تقدمًا سريعًا للجيش الإسرائيلي في القطاع، فالتقارير تشير إلى أن الحداد، الذي فقد اثنين من أبنائه، ينظر إليه كشخصية راديكالية تتسم بالعناد والتصلب. وقد رفضت حماس مؤخرًا، تحت قيادته على الأرجح، مقترحًا لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا بوساطة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، لأنه لم يتضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملًا. هذا الموقف المتشدد، وإن كان يعكس رؤيته، إلا أنه يضع عبئًا هائلًا على كاهله في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية، وغياب المساعدات لأكثر من ثلاثة أشهر، مما يثير حالة من الجوع واليأس بين المدنيين، ويهدد بانفلات الأوضاع الداخلية.

علاوة على ذلك، يواجه الحداد تحديات جديدة تتمثل في صعود مجموعات مسلحة محلية تُعرف بـ”العشائر”، بعضها على صلة بتنظيمات متطرفة كداعش، وبعضها أقرب إلى العصابات المنظمة. هذا التشرذم الداخلي يزيد من تعقيد المشهد ويثقل كاهل قيادة الحداد.

الحداد يتحمل ضغطًا هائلًا باعتباره آخر قائد بارز متبقٍ داخل غزة، فهو يدرك أن الفشل في التوصل إلى تسوية قد يسجل اسمه كمن أشرف على سقوط غزة بيد الاحتلال. لكنه في الوقت عينه بحاجة لإثبات أنه لا يزال زعيمًا فعليًا. إن من يختار إنهاء الحرب في هذه اللحظة الفارقة، سيُخلّد اسمه في ذاكرة الأجيال كمن جلب الخلاص لشعبه. هذا الخلاص لا يعني الاستسلام أو التنازل عن الحقوق، بل يعني البحث عن مسار يضمن كرامة المواطن الفلسطيني ويحمي وجوده، والإصرار على استمرار المواجهة في ظل هذه الظروف القاسية، وبدون أفق واضح للانتصار، هو ضرب من العبث الذي يدفع ثمنه الأبرياء.

أهل غزة ينظرون إلى الحداد على أنه الأمل الأخير، بعد أن أنهكتهم الحروب المتتالية وسنوات الحصار الطويلة التي فقدوا الكثير، ولم يعد لديهم ما يخسرونه سوى حياتهم. فهم يتطلعون إلى يد تمتد إليهم لتنتشلهم من هذا المستنقع، وإلى قرار ينهي كابوسًا طال أمده.

إن التاريخ لا يرحم، والتخاذل في هذه اللحظة لن يمحوه الزمن. فإما أن يكون عز الدين الحداد بطل الخلاص الذي أعاد الحياة إلى غزة، أو أن يكون شاهدًا على استمرار نزيف الدماء ومعاناة شعبه. فالاختيار بين هذا وذاك هو اختيار بين الخلود والنسيان، بين النور والظلام، فالكرة الآن في ملعبه، والقرار قراره، ومصير غزة معلق بين يديه. فهل سيختار الخلاص؟