الكاتب: الدكتور خالد أبو ظاهر
(حول حرب المخدرات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومدن48 ولبنان)
حرب المخدرات هي حرب من نوع آخر يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في كل مكان، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة المنكوب وفي مدن 48، تستهدف هذه الحرب الإنسان الفلسطيني والذي يعتبر أغلي ما نملك على وجهة هذه الأرض، في محاولة لتحطيمه وتدميره ليكون هو والأرض لقمة سائغة، فلا مقاومة، ولا عقل يفكر، ولا مجتمع حضاري يبني ويتقدم، ولا شعب يحلم بالتحرر والاستقلال.
اليوم نرى الشعب الفلسطيني، شعبا محتلا من قبل الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، يحاربه عدوه بمختلف الاساليب والطرق، من هدم وتدمير وقصف وقتل، واقامة جدار عنصري واستيطان، وتلويث للبيئة، ومن خلال التضييق، والمصادرة، والترحيل، والتحرش، والاعتداءات المتكررة، حيث يمارس الاحتلال على الفلسطينيين ما سمَّته الباحثة نادرة شلهوب بـ"الإهالة الصهيونية"، أي الدفن بالحياة للفلسطينيين وبالإضافة الى احداث للفتنة بين أبناء الشعب الواحد، واستكمالا لسلب الإرادة، كما سلب الوطن يشن الاحتلال الإسرائيلي حربا قذرة وهي حرب المخدرات على جميع فئات المجتمع الفلسطيني وخاصة على فئات المراهقين والشباب ، من خلال تعزيز تفشي المخدرات بين افراد المجتمع الفلسطيني ، للقضاء عليه ولدعم تجارتها في هذا المجال ، حيث تعتبر دولة الاحتلال من اشهر الدول استثمارا في سوق المخدرات العالمية.
وملامح هذه الحرب القذرة تتضح في عدة جوانب أبرزها الإحصائيات والأرقام المذهلة حول هذه الظاهرة، فحسب احصائيات ودراسات كل من هيئة علاج وتأهيل مدمني المخدرات والكحول في فلسطين عامة والقدس الشريف خاصة ودائرة الإحصاء المركزي ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات، يقدر انه يوجد ما بين 40 – 60 ألف متعاطٍي للمواد المخدرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 15 ألف متعاطٍي في مدينة القدس، و10000 مدمن على صعيد الضفة والقدس. وبلغت نسبة المدمنين العرب إلى المدمنين في فلسطين المحتلة عام 1948، 29%، مع العلم أن نسبة السكان العرب إلى اليهود تساوي 18%.
ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي الأمنية معنية بوجود حقنة المخدرات بيد الطفل والفتى والشاب الفلسطيني، كبديل عن الكتاب والقلم، او أدوات العمل، فحقنة المخدرات كفيلة بقتل الروح والنفس، ودفع متعاطيها الى مرحلة العجز وهو في عز الشباب، يتحرك نحو موت وفناء ولكن ببطء.
وقد كتبنا سابقا في مقالات متعددة عن طرق وأساليب الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ومن أشهر المقالات (الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات) وقد نشرت على صفحات جريدة الحياة الجديدة الفلسطينية في 2022، ومقالة (الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات في فلسطين -2) والتي نشرت على صفحات شبكة فلسطين للأنباء-شفا في 2025 ، ومقالة ( تحديات جهود الوقاية والمكافحة من المخدرات والمؤثرات العقلية في فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي) والتي نشرت على صفحات شبكة فلسطين للأنباء-شفا في 2025 .
وان خبر تلويث السلطات الإسرائيليّة للطحين المقدم للمواطنين الغزيين بالأوكسيكودون ليست الحالة الأولى التي تربط إسرائيل باستخدام المخدّرات كسلاح في حربها ضد الشعب الفلسطيني، فتاريخها حافل بالعمليات السريّة والعلنيّة التي تتمحور حول استخدام المخدرات كسلاح ضد الشعب الفلسطيني.
وقد كتبنا عن استخدام عدد كبير من الدول ومن ضمنها إسرائيل للمخدرات كسلاح في حروبها ضد شعوبهم وضد اعدائهم في مقالة (المخدرات وحرب الأوكسيكودون - إرهاب كيميائي إسرائيلي ضد الفلسطينيين) وسوف تنشر قريبا.
وسوف نتحدث في هذه المقالة عن سجل الاحتلال الإسرائيلي في استخدام المخدرات كسلاح ضد الفلسطينيين قديما وحديثا.
أولا- حرب المخدرات على الفلسطينيين في قطاع غزة
1- عملية تسلل المخدرات الى غزة: عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي على احكام الحصار على قطاع غزة برّاً وبحراً وجوّاً على مدى 17 عاماً، واخذت تحدد دخول وخروج المواد الى غزة من خلال تفحص كل الشاحنات التجارية التي يسمح لها بالدخول الى قطاع غزة، وكذلك تفتيش كل قارب صيد، وكل شحنة دواء. وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذا المستوى من السيطرة الفعلية احتلالاً، وهذا الوضع الاحتلالي يحمل القوة المحتلة واجباً بحماية الصحة العامة وتيسير مرور المساعدات الإنسانية للشعب الذي تم احتلاله، ولكن في الواقع ما يحدث على ارض قطاع غزة، احتلالا يخنق وحصارا على كل شيء، ومنعا للواردات المشروعة بينما يغض البصر عن المخدرات فيسمح بمرور وتسلل المخدرات الى قطاع غزة بكميات وأحجام وأنواع تعجز الشرطة المحلية عن توقعها أو احتوائها.
2- عملية اغراق غزة بالمخدرات والحبوب المخدرة: ظهر هذا النمط بوضوح في أوائل 2017، حين أفاد، رئيس وحدة مكافحة المخدرات في غزة، أحمد قدورة، بأن كمية الحشيش وأقراص الترامادول وحبوب الاكستازي التي ضُبطت في شهر كانون الثاني من العام 2017 وحده تعادل ما تم ضبطه طوال العام السابق بأكمله. واتهم إسرائيل باتباع استراتيجية متعمّدة لإغراق غزة بالمخدرات، مشيراً إلى أن مفتشي الحدود كانوا يتغاضون بانتظام عن شحنات تهريب مخفية داخل بضائع تجارية.
وقد كررت أبحاث ميدانية مستقلة على هذا الموضوع وأثبتت هذا الاتهام، إذ ان مقابلات مع مهربين وأطباء إسرائيليين اتهمت اسرائيل كمصدر رئيسي للأقراص التي تتدفق إلى القطاع، وهدفها إضعاف مجتمع غزة من الداخل.
المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في المقابل سارعت إلى نفي هذه التهم، مشيرة إلى أنفاق تحت حدود رفح وتواطؤ مصري، ولكن هذا الدفاع ينهار أمام المنطق، فإذا كان الحصار محكماً بما يكفي لتقنين أدوية السرطان وحليب الأطفال، فهو محكم بما يكفي أيضاً لمنع المخدّرات، ولكن الحقيقة تكشف النفاذية الانتقائية التي تسمح بمرور المخدرات بينما تُبقي الإسمنت، والكتب، وخيوط الجراحة عالقة في قائمة الممنوعات وبالتالي هي سياسة متعمّدة لا صدفة.
3- عملية (تريد المزيد): تم الكشف عن هذه العملية حديثا، حيث في شهر آب من عام 2024، ألقت مسيرات إسرائيلية مناشير تحمل سجائر غير طبيعية لا يستبعد ان تكون محشوة مخدرات على غزّة وقد كتب عليها عبارة بصيغة سؤال (تريد المزيد؟) مرفقة برقم هاتف للاتصال للإدلاء بمعلومات عن موقع يحيى السنوار، ويعتبر هذا النوع من التحريض مثالا صارخاً على استغلال إسرائيل وقواتها العسكرية للإدمان كسلاح لتجنيد العملاء في غزّة.
4- عملية حبوب الأوكسيكودون على الفلسطينيين في قطاع غزة: وتم الكشف عن هذه العملية في حزيران من العام 2025، حيث تم العثور على أقراص مخدّرة شديدة الخطورة من نوع أوكسيكودون داخل أكياس الطحين التي وصلت إلى المواطنين الغزيين من مراكز المساعدات التي تشرف عليها الولايات المتحدة وإسرائيل ، أن وجود أقراص مخدرة بأكياس الطحين جريمة بشعة تستهدف صحة المدنيين والنسيج المجتمعي، وهي جريمة حرب جديدة تمارسها اسرائيل بحقّ أهالي غزة الذين يعانون أصلا من حصار وتجويع ممنهجين، أن إسرائيل تحوّل المساعدات الإنسانية إلى أدوات إبادة ممنهجة، حيث تقدّم المخدرات بدلًا من الخبز.
أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بجرائم القتل والتهجير المنهجي، بل يمارس نمطا جديدا من الإبادة الجماعية المعنوية ويستهدف تفكيك الوعي المجتمعي والبنية الاجتماعية للشعب الفلسطيني.
ثانيا – حرب المخدرات على الفلسطينيين في الضفة الغربية
اما في الضفة الغربية فقد باتت المخدرات على اختلاف أنواعها إحدى أكثر الأسلحة فتكًا بالمجتمع الفلسطيني، إذ ازداد الإقبال على تعاطيها بشكل ملحوظ، وضبطت قوات الأمن الفلسطينية العديد من الشحنات في البلدات الفلسطينية، إضافة إلى مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالمخدرات، وفي أحيان أخرى اكتشفت معامل ومشاتل ومصانع داخل البيوت والكهوف والابار بالإضافة الى القاء القبض على العديد من التجار والمروجين والمتعاطين وغيرهم ممن يتعاملون بالمخدرات بشكل غير قانوني.
وان قوات الاحتلال الإسرائيلي تغض بصرها عن تجار المخدرات الذين يبيعون سمومهم عند مداخل المدارس في بعض الأماكن من المدن والمخيمات ومناطق ما يسمى C، وهم يعلمون أن سلطات الاحتلال تؤمنهم وتحميهم سرا، ليس هذا وحسب بل انهم يلجأون للاحتماء بحواجز أو دوريات او معسكرات الاحتلال.
واصبحت مناطق (C ) ملاذا و وكرا لتجار ومروجي ومتعاطي المخدرات بالإضافة الى مزارعي هذه الآفات لان السيطرة الأمنية تتبع للاحتلال الإسرائيلي وهو يشجع ويمول مثل هذه التجاوزات ولا يسمح للأجهزة الأمنية الفلسطينية من ممارسة صلاحياتها وعملها ، بل على العكس يحمي هذه الفئة الضالة من المجتمع.
ان تجار المخدرات في الضفة الغربية ، هم ادوات الاحتلال الإسرائيلي لإسقاط شبابنا وفتياننا في تعاطي المخدرات والادمان عليها ومن ثم الوقوع في براثن اجهزة المخابرات الاسرائيلية، ما يعني انهم اشد خطرا على المجتمع والقيم والقانون والدين من أي جاسوس او عميل تؤدي مهمته الى قتل مواطنين او تعريض المصالح الوطنية للخطر، فهذا التاجر او المروج العميل يستهدف جيلا كاملا بجرعاته من السموم والمخدرات والحبوب ، أي انه يساهم بجريمة إبادة اقل درجاتها ابادة الوعي والذاكرة، وابادة المعنى الحقيقي لحياة الشباب، الذي قد يحوله السقوط في فخ تاجر مخدرات الى اداة طيعة في ايدي اجهزة الاحتلال خوفا من الفضيحة الاجتماعية، او بسبب الادمان الذي يدفعه لعمل أي امر مقابل الحصول على المخدرات.
وأشارت التقارير الرسمية إلى أن أعداد متعاطي المخدرات، قد تجاوزت الثمانين ألف فلسطيني، فيما تجاوز عدد المدمنين عشرين ألفًا آخرين، ما يؤكد مدى استهدافهم من الاحتلال الاسرائيلي ومؤسساته الأمنية، وخصوصا أن أغلبيتهم من الفئة العمرية القادرة على البناء والتنمية والمقاومة.
وقد ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية وصحيفة يديعوت احرونوت، أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية باتت مرتعا لتجار وعصابات المخدرات، لانعدام الرقابة وتطبيق القانون فيها، وهذا ما يجعل لهذه المستوطنات الدور الأساسي والبارز في نشر المخدرات بالضفة الغربية، إذ يعمل آلاف الفلسطينيين في هذه المستوطنات، ومن السهل نقل المخدرات إلى بلدات الضفة الغربية عن طريقهم.
وخير مثال على ذلك ان أكبر نسبة من المخدرات التي ضبطتها الأجهزة الامنية الفلسطينية، كانت في محافظة الخليل، حيث تحيط المستوطنات الإسرائيلية بالقرى والبلدات الفلسطينية، وأشارت تقارير إلى أن الحواجز العسكرية ونقاط الحراسة المقامة على مداخل هذه المستوطنات تعتبر إحدى أماكن لقاء المروجين الإسرائيليين والمتعاطين والتجار الفلسطينيين.
بالإضافة الى ذلك فان عصابات المخدرات الإسرائيلية، انتدبت فلسطينيين للعمل على إنتاج المخدرات وتوزيعها، ومنهم من حقق أرباحا طائلة، إذ قامت العصابات الإسرائيلية بتزويدهم بالطرق والآليات لإنتاج المخدرات، وتمكن هؤلاء من إنشاء معامل ومختبرات وتشكيل شبكات خاصة بهم تعمل في مختلف مدن الضفة الغربية.
وخير مثال على ذلك ما ضبطته الأجهزة الأمنية الفلسطينية في محافظة الخليل، فبعد القبض على عصابات نشطت في المحافظة، تبين ان للأشخاص الذين تم القبض عليهم ارتباطات مع أشخاص إسرائيليين وتبين انهم يستخدمون عمارة سكنية من عدة طوابق لزراعة الحشيش في دورا، وبعد اقتحامها كانت المفاجئة بوجد معمل هو الأضخم الذي يتم اكتشافه في تاريخ الشرطة الفلسطينية، حيث ضم المعمل طوابق مختلفة، للزراعة والتصنيع والتوزيع ، وقد تم تجهيز المبنى بمعدات إلكترونية متطورة جدا لحفظ الحرارة والرطوبة والإضاءة، وتم تزويده بأتربة خاصة ومعدات تجفيف وأخرى للتغليف من أجل توزيعها في السوق الفلسطينية والإسرائيلية. وتبين أن المعمل كان متكاملا لإتمام عملية إنتاج المخدرات، بدءًا من زراعة البذور في تربة خاصة، مرورا بعملية القطاف بعد أن تنضج الأشتال، وصولا إلى طابق خاص للتجفيف ومن ثم إلى غرفة التغليف، لتنتقل بعد ذلك كي يتم توزيعها في السوق الفلسطيني، وهذا دليل اخر على توظيف الاحتلال الإسرائيلي امكاناته المالية والفنية والتكنولوجية الضخمة لبناء عددا من تلك المشاتل الكبيرة والضخمة.
وفي الضفة الغربية عمل الاحتلال الإسرائيلي على اضعاف الأجهزة الأمنية الفلسطينية بكافة تشكيلاتها وخاصة إدارة مكافحة المخدرات ومنعها من القيام بعملها وقام بحماية التجار والمروجين من أجهزة الامن الفلسطينية.
هذا بالإضافة الى ان الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية بشكل كامل ويتحكم بكافة مجالات الحياة فيها الاقتصادية والامنية والسياسية وغيرها من المجالات، ويتحكم بجميع الحدود والطرق الخارجية ويسهل عمليات الزراعة والاتجار والترويج للمخدرات بكافة اشكالها وانواعها.
وما حدث في 2014 من انتشار مخدر الهيرويين في الضفة الغربية بشكل كبير جدا وما سمي بحرب الهيرويين ، خير دليل على ضلوع الاحتلال الإسرائيلي بطريقة مباشرة او غير مباشرة في انتشار المخدرات في المجتمع الفلسطيني ، حيث تم في النصف الأول من 2014 تم تسجيل 139 قضية ضبط مخدرات في محافظة رام الله وخلال أقل من شهر ضبط في محافظة طولكرم (3) مصانع لتصنيع مخدرات عالية السمية مثل الهيروين، وكان آخر تلك المصانع والمكتشف بتاريخ 9 يناير / كانون الثاني 2014 إذ إنه يعتبر الأكثر تطورا من الناحية التقنية في المنطقة، والأكبر والأضخم من حيث التكلفة، وأقر المدانون السبعة في القضية بارتباطهم بالمافيا الإسرائيلية.
ثالثا- حرب المخدرات على الفلسطينيين في القدس الشرقية
إن ظاهرة الإدمان والتعاطي في ازدياد مستمر وذلك حسب الجهات المختصة، وتتركز بين الشباب الذين يشكلون 55% من المجتمع الفلسطيني، وأكبر بؤرة لهذا النشاط والتأثير في مدينة القدس. ومن خلال هذه المعلومات يقفز للأذهان مباشرة فكرة استهداف أبناء القدس بهذا الوباء، وهو بالفعل ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي على ارض الواقع، فإلى جانب عزل القدس ومحاولات طرد سكانها وتهويدها والحفريات تحت المسجد الأقصى، يستهدف الاحتلال المجتمع وأهم ركائزه وهم الشباب والمراهقين، الذين يعتبرون أمل المستقبل وبناته، في محاولة لإفسادهم وجعلهم مدمنين وتائهين لا يصلحون لشيء الا للتعاطي من اجل تغيبهم عن الهدف الأسمى الذي وجدوا من اجله وهو تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي.
وكما روى العديد من أهل القدس ومن خلال الاطلاع على بعض الدراسات والتقارير للجمعيات المختصة يتضح ان الاحتلال الإسرائيلي يقوم بزرع متعاونين له ويدفع أموالا لهم مقابل قيامهم بتسويق المخدرات في الأحياء العربية في القدس الشرقية، كما انه يسمح بمرور المخدرات عبر الحواجز ونقاط التفتيش ويغض النظر عن مروجيها بين الشباب الفلسطيني.
ولهذه السياسة التي ينتهجها الاحتلال ابعاد تدميرية مختلفة ما بين أخلاقية ودينية واجتماعية، والاهم من ذلك البعد السياسي الذي يعمل الاحتلال الإسرائيلي عليه من زمن بعيد ،حيث انه عند ازدياد اعداد المدمنين والمتعاطين للمخدرات في مناطق القدس الشرقية سيحتاجون لمبالغ مالية ضخمة لشراء المخدرات، ولانعدام أسباب الرزق والعمل للعرب الفلسطينيين في القدس وليس لهم إلا البيوت والأراضي ليسددوا حاجتهم ، فهذا سيدفعهم الى بيع أراضيهم وبيوتهم لليهود ويمكن ان يجبرهم على العمل في اعمال تمس بالقضية الفلسطينية وبالثوابت الدينية والوطنية وقد يلجئوا الى اسوء من ذلك ، مثل التعامل مع الاحتلال كعملاء وجواسيس وهذا ما يريده الاحتلال ويسعى اليه من المقدسيين وهو بيع وطنيتهم للاحتلال، مما يجعل المخدرات مشكلة تنخر في عمق المجتمع الفلسطيني، وصنفا جديدا من حرب الاحتلال وسياساته المبرمجة بمساندة ضعاف النفوس.
وفي تقرير صادر عن مركز صامد للتثقيف المجتمعي في البلدة القديمة بالقدس، قال حسني شاهين مدير المركز إن إسرائيل تشن (حرب أفيون) على الشباب الفلسطيني لسلب ارادتهم بتعزيز تفشي المخدرات بين أفراد المجتمع الفلسطيني عموما والمقدسي خصوصاً، وذلك بالتوازي مع حرب التهويد وسلب العقارات في المدينة المقدسة، واكد شاهين ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تشجع الإدمان في اوساط الشباب الفلسطيني من اجل اجبارهم على بيع ممتلكاتهم لليهود.
واشار الى أنه من خلال الاطلاع على بعض الدراسات والتقارير للجمعيات المختصة يتضح أن الاحتلال يقوم بدفع أموال لمدمنين المخدرات مقابل إثبات إدمانهم المخدرات في الأحياء العربية في القدس.
رابعا – حرب المخدرات على الفلسطينيين في 48 (عرب-48)
لقد تشكلت عصابات في المجتمع الإسرائيلي وخاصة بعد هجرة اليهود الروس ،وهذه العصابات تتكون من اليهود والعرب ، وتم توجيههم من قبل الاحتلال الإسرائيلي على العمل داخل المجتمع العربي -عرب 48- والابتعاد عن المجتمع الإسرائيلي، إذ ان هناك تفاهمات ضمنية ولكنها غير معلنة وغير مخفية، وهي ملموسه على ارض الواقع ما بين الجهات الإسرائيلية والتجار الذين يتم القبض عليهم، تنص على أن على التاجر الاكتفاء ببيع المخدرات للعرب دون اليهود إذا ما أراد ان يتم التغاضي عنه وعن نشاطه في الاتجار بالمخدرات ، حيث يهمهم تعاطي العرب للمخدرات للإلهاء، إذ انه حتى لو حاول بعض الأشخاص أو الأهالي أن يعملوا أي شيء ضد تجار المخدرات فيتم حبسهم بتهمة أخذ القانون باليد، وقد تم القاء القبض على عدد من الشباب من الداخل المحتل من الذين حاولوا التصدي لتجار المخدرات لعدة سنوات، ولذلك نلمس ان بعض التجار يمكن أن يستمروا في تجارتهم لسنوات دون ان يتم القبض عليهم ، الأمر الذي يعطي انطباع بأن هذا التاجر لربما لديه تصريح من الإسرائيليين بالبيع، أما إذا ما بدأ التاجر وعبر المحطة أو الوكر في المنطقة العربية ببيع المخدرات لليهود، فخلال فترة قصيرة تكون هذه المحطة مغلقة ويسجن التاجر.
وعمل الاحتلال على السماح لهذه العصابات بالتسليح بكافة الوسائل والأساليب لنشر الجريمة المنظمة بين افراد المجتمع العربي، وما نشهده يوميا من جرائم في الداخل المحتل من قتل وسرقة وتهديد وابتزاز لهو خير دليل على ما تم تقديمه سابقا، وان تقاعس أجهزة الامن الإسرائيلية عن التحقيق في تلك القضايا دليل اخر على ان هذا من تخطيط جهات عليا في دائرة صنع القرار في الكيان الإسرائيلي، وفي نفس الوقت لا تقدم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أي حلول او متهمين لمقاضاتهم.
بالإضافة الى اتباع سياسة غض البصر وعدم محاسبة من يتاجر بالمخدرات او يوزعها في المناطق العربية في مدن الداخل المحتل.
وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في المدن العربية -عرب48- بكل الوسائل، ولعل آفة المخدرات كانت من الوسائل التي سعت سلطات الاحتلال إلى ترويجها بينهم، الأمر الذي جعل مختصين يدقون ناقوس الخطر كون المجتمع العربي بالداخل المحتل يتعرض إلى خطر حقيقي.
ويؤكد هؤلاء أن حالة التردي التي يعيشها الفلسطينيون ربما تتفاقم وتزداد خطورة كما في العديد من المدن العربية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر مثل يافا وعكا وحيفا والرملة إذ يبلغ عدد المدمنين على آفة المخدرات في البيت الواحد من ثلاثة إلى أربعة أشخاص، لافتين إلى أن هناك شكاوى كبيرة من ازدياد انتشار السموم والمخدرات في صفوف الشبان خاصة في ظل استراتيجية غض النظر التي تتبعها الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) عن الظاهرة الدخيلة على المجتمع الفلسطيني.
كما يشيرون إلى أن السلطات الإسرائيلية صعدت عملية اختراق الوسط العربي وتدميره، مشددين على أن الاحتلال يحاول فرض واقع جديد على الفلسطينيين يسوده الجهل والتخلف والحزبية والعائلة في مسعى حثيث لاختراق المجتمع الفلسطيني الصامد وتدميره.
وأكد المختص في علم الإجرام الدكتور وليد حداد أن ارتفاع نسبة التعاطي المستمر في المجتمع العربي داخل إسرائيل، يعود لعدم وجود ميزانيات للوقاية والتوعية والتثقيف، بالإضافة لعدم وجود برامج علاجية، يضاف إليها عدم جدية الشرطة الإسرائيلية في محاربة هذه الظاهرة بالمجتمع العربي.
خامسا – حرب المخدرات على الفلسطينيين في لبنان
1- عملية الحلوى الإدمانية: في العام 2020 كشف تحقيق إسرائيلي عن عملية الحلوى الإدمانية والتي تخص الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو مشروع سري لوحدة 504 في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في أواخر السبعينيات والثمانينيات، حيث استغلّ القائمون على المشروع ازدهار تجارة الحشيش والأفيون في جنوب لبنان، فعملوا على تحويل طرق التهريب وتدفّقات الأموال غير النظامية إلى قنوات خفية لتشغيل العملاء الفلسطينيين واللبنانيين، وتهريب المعلومات الاستخباراتية، وتمويل عمليات خارج الموازنة. ومع غياب الرقابة الداخلية، استفاد بعض الضباط الإسرائيليين من هذه التجارة المحرّمة، وعندما أوشكت الفضيحة على الانكشاف كمّم الجيش الإسرائيلي الأمر بأوامر حظر نشر ولوائح اتهام مختومة، بل وإيداع أحد الفاعلين الرئيسيين في مصحّ نفسي، لتبقى العملية الى اليوم من أحلك صفحات الاستخبارات الإسرائيلية.
الخلاصة:
ان الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامه في عام 1948 يستخدم كل صنوف الاسلحة القاتلة ضد الشعب الفلسطيني ويعمل على نشر عوامل افساد المجتمع الفلسطيني ويحاول تحطيم بنيته الاجتماعية والدينية والأخلاقية، كما صنع المستعمرون والمحتلون عبر تاريخهم من تجهيل للشعوب والمجتمعات وضرب قيمها الاجتماعية وتحطيم معنوياتها وطمس عنصر العزة والكرامة في نفوسها، ولا يكتفي الاحتلال بذلك بل استخدم السلاح الأشد فتكا، واخذ يشن حرب الافيون على الفلسطينيين جميعا في كل مكان وخاصة الشباب والمراهقين ، من اجل تحييد هؤلاء الشباب ومنعهم من المشاركة في المقاومة ضد الاحتلال ولسحب إرادته في البقاء والتحرر من الاحتلال ولإضعاف وتغييب قراره السيادي واستقلاله الاقتصادي.
ان هذه السياسة والاستراتيجية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المخدرات كسلاح ضد الشعب الفلسطيني، هي فصل من فصول الإبادة الجماعية بأسلوب الإنهاك البطيء، فالإدمان يقوّض القدرة على التنظيم والمقاومة ويدمر الحياة الاجتماعية ويقضي على القيم الأخلاقية والدينية العليا في المجتمع. ونجزم ان هذه الاستراتيجية خطر قد يرقى الى مرحلة خطر وجود مالم نهرع كلنا بكل ما نملك لحماية أبناء شعبنا من آفة المخدرات في كل مكان.
وان تجار المخدرات مثل داء السرطان يجب مقاومته بالاستئصال والعلاج في مرحلة خليته الأولى بالإضافة الى تعزيز التحصينات الدينية والأخلاقية والقيمية والوطنية والثقافية والروحية لدى افراد المجتمع ، وعدم الاطمئنان الى جدران الوقاية والحماية فهذه لا تكفي، اذ لا بد من نظم القوانين المتشددة لمحاسبة هؤلاء التجار والمروجين بتهمة الخيانة العظمى، والانكباب على اجراء بحوث ودراسات لمعرفة مكامن الداء وكيفية علاجه، وإطلاق حملة يشارك بها كل مسؤول سياسي تنفيذي تربوي تعليمي ديني اجتماعي، فمنظومة الاحتلال تعمل على تذويب شخصية الأجيال الجديدة من الداخل بعد عجزها عن كسرها من الخارج، فأقوى سلاح ناري في العالم لا يكسر الانسان، لكن المخدرات تكسره وتذله وتخضعه ان تمكنت من دمائه ولو لمرة واحدة.
وقد كتبنا سابقا في مقالات متعددة عن طرق الوقاية والمكافحة من المخدرات والمؤثرات العقلية، ومن أشهر المقالات (المخدرات والمؤثرات العقلية وسبل الوقاية منها) وقد نشرت على صفحات دنيا الوطن في 2023، ومقالة (المخدرات والمؤثرات العقلية ومحاور الوقاية منها ومكافحتها) والتي نشرت على صفحات شبكة البعد الرابع Pal-4Dفي 2025 ، ومقالة ( آفة المخدرات خطر داهم.. مكافحته واجب وطني وأخلاقي) والتي نشرت على صفحات شبكة البعد الرابع Pal-4D في 2025 .
وقد تناولنا دور إدارة مكافحة المخدرات الفلسطينية في مواجهة آفة المخدرات، وتحدثنا عن جميع الاعمال والإجراءات والجهود الأمنية والوقائية والتوعوية التي تمارسها إدارة مكافحة المخدرات في سبيل مواجهة آفة المخدرات في جميع المحافظات الفلسطينية، في مجموعة من المقالات ومنها (دور إدارة مكافحة المخدرات الفلسطينية في مواجهة آفة المخدرات من خلال اجراءاتها وجهودها الأمنية والوقائية والتوعوية) والتي نشرت على صفحات شبكة فلسطين للأنباء-شفا في 2025، ومقالة ( دور ورؤية إدارة مكافحة المخدرات في الشرطة الفلسطينية في الحملات والإجراءات والجهود التوعوية في مواجهة آفة المخدرات) والتي نشرت على صفحات شبكة البعد الرابع Pal-4D في 2025 ، حيث تقوم إدارة مكافحة المخدرات في الشرطة الفلسطينية بجهود جبارة بالشراكة مع الأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها ، ولولا هذه الجهود لكان الوضع كارثي بمعنى الكلمة.
وما ذكر في هذه المقالة عن سجل الاحتلال الإسرائيلي في استخدام المخدرات كسلاح ضد الفلسطينيين قديما وحديثا، ما هو الا غيض من فيض وما خفي ولم يوثق او يذكر في الاعلام أكثر وأعظم.
وعلى الرغم من ذلك، وأمام كل محاولات التحطيم للإنسان الفلسطيني، يتصدى هذا الشعب لبطش الاحتلال بجسده العاري، مسطرا ملحمة صمود وثبات أمام محاولات تجهيله وتدمير أبنائه وطمس هويته وتراثه. ومن الضروري أن يواجه هذا الصمود بوقفة مساندة ودعم من القيادات العليا في السلطة والأجهزة الأمنية والمسؤولين في الأحزاب السياسية والمؤسسات العامة والخاصة والهيئات المختلفة، وإعطاء هذا الأمر أهمية خاصة توازي الاهتمام بالدفاع عن الأرض والمقدسات. فنحن بصدد معركة حقيقية هدفها منع الاحتلال الإسرائيلي من الوصول الى ادمغة ونفوس وأبدان شبابنا ومراهقينا والفتك بهم بسلاح المخدرات بعد عجزه عن الفتك بهم بالقتل والسجن والابعاد والإرهاب.
* جامعة الاستقلال