الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثورة حتى القهر

نشر بتاريخ: 18/02/2015 ( آخر تحديث: 18/02/2015 الساعة: 10:28 )

الكاتب: سليم النفار

لاشك ان القضية الفلسطينية ,من اكثر القضايا تعقيدا في العالم ,وان الصراع مع الكيان الصهيوني ,يأخذ مساقات مختلفة وليس من السهولة انهائه ,بالضربة القاضية , بحكم تحالف مصالح عالمية كبيرة , ترى في بقاء اسرائيل ,ضرورة استراتيجية لها , ومن غير الممكن التخلي عنها , او جعلها في حالة من الضعف , بما يمكن الشعب الفلسطيني وثورته من تحقيق الانتصار , وبحكم كل العوامل الجيوسياسية الاقليمية والدولية ,وبحكم المصالح الكمبرادورية التي خلقها الغرب في المنطقة , فان منطق ادارة الصراع يجب ان تتحلى ,بذكاء عال , بما يمكن الفلسطيني من حصد النقاط التراكمية , التي من شأنها احداث تغيرات في الرأي العام الدولي ,وبما يمكنها في هذا السياق من تشكيل قوى ضاغطة , تنتصر للحق الفلسطيني ,وتكشف زيف الادعاءات الاسرائيلية ,وبطلان روايتها التي تصور للعالم انها الضحية .

ولكن الثورة الفلسطينية المعاصرة انطلقت وسط حقل شاسع من الالغام والعقبات , الذاتية والموضوعية ,والتي تكفل بلا شك خسرانها للمعركة ,ولكنها لم تستسلم لهذه القراءات وتلك ,واستطاعت ان تحقق العديد من الانجازات السياسية والمعنوية , على كافة الصعد العربية والاقليمية والدولية ,ولكن هل استطاعت مراكمة تلك الانجازات باتجاه ساعة الخلاص من الاحتلال ؟

ان الثورات في كل مكان وفي كل زمان , لم تكن الا لخدمة الناس ,فهي اما ان تثور لطرد محتل دخيل ,او لإزاحة حاكم طاغية اذاق الناس الذل والهوان , اما ان يكون نتاج الثورة المزيد من القهر لأهلها , فهذا الامر الغريب ,الذي لا يستوي مع المنطق الذي تقوم من اجله أي ثورة في العالم .
ولكن بكل اسف هذا حال ثورتنا , فعلى الرغم من الانجازات المعنوية , التي حققتها على الصعيد الدولي , واختراقات الرأي العالمي لصالح القضية الوطنية وحقوقنا في ارضنا ,الا اننا على الصعيد الميداني فمازلنا , منذ الربع الاول من القرن المنصرم , وحتى الان وشعبنا يقدم قوافل الشهداء ,من اجل نصر ينعم به,في ارض الاباء والاجداد.

و على مدار الرحلة الطويلة , والمرشحة لمزيد من الاطالة , لم ير شعبنا سوى المزيد من القهر , والقهر , والقهر
وهذا سؤال كبير بحجم الكون , يجب ان نتمتع بجرأة قوله وليقذف بوجه الساسة الفلسطينيين ,وعليهم التحلي بجرأة الاجابة عليه , والا فان للأمر اوجه اخرى .
فليس من منطق الاشياء , ان تستمر الثورة زهاء نصف قرن , ولا تحصد غير الالم ,ومزيد من الفرقة وتضيق رقعة الحلم ,الذي دفعت الاجيال المتعاقبة من شعبنا , العرق والجهد والدم من اجله ,اذا هناك خلل يجب ان نتقصى جوانبه
واعتقد انه يكمن في الادوات والوسائل ,ومدى ملائمتها لواقع شعبنا وثورته , التي تواجه احتلالا من نوع مختلف ايضا
كما يكمن في النخب القيادية , وحسن اختياراتها للوسائل والمواقف السياسية والميدانية , اضافة لقدرتها على الاستفادة من تجارب الاخرين , وقدرتها على التعلم من اخطاء الرحلة الكفاحية ... ويبدو واضحا ان هنا مكمن الخلل .

فلا يعقل لمجموع القوى السياسية العاملة في الحقل الوطني , ان تتبع نفس الاساليب , وذات المنهج الذي اتبعته قبل اربعة عقود او اكثر , وهي لا تأخذ العبر من اخطاء الماضي ,وتقع بذات المطبات السياسية , دون انتباه لآراء المختلفين معها من المفكرين و عموم الناس , مبتعدة عن احتياجاتها المجتمعية والمعيشية , وقد ظهر كثيرا هذا الاتجاه في العقدين الاخيرين , فهل من منطق الاشياء ان تبقى هذه القوى بهذا الشكل وبهذا النمط ؟
لاشك ان كل عاقل وغيور على المصلحة الوطنية , يدرك ان ذلك لا يجوز ولابد من تغير , ولكن بذات الوقت ,فان بقاء الحال على حاله يؤكد : ان هناك مجموعة من المنتفعين داخل هذه الاطر السياسية , لا تريد التغير ,وقد اعلت المصالح الشخصية على المصالح الوطنية , ولا يعنيها قهر الناس , بل تذهب اعمق من ذلك باستغلال الم الناس وقهرها,لمصالحها ,فإلى متى يبقى هذا الحال ...؟

وهناك غير القوى السياسية , القوى المجتمعية المدنية , التي تعمل وفق برامج ورؤى مجتمعية , تعتبر من الطراز الراقي والمتقدم في فهم ادارة المجتمعات , فاين دورها ايضا ,أم انها تكتفي بملامسات خجولة ,لا تطيح بأوضاعها مع السلطات القائمة من جهة , ولا تفقد مواضع ارتزاقها ؟
هذا سؤال برسم الاجابة عليه من شريحة المثقفين , والنخب السياسية والمجتمعية ...وهي مطالبة بان تخرج من دائرة صمتها الى ساحة الفعل , وخلق البدائل الاكثر ثقة لدى عموم الشعب , في محاولة جادة للبحث عن تغير بقوة الشعب وبالذهاب نحو مصالحه وليس ركوب آلام الشعب لمصالحهم ...فهل يحدث ذلك قبل فوات الاوان ؟

ان المرحلة الجديدة من الكفاح الفلسطيني والتي بدأت منذ العام 1993 , كان لابد لها ان تتسلح بالرؤى الواضحة والبرامج التي تضعها على الطريق الصحيح وان طالت , فعلى الرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على اتفاق "اوسلو" وما يعكسه من خلل في موازين القوى ,التي لا يمكن الا وان نقر بها , فقد كان بوسع القيادة الفلسطينية بكل اطيافها ,ان تتفق على برامج عمل جوهرها الارتقاء بالإنسان الفلسطيني والمحافظة على بقائه فوق الارض , كحالة نفي وتضاد لوجود الاخر المحتل ، وهذا كان يتطلب الاهتمام بقضايا المواطن الانسانية ,و توسيع دائرة الاشتباك الحضاري على مختلف الجبهات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

فلا يمكن خوض صراع من هذا النوع في نسيج اجتماعي تهتك , بفعل الاختلاف السياسي غير الصحي ,كما انه لا يمكن خوض هذا الصراع باقتصاد يعتمد على منافذ يحددها العدو ,كما انه لا يمكن بالمطلق خوض هكذا نوع من الصراعات الاستراتيجية , الوجودية بدون تمتين وتحصين الجبهة الثقافية ,وتوفير كافة المستلزمات البحثية والابداعية ,حيث ان الثقافة تشكل الحصن المنيع امام اية اختراقات , وبما ان الثورة الفلسطينية ادركت هذا البعد الاستراتيجي للمعركة مبكرا وعملت فيه وقدمت نماذج راقية سواء في الادب او السينما او المسرح ايام الاشتباك المسلح ,فقد كان جديرا بها ان تدرك اهمية هذا الميدان في مرحلة "اوسلو" حيث ان ظروف المرحلة تفرض تعزيزا عاليا لهذا الجانب الكفاحي ,وكان عليها بحكم الحالة الخاصة للقضية الفلسطينية ,ان تكون داعما ومنتجا في ان واحد للثقافة ,وبما يخدم تجانس الثقافة الوطنية وعدم امكان وقوعها في مطبات السوداوية الظلامية داخليا , وتحصين الرواية الوطنية وتمكينها في مواجهة الرواية الاسرائيلية ,ولكن بكل اسف كل ذلك لم يحدث ,ولذلك نرى حالة القهر التي يعيشها الانسان الفلسطيني , وحالة العجز
لان المقاومة تستنسخ حالات ماضية ,غير قادرة على احداث تغير لصالح الشعب , بل تزيد من معاناته , والمفاوضات ايضا تسير باتجاه ماضي , لا يستدرك ولا يأخذ العبر ويصر على العمل بذات الادوات , والشعب ينزلق الى مزيد من القهر... فمن يقرع ناقوس الخطر , ويدلنا على الحالة الجامعة المانعة , التي نتجه فيها ومن خلالها نحو الخلاص ؟؟

اعتقد ان سياسة الرئيس محمود عباس فيها الكثير من الحكمة التي نحتاجها , لأنني ارى في سلوكه السياسي ما يجنب شعبنا المزيد من القهر , ولكن الايمان بحكمة الرئيس لا تكفي ,فمن الواضح ان هناك فريق عمل ,لا يريد بالرئيس وبشعب الرئيس الخير , فلابد من اضاءة درب الرئيس نحو الخيارات الاكثر نجاعة لحل المشاكل الداخلية , وكما نشير بالبنان لحكمته على صعيد السياسة الخارجية ,نريده كذلك على مستوى السياسة الداخلية , وبما يعزز من قوة شعبنا , لتكون المتراس المتقدم لسياسة خارجية ناجعة للسيد الرئيس ,تحقق الظفر بخلاصنا ,من ليل الاحتلال ومن ليلنا الداخلي
فهل يحدث ذلك ؟؟